بقلم فادي زواد السمردلي
من المثير للسخرية، بل للغضب، أن نجد أنفسنا في كل فترة نُجرّ إلى جدل بيزنطي مفتعل حول ماهية الهوية الوطنية الأردنية، وكأنها لا تزال قيد التشكل أو كأنها صفحة بيضاء يحق لأي كان أن يخربش عليها بما يشاء فيخرج علينا البعض، بأجندات ناعمة وأخرى خفية، ليقترحوا أسماء بديلة مرة يسمونها “هوية جامعة”، ومرة “موحدة”، وغدًا لا نعلم أي وصف جديد سيفاجئوننا به، ربما “توافقية” أو “هجينة” أو غير ذلك من التسميات التي تُصاغ بعناية لتُرضي الجميع، عدا الأردنيين أنفسهم فمتى كانت الهوية الوطنية الأردنية بحاجة لإعادة تعريف؟ ومن الذي أوهم هؤلاء أن بإمكانهم اختزال كينونة شعب وتاريخه في مجرد مصطلحات مرنة قابلة للتسويق؟
لماذا هذا الإصرار المتكرر والمريب على العبث بأبسط ثوابتنا؟ ولماذا هذه المحاولات المستمرة لإذابة الفروق وتشويه الوضوح الوطني بذريعة التعددية أو التشاركية أو حتى “الاحتواء”؟ إن الهوية الوطنية الأردنية لا تُختصر بشعار ولا تُغلف بعبارات مطاطية، فهي حصيلة تاريخ من النضال، والانتماء، والسيادة، والخصوصية الثقافية والاجتماعية إنها ليست “هوية جامعة” تُفصَّل على مقاس اللحظة، بل هي هوية جامعة أصلًا لأنها نابعة من الأرض والناس والتضحيات ومن يدّعي اليوم أنه يحمل مشروعًا لتطوير هذه الهوية أو توسيعها أو تليينها، إنما يحاول ــ بقصد أو بغير قصد ــ تقويض أسس الدولة الوطنية، وتفريغ الوطن من معناه لصالح مشاريع لا تمت بصلة للمصلحة العامة.
ما لا يفهمه هؤلاء ــ أو يتجاهلونه عن عمد ــ أن الأردنيين ليسوا في حالة ضياع ليبحثوا عن هوية، وليست لديهم عقدة نقص تستدعي إعادة صياغة انتمائهم فهم أبناء بلد راسخ، وهوية واضحة، وجذور ممتدة فلا يحتاجون إلى من يُعيد تعريفهم ولا إلى من يُنظّر عليهم من أبراج عاجية أو صالونات ناعمة فهم يعرفون جيدًا من هم، وماذا يعني أن تكون أردنيًا قالهوية الوطنية الأردنية لم تكن يومًا محل نزاع أو تفاوض، ولن تكون وأي محاولة للمس بها أو تجويفها أو صهرها تحت أي عنوان مزيّف، ستُواجه برفض قاطع وواعي.
الأردنيون اليوم، كما كانوا دومًا، لا يقبلون إلا بهوية وطنية أردنية نقية، غير قابلة للتأويل أو التشويه فلا حاجة لتسميات تلفيقية تحاول الإيحاء بأننا بحاجة إلى “وحدة مصطنعة”، لأن الوحدة الوطنية قائمة بالفعل ومترسخة في ضمير الدولة والشعب ومن أراد أن ينضم إلى هذه الهوية فمرحبًا به تحت شروطها وثوابتها، أما من أراد تفكيكها أو تجييرها لحسابات سياسية أو فئوية أو إقليمية، فلن يجد في الأردن سوى الرفض والمواجهة والوعي الشعبي الذي لا يساوم على ثوابته.
شاء من شاء وأبى من أبى، هذه هويتنا، وهذا وطننا، ومن يعتقد أنه قادر على تغيير معالمه، فهو واهم.
فالأردن اولا واخيرا وما بينهما.