جميل النمري
لا يكفي القول ان التجاوزات كانت فردية وسوف يتم التحقيق فيها والمحاسبة عليها. يجب تصويب المسار: وقف مسار التفرد بالسلطة والتوجه مباشرة الى مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية لإشراكها بجد في المرحلة الانتقالية، في الحكومة الجديدة وفي المجلس التشريعي وفي صياغة الاعلان الدستوري. لما لا يكون الى جانبك وحولك مجلس رئاسة فيه رموز من المكونات السياسية الإجتماعية الرئيسية؟! وليكن نصفه من رجالك والباقي من شخصيات سياسية معروفة ومشهود لها. هناك شخصيات وازنة انشقت عن النظام وهناك شخصيات بارزة عارضت نظام الأسد ودفعت ثمنا باهضا حتى قبل ان تولد أنت.
إستفد من محيط عربي ودولي داعم لك ويريد وحدة وأمن واستقرار سوريا. السعودية وقطر والامارات ومصر والاردن اعلنت على الفور دعمها لفرض سلطة الدولة وسيادتها وادانتها لحركة التمرد والجرائم التي ارتكبتها والاعتداءات الآثمة على الأمن وعلى المواطنين. ولا نعتقد ان أي جهة خارجية مفترضة دعمت التمرد تملك الأسباب والقدرات لتنظيم انتفاضة او ثورة مضادة ناجحة واقصى ما تقدر عليه دعم بؤر مقاومة أو عصيان مسلح قد تظهر كردّات فعل بائسة ويائسة لكن يمكن الاستثمار فيها لزعزعة الأمن ومنع الاستقرار وتسعير الاحقاد و الانقسام وربما نشوء حركات مقاومة انفصالية وتقسيمية اذا مضى نهج التفرد حتى نهاياته القصوى.
سجّلنا للشرع الادارة الحكيمة ومنع الانفلات الانتقامي العشوائي وتفهمنا ان بعض الافعال كانت فردية وخارج السيطرة لكن الاصرار على متابعة التفرد المطلق بالسلطة سينتهي بلا شك الى اضعاف التضامن حول القيادة والحد من قدرتها على لجم الانفلاتات ناهيك عن كفاءة ادارة بلد بحجم سوريا. وقد كانت الخطأ الكبير اللاحق هو حلّ الجيش السوري، فماذا يعني ترك اكثر من 300 الف شخص للجوع والغضب واليأس تماما كما حصل في العراق؟! هؤلاء يجب النظر لهم كموظفين حكوميين في القطاع العسكري لديهم حقوق مشروعة ورواتب فلا يصرفوا لبيوتهم هكذا. وقد كان ممكنا القيام بعملية اكثر تنظيما وكفاءة لتسوية الأوضاع دون حل الجيش وفي اطار تطبيق العدالة الانتقالية على كل الضباط والافراد المتورطين في جرائم مع النظام السابق.
نثق ان الشرع غادر تماما عالم السلفية الجهادية وانضج تجربة مختلفة في ادلب لكن لا ننسى ان التنظيم عموما لم يبرأ تماما من هذا النهج وثقافته وايدلوجيته وفيه آلاف الاجانب الذين لم يأتو من اجل قضية وطنية سورية بل من اجل قضية السلفية الجهادية العالمية وهم يمثلون خطرا مقيما على أي توجه وطني سوري وعلى الشرع نفسه. وقد رأيناهم حين اتيحت الفرصة يهبطون من الشمال وينفلتون ومعهم ميليشيات حليفة اخرى على قرى وبلدات العلويين يمارسون اجرامهم ووحشيتهم المكبوتة. وقد سجلت الجهات الرقابية لحقوق الانسان مثل المرصد السوري مقتل مئات المدنيين وارتكاب ما لا يقل عن 6 مجازر جماعية.
لا نعرف ما الذي حصل حقا. هل كان مخططا منظما من قبل ” الفلول ” وبتنسيق مع الخارج لثورة مضادة تحتل الساحل السوري أم ردّ فعل عشوائية مغامرة على الحملات الأمنية التي اطلقتها السلطة في تلك المناطق؟! في كل الأحوال لن يكون هذا التمرد الطلقة الأخيرة في مخزن الاحتقان الذي سيتجدد ويمتلىء بالذخيرة مجددا بقدر ما تتجه السلطة للتفرد والإقصاء وقد نشهد نشوء مقاومة مسلحة منظمة مديدة توفر ركيزة لتدخل ودعم خارجي على غرار ما حدث في العراق بصورة مقلوبة. وقد ينشأ تحالف جديد بين بؤر مقاومة مسلحة حاضنتها الاجتماعية هي ” الأقليات ” العلوية والدرزية والكردية وهذا حلم اسرائيل التاريخي تضيف له جيب الجنوب السوري ليكون تحت حمايتها بذرائع امنية.
لا يكفي وعد الشرع بالتحقيق والمحاسبة على التجاوزات وهو لن يستطيع ذلك وليس بين يديه أدوات السلطة الحكومية المستقلة. يجب على الرئيس ان يصنع تحالفا واسعا يسند شرعية السلطة ويحاصر الميول الفئوية والطائفية ومشاعر الكراهية والسعي للانتقام . يجب جذب القوى السياسية والقيادات المجتمعية من مختلف الفئات للشراكة والتعاون لأن للجميع مصلحة في سوريا موحدة ديمقراطية يحكمها القانون، واشراك الجميع هو الوسيلة الوحيدة لإعطاء الطأنينة وتبديد مشاعر الخوف ونبذ خيار الاحتفاظ بالسلاح احتياطا للدفاع الذاتي. ومن المؤكد أن المجتمع الدولي كله والأشقاء العرب في المقدمة سيسعدون بهذا التصويب وستنتفح ابواب الدعم لسوريا الشرع على مصراعيها.