الدكتور محمد نهار الهواوشة:
تشهد غزة، التي طالما عانت من ويلات الحصار والحرب، من توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة، في خطوة تمثل نقطة تحول هامة في مسار القضية الفلسطينية. الاتفاقية، التي جاءت بعد أسابيع من القتال العنيف والتصعيد المستمر، تُعد إنجازًا سياسيًا ودبلوماسيًا، إلا أنها ليست مجرد وثيقة تُوقع، بل محطة مفصلية تتطلب الوقوف عندها وتأمل أبعادها وتأثيراتها على الشعب الفلسطيني ومستقبل المنطقة.
ملامح الاتفاقية وأهميتها
تتضمن الاتفاقية وقفاً فورياً وشاملًا للأعمال العدائية، بالإضافة إلى تفاهمات تتعلق بتبادل الأسرى بين الجانبين، إلى جانب دخول المساعدات الى قطاع غزة، بالإضافة الى عودة النازحين الى بيوتهم . هذه الخطوة تمثل انتصاراً للإنسانية، إذ تهدف إلى إنهاء معاناة آلاف الأسر الفلسطينية التي تعرضت للتهجير وفقدان الأحبة، كما تسعى لاستعادة الأمل للأسرى الفلسطينيين الذين دفعوا ثمنًا باهظاً في سجون الاحتلال.
وقف إطلاق النار ليس مجرد إجراء أمني، بل رسالة تؤكد أن لغة القوة والسلاح لا يمكن أن تكون الحل النهائي. إنه اعتراف ضمني بأن الحلول السياسية والدبلوماسية هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار.
تبادل الأسرى: أمل يتجدد
أبرز ما يميز الاتفاقية هو ملف تبادل الأسرى، الذي طالما كان نقطة خلافية مركزية في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. هذا الملف يحمل في طياته معانٍ إنسانية عميقة، حيث يعيد للأسرى الفلسطينيين حريتهم وكرامتهم، ويعيد الأمل لأسرهم التي انتظرت سنوات طويلة لاحتضان أبنائها.
التبادل يُعد إنجازاً وطنياً كبيراً، يعكس إرادة الشعب الفلسطيني في الحفاظ على كرامة أسراه، ويؤكد أن النضال لا يقتصر على ميادين القتال بل يمتد إلى ساحات السياسة والدبلوماسية. إنه تجسيد للتلاحم بين جميع فئات الشعب الفلسطيني ووحدة الصف الوطني.
تحديات التنفيذ وثغرات الاتفاقية
رغم التفاؤل الذي حملته الاتفاقية، إلا أن التحديات ما زالت قائمة. التنفيذ على الأرض سيكون اختباراً حقيقياً لجدية الأطراف المعنية والتزامها ببنود الاتفاق. تجربة الماضي أثبتت أن الاحتلال الإسرائيلي كثيراً ما يلجأ إلى خرق التفاهمات، مما يتطلب مراقبة دولية صارمة وضمانات فعلية لحماية الاتفاقية من الانهيار.
كما أن الاتفاقية لم تتطرق بشكل كافٍ إلى القضايا الجذرية للنزاع، مثل رفع الحصار عن غزة وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. هذه القضايا تبقى عالقة وتحتاج إلى جهود سياسية ودبلوماسية مكثفة لحلها.
الدور العربي والدولي في إنجاح الاتفاق
لا يمكن إغفال أهمية الدور العربي والدولي في تحقيق هذه الاتفاقية. دول مثل مصر وقطر لعبت دوراً محورياً في الوساطة، مما يعكس أهمية التضامن العربي والإسلامي لدعم القضية الفلسطينية. كذلك، فإن الضغط الدولي والمواقف الشعبية العالمية ضد العدوان الإسرائيلي ساهمت بشكل كبير في الوصول إلى هذا الاتفاق.
لكن الدور العربي لا يجب أن يتوقف عند الوساطة. على الدول العربية تعزيز دعمها السياسي والاقتصادي لغزة، والعمل على إعادة إعمارها ورفع الحصار عنها. كذلك، يجب استثمار هذه اللحظة للدفع نحو مفاوضات أوسع تشمل حلًا شاملًا وعادلًا للقضية الفلسطينية.
أما بالنسبة لموقف الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، على رأس الدول التي سعت بقوة وبجهود دبلوماسية مكثفة لإنهاء التصعيد وحماية الشعب الفلسطيني.
وبفضل مواقف الأردن الثابتة والداعمة، قدمت نموذجاً مشرفاً في الدفاع عن القضية الفلسطينية، مؤكدة على عمق الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمع الشعبين. كما أن دور الأردن في التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية أسهم بشكل كبير في تحقيق هذه الاتفاقية.
نحو مستقبل أفضل
الاتفاقية، رغم أهميتها، ليست نهاية المطاف. إنها خطوة في مسار طويل لتحقيق العدالة والسلام. الشعب الفلسطيني يستحق أكثر من وقف لإطلاق النار، فهو بحاجة إلى إنهاء الاحتلال ورفع الحصار وتحقيق استقلاله الوطني.
على المجتمع الدولي أن يدرك أن استدامة السلام لا تتحقق بالتهدئة المؤقتة، بل بإحقاق الحقوق وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. ومن هنا، فإن مسؤولية الجميع، حكومات وشعوباً، أن يستمروا في دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في جميع المحافل.
خاتمة
اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى ليست مجرد حدث سياسي عابر، بل تمثل نقطة أمل جديدة للشعب الفلسطيني الذي أنهكته الحروب والمعاناة. ورغم التحديات، فإنها فرصة لبناء مسار جديد نحو العدالة والكرامة. ولكن يبقى السؤال: هل ستتحلى الأطراف كافة بالشجاعة والالتزام لتحقيق سلام دائم ينهي هذا الصراع الذي طال أمده؟ أم أن هذه الاتفاقية ستكون مجرد هدنة أخرى في سلسلة طويلة من الصراعات