أطفال غزة وبائعة الكبريت.. حين يتحول الخيال إلى مأساة واقعية بغزة

31 ديسمبر 2024
أطفال غزة وبائعة الكبريت.. حين يتحول الخيال إلى مأساة واقعية بغزة

وطنا اليوم:في عالم مليء بالحكايات، كانت قصة “بائعة الكبريت” مجرد خيال نسجه قلم أندرسن ليحكي عن طفلة أرهقها الفقر والبؤس حتى استسلمت للبرد القارس، في قصة نعتقد أنها لا تمت للواقع بصلة، لكن في قطاع غزة، تلك البقعة التي تعيش تحت وطأة الحرب والحصار منذ أكثر من 14 شهرا، أثبتت أن الخيال قد يصبح واقعا أشد قسوة.
في خيام مهترئة في قطاع غزة، يواجه الأطفال نوعًا من الموت الجديد الذي يُضاف إلى سلسلة من الموت الذي يعيشونه خلال حرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو البرد القارس الذي يزورهم في ظلمة الليل ليأخذهم وينهش أجسادهم الصغيرة مع دخول فصل الشتاء، بعد فقدانهم المأوى الدافئ والغطاء الكافي في مخيمات النزوح التي تفتقر إلى أدنى مستويات المعيشة.
ووصل عدد الأطفال الذين توفوا نتيجة البرد القارس في قطاع غزة إلى 6 أطفال حديثي الولادة، حيث كان أحدثهم الرضيع علي البطران، وهو توأم الطفل الذي فارق الحياة -الأحد الماضي- ويبلغ من العمر شهرًا واحدًا، استشهد -أمس الاثنين- نتيجة انخفاض درجات الحرارة والبرد الشديد، وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا).
ولاقى انتشار خبر وفاة الأطفال بسبب البرد في خيام النازحين نتيجة انعدام وسائل التدفئة رواجا كبيرا بين أوساط مغردين فلسطينيين وعرب، حيث شبّه الناشطون ما يحدث مع الأطفال في قطاع غزة بقصة الطفلة “بائعة الكبريت” الخيالية.

وتحكي قصة “بائعة الكبريت” مأساة فتاة فقيرة في ليلة رأس السنة، تجوب الشوارع حافية القدمين محاولة بيع أعواد الثقاب، لكنها تواجه البرد والجوع دون أن تجد من يشتري منها. تجلس في زاوية بين منزلين، وتبدأ بإشعال أعواد الثقاب لتحتمي بالدفء المتخيل، فتتراءى لها مشاهد جميلة: مدفأة دافئة، مائدة طعام، شجرة ميلاد، وأخيرًا جدتها الحنونة في لحظة دفء أخيرة.
تتخيل الفتاة جدتها تأخذها بعيدًا عن معاناتها. في الصباح، يجدها الناس ميتة مبتسمة، ظانين أنها ماتت بردًا، دون أن يدركوا أنها نالت السكينة التي حلمت بها، تاركة وراءها الكبريت، والبرد الشديد، والجوع.
وتعليقًا على موت الأطفال في غزة بسبب البرد، قالت الناشطة الفلسطينية نور أبو سلمى: “لم يكن في مخيلة أحد أن البرد يميت مثل النار. كلنا، صغارًا وكبارًا، نرى النار أشد وجعًا عند الموت، ولم نعرف أحدًا مات من البرد إلا بائعة الكبريت في قصص الأطفال وبرامج مثل سبيستون”.
وتساءلت: “فما بال أطفال غزة لا يطيقون البرد، ليتحملوا قليلًا، ليختاروا طرقًا أخرى أكثر دفئًا؟ لا يسعني التخيل أن تلف طفلًا بما لديك من أقمشة، وحتى أنك تلفه بجسدك، وتراه في الصباح مثل خشبة، مزرق الشفاه، مغمض العينين خوفًا من أن يرى فاجعة أمه وأبيه”.
ومن جهتها، أوضحت الناشطة إسراء عبر فيسبوك أنها طوال حياتها لم تسمع عن أحد مات بسبب البرد سوى “بائعة الكبريت”، لكن اليوم، وفي عام 2024، أصبح هذا المشهد المأساوي واقعًا نراه بأعيننا، وعلى مرأى من العالم أجمع، حيث يموت الأطفال في قطاع غزة من البرد القارس في ظروف لا يمكن وصفها.
وبدوره، قال الداعية الفلسطيني جهاد حلس إن أطفال غزة يتجمدون الآن من شدة البرد حتى الموت في الخيام، مع انخفاض درجات الحرارة واشتداد الرياح التي تؤدي إلى تطاير الخيام، تاركة النازحين في العراء في منتصف الليل.
وكتبت إسراء سامي عبر فيسبوك: “الأهالي لا ينامون الليل وهم يتفقدون أطفالهم من شدة البرد في الخيام. الأطفال أنفسهم أصبحوا مرعوبين من فكرة الموت بسبب البرد. إنها حالة فزع جماعية لشعب فعلا مات من البرد، وليس مجرد تعبير مجازي”.
كما علق أحد المغردين قائلا: “البرد يتسلل للصغار الغزيين ويقضم قلوبهم، حين حوصرت المدينة أول مرة، وقُطعت عنها الكهرباء والوقود، والنَفَس، لكنهم -أقصد الغزازوة- أصبح الموت من البرد هاجسي الذي يستهلك ما تبقى مني. أتحسس صغاري كل حين، والداي، تتملكني رجفة غير مبررة كلما رأيت صغيرًا بالشارع دون غطاء يحميه من هذا الغول الجديد”.
وعبّر مغردون آخرون تعليقًا على وفاة توأمين بسبب البرد أن فصل الشتاء في قطاع غزة مأساة تتجدد في ظل الظروف المأساوية وانعدام التدفئة اللازمة التي قضت على حياتهما مع نقص المستشفيات نتيجة الحصار المفروض والعدوان المتواصل الذين يُفترض أن تحميهم الحاضنات من قسوة الطقس، يجدون أنفسهم ضحايا نقص الإمكانات وقسوة الظروف.
ويتساءل الناشطون: “أين سيذهب كل مطبع من الله؟ يتم إبادة أهل غزة بكل الطرق البشعة، ومنها موت الأطفال تجمدًا من البرد نتيجة الدمار الشامل في غزة والقصف الصهيوني المستمر الذي يستهدف مقومات الحياة. أين سنذهب من هذا الذنب العظيم والطفلة سيلا تموت من البرد أمام العالم الجبان الذي يتفرج على إبادة الأطفال والنساء؟”.