كتب أ.د. محمد الفرجات
في قلب الجنوب الأردني، حيث تتقاطع الجغرافيا مع التاريخ، تقع مدينة معان، إحدى أقدم مدن المملكة، وأكثرها عمقًا في الذاكرة الوطنية.
مدينة كانت محطة رئيسية في خط الحجاز الحديدي، ورافعة لوجستية كبرى في حركة الفوسفات نحو العقبة. واليوم، تقف معان أمام فرصة جديدة، لتحويل تراثها السككي المهجور إلى مشروع نقل حضري نظيف ومستدام يخدم سكانها ويضعها على خريطة المدن الذكية.
من الإرث العثماني إلى التحديات الحديثة
تعود جذور السكك الحديدية في معان إلى أوائل القرن العشرين، حين كانت المدينة إحدى أبرز محطات سكة حديد الحجاز، التي أنشأتها الدولة العثمانية لربط الشام بالحجاز. واستمر هذا الدور اللوجستي لمعان في العصر الحديث، من خلال نقل الفوسفات من مناجم الشيدية إلى العقبة عبر سكة حديد تمر من وسط المدينة، لتشكل شريانًا حيويًا لعقود طويلة.
لكن، ومع انتقال ميناء العقبة، وتوقف نشاط النقل عبر السكة قبل سنوات، أصبحت سكة الحديد في معان مهجورة، وتحولت من رافعة اقتصادية إلى عائق عمراني، خاصة مع مرورها قرب مناطق سكنية ومدارس وأحياء مكتظة.
مشروع القطار الكهربائي داخل معان
الفكرة:
تحويل السكة الحديدية المهجورة داخل مدينة معان إلى خط قطار كهربائي خفيف يعمل بالطاقة الشمسية، ويخدم الأحياء السكنية والتجارية والتعليمية، ضمن خطة نقل ذكية ومستدامة.
المرحلة الأولى:
استغلال المسار السككي القائم حاليًا داخل مدينة معان.
تشغيل قاطرات كهربائية خفيفة، تغذى من شبكات طاقة شمسية تُقام بمحاذاة السكة.
إنشاء محطات تحميل وتوقف عصرية، بالقرب من أحياء مثل: وسط البلد، حي الإسكان، والجامعة.
اعتماد نظام نقل حضري بتردد منتظم، يربط المعابر السكنية بالأسواق والمؤسسات الخدمية.
المرحلة الثانية:
ربط المسار بحلقة دائرية تشمل الأحياء الخارجية مثل حي الطور، وجامعة الحسين، وسكن الطالبات.
إنشاء خطوط مستقبلية تربط المدينة بـالميناء الجاف المقترح شرق معان.
تكامل المشروع مع السكك الحديدية الوطنية التي تُخطط المملكة لإنشائها، لتصبح معان نقطة عبور بين العقبة والميناء الجاف وعمان.
فوائد المشروع:
1. تقليل الازدحام المروري وحوادث تقاطعات السكة التقليدية.
2. خفض انبعاثات الكربون وتعزيز التحول للطاقة النظيفة.
3. خدمة الفئات السكانية محدودة الدخل بتكلفة تشغيل منخفضة.
4. تحسين جودة الحياة في معان من خلال بنية تحتية نقل ذكية.
5. تحفيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل في التشغيل والصيانة.
التحديات المتوقعة:
إعادة تأهيل السكة والبنية التحتية.
توفير تمويل أولي للمشروع (من الدولة، أو عبر شراكة مع القطاع الخاص).
الحاجة إلى دراسة فنية تفصيلية وجدو اقتصادية.
التنسيق بين جهات متعددة (بلدية معان، وزارة النقل، سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، مؤسسة سكة الحديد، وزارة الطاقة).
خطوات عملية مقترحة:
1. إعداد دراسة جدوى أولية للمسار الكهربائي.
2. تنظيم لقاءات مجتمعية مع سكان معان لاستطلاع الرأي والتفاعل.
3. إطلاق مشروع نموذجي تجريبي (pilot) لمسار واحد بطول 3-5 كم.
4. التوسع المرحلي بناءً على النتائج، وربط المشروع بالميناء الجاف مستقبلاً.
معان قلب نابض لهوية الدولة وتاريخها. وإعادة إحياء سكتها الحديدية عبر قطار كهربائي حضري ليست مجرد فكرة نقل، بل مشروع رؤية تنموية، يعيد لمعن دورها التاريخي، ويصوغ لها مستقبلًا ذكيًا نظيفًا ومستدامًا.
حان الوقت لتتحرك الجهات المعنية، وتتبنى المشروع بجرأة وإرادة، ليكون نموذجًا وطنيًا يُحتذى به في مدن المملكة الأخرى.