وطنا اليوم _بقلم د. دهمه الحجايا
في الحادي والعشرين من آذار/مارس 1968، وبعد أقل من تسعة أشهر على هزيمة حزيران التي هزت العالم العربي، وقف الجيش الأردني كالطود الشامخ في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية المدججة بأحدث الأسلحة، ليكتب بدماء أبطاله صفحةً جديدةً في تاريخ العسكرية العربية: معركة الكرامة ،التي لم تكن مجرد انتصار عسكري، بل إيذانًا بتحول جذري في وعي الأمة، وإثباتًا بأن الهزيمة ليست قدراً، وأن النصر قد يُستَلّ من بين أنياب المستحيل.
الكرامة.. حين انتفضت الإرادة ضد المستحيل
لم تكن الظروف التي سبقت المعركة لتشير إلى أي أفقٍ للنصر. فبعد نكسة 1967، بدا المشهد العربي مُثقلًا باليأس، بينما استمرت إسرائيل في تعزيز أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”. لكن القيادة الهاشمية، بقيادة المغفور له الملك الحسين بن طلال، قررت أن ترد على الهزيمة بإرادة صلبة، وأن ترفض أي تفاوض يمر عبر انتهاك السيادة. هكذا، عندما شنت إسرائيل هجومها الواسع على الضفة الشرقية لنهر الأردن، بقصد احتلال مرتفعات السلط وتحطيم الجيش الأردني، وجدت نفسها أمام مفاجأة لم تُحسب حسابها: جندي أردني يرفض الاستسلام، ويحوّل ساحة المعركة إلى مقبرة للغزاة.
12 ساعة من النار.. كيف سُطِّرت الملحمة؟
في فجر ذلك اليوم، اجتازت القوات الإسرائيلية نهر الأردن بعشرات الدبابات والمدرعات، مدعومةً بسلاح الجو، متوهمة أن احتلال شرق الأردن عملية “نزهة عسكرية”. لكن سرعان ما تحولت الساعات الـ12 التالية إلى جحيم مُحرق للعدو. فبينما اشتبكت القوات النظامية مع العدو على طول الجبهة، انخرط بعض المقاتلين من أبناء الشعب في هجمات جانبية، مما أربك خطط العدو.
“في إطار الدعم اللوجستي الشعبي للحرب، نظمت نساء قريتي عيرا ويرقا حملاتٍ لجمع السمن وتقديمه للجيش، حيث اُستخدِمَ السمن لتشحيم المدافع والحفاظ على فاعليتها خلال المعارك، مما يعكس دورًا مجتمعيًا حيويًا ساهم في الصمود العسكري.”
وبحسب الروايات العسكرية، فقد خسر الجيش الإسرائيلي في ذلك اليوم نحو 250 جنديًا بين قتيل وجريح، و45 دبابة، و70 آلية عسكرية، و5 طائرات حربية، بينما استشهد 86 جنديًا أردنيًا، في تضحية أعادت للأمة إيمانها بكرامتها.
لماذا بقيت الكرامة نقطة مضيئة في تاريخ النضال العربي
لم يكن انتصار الكرامة مجرد ضربة عسكرية، بل صفعة معنوية لدعاية التفوق الإسرائيلي. فبعد أشهر من الهزيمة، أثبت الجندي العربي – ممثلاً هنا بالأردني – أنه قادر على الصمود والردع، حتى مع تفوق العدو تقنيًا.
إرث الكرامة: درس في الوحدة والثبا
اليوم، وبعد 57 عامًا، تبقى معركة الكرامة شاهدًا على أن النصر صناعة إرادة. فالأردن، برؤية قيادته الهاشمية الحكيمة، وتماسك جيشه وشعبه، حوّل الهزيمة إلى فرصة، واليأس إلى أمل. كما أكد جلالة الملك عبدالله الثاني، في إحدى كلماته: “الكَرامة علمتنا أن الوحدة بين القيادة والجيش والشعب هي سلاحنا الأقوى”.
في الذكرى السابعة والخمسين، لا تزال أصداء المعركة تردد رسالة واضحة: إن كرامة الأمة تُبنى بإرادة أبنائها، وبسواعد من يرفضون الاستسلام.٤
