بقلم: هشام بن ثبيت العمرو
في مشهدٍ سرياليٍّ يُثير الغثيان، تتصدر الشاشات الصغيرة والكبيرة في الأردن حفنة ممن يُطلق عليهم زورًا وبهتانًا لقب “مشاهير السوشال ميديا”، بينما هم في حقيقتهم أدوات لنشر السطحية والانحدار الأخلاقي، وترويج الابتذال والانحلال، تحت شعارات مزيّفة مثل “الترفيه” و”الترند” و”حرية التعبير”. والحقيقة أنهم لا يملكون من الشهرة إلا قبح الصوت، ومن التأثير إلا خراب الوعي.
إن ما يقدمه هؤلاء من محتوى لا يمكن أن يُسمى ترفيهًا، بل هو قذارة رقمية تُسكب على رؤوس المتابعين صباح مساء، تحوّل الشاشات إلى حفرٍ من الإسفاف، وتُفرغ مفهوم القدوة من كل قيمة. يتحدثون بألسنةٍ بذيئة، ويتراقصون على جراح الأخلاق، ويعرضون تفاصيل حياتهم التافهة وكأنها فتحٌ إعلامي، فيما يهلل لهم المتابعون في مشهد يُعري الأزمة الأخطر: أزمة الذوق، وأزمة دولة صامتة لا ترى ولا تسمع.
ولعلّ أقبح ما ظهر مؤخرًا، تلك “المقدمة الإعلامية” – إن صحّ تسميتها إعلامية – التي تتصدر برنامجًا يُبث على قناة فضائية، متخطيةً كل الحواجز الأدبية، منتهكةً كل القيم الأخلاقية، ببذاءة فجة وجرأة وقحة على الذوق العام، وهي تتعمد تقديم محتوى لا يُوصف إلا بأنه منحط، لا يليق لا بمنصة ولا بإنسان. محتوى قذر بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يُندى له الجبين، وتشمئز له النفوس السليمة، ومع ذلك لا رقابة تحاسب، ولا مسؤول يُحرّك ساكنًا، وكأن القوم نائمون، أو شركاء في الجريمة بالصمت والتجاهل.
أين الجهات الرقابية؟ أين وزارة الإعلام؟ أين القانون الذي يُفترض أن يحاسب على نشر الانحطاط وتخريب الذوق العام؟ أم أن الدولة قررت أن تتفرج بصمت على انهيار منظومتها الأخلاقية، مكتفيةً بتضييق المساحات على الخطاب المسؤول، بينما تُترك الألسنة البذيئة تنهش في الوعي الوطني دون رادع؟
إن من يدّعون “التأثير” اليوم لا يصنعون وعيًا، بل يدمّرونه. إنهم يقدمون تفاهة ملوّثة، ويعتدون على المجتمع في أخلاقه وقيمه، وهم في الحقيقة خطر اجتماعي، ثقافي، وأخلاقي، أكبر من أن يُستهان به. والمصيبة أن بعضهم بات يُكرَّم، ويُمنح الجوائز، وكأننا نكافئ الإسفاف ونكرّس السقوط.
إن استمرار هذا الانفلات الإعلامي والأخلاقي دون محاسبة حقيقية هو وصمة عار في جبين الدولة والمجتمع على حد سواء. فكل دقيقة يُبث فيها هذا المحتوى القذر دون مساءلة، هي جريمة تشاركية يتورط فيها الجميع، من صانع المحتوى، إلى المسؤول الذي يكتفي بالمشاهدة.
الوقت لا يحتمل مجاملة ولا مداراة. المطلوب اليوم ليس فقط تفعيل قانون المحتوى الهابط، بل اجتثاث هذه الآفة من جذورها، واستعادة الهيبة القانونية والرقابية للدولة. لا نريد أن نصحو على أجيال ترى في السفاهة طريقًا للنجاح، وفي الإساءة وسيلة للشهرة.
ختامًا، لا تُقاس قوة الدول بحجم جيوشها فقط، بل بقدرتها على حماية أخلاق مجتمعاتها، وصون وعي أبنائها. فإن عجزت الدولة عن ذلك، فلن يُجدي حينها لا الأمن ولا الاستقرار. حين يُصبح الانحطاط هو القانون غير المكتوب، فكل ما بعده هو انهيار.