وطنا اليوم:أثارت تصريحات وزير الخارجية الأردني الأسبق، ناصر جودة، عن عدم ارتباط المساعدات الأمريكية للأردن بإملاءات أو شروط سياسية؛ تساؤلات حول مدى مطابقتها للواقع دون مصالح أو مطالب.
وقال جودة في محاضرة نظمها منتدى “مؤسسة عبدالحميد شومان” في العاصمة عمان الأحد الماضي؛ إن “المساعدات الأمريكية للأردن لم ترتبط يوما بشروط أو إملاءات سياسية مطلوبة”، مضيفا أن “هناك علاقة احترام للأردن ومواقفه المختلفة، وهي علاقات صداقة وانفتاح وحوار صريح ومباشر”.
“لا شيء مجاني”
وفي الاتجاه الآخر؛ قال الوزير الأسبق جواد العناني؛ إنه “لا شيء تحت الشمس بالمجان، إلا أن الأردن وضع نفسه في مكان يستحق فيه تلقي هذه المساعدات”.
وأوضح أن الأردن شكل مركز ثقل ثابت بالنسبة للأمريكيين وسياستهم في المنطقة، واستطاع أن يحافظ على استقراره في منطقة تقع على حدود دول شهدت اضطرابات وفتنا وحروبا داخلية، مثل سوريا والعراق والسعودية ولبنان وفلسطين، عدا عن كونه يقع شرق أطول حدود مع “إسرائيل”، وفق قوله.
ورأى العناني أن الأردن بقي مستقرا أيضا في أثناء فترة الربيع العربي وتمكن من احتواء الاحتجاجات آنذاك، ولم تنهر قواه أمام الأزمة الاقتصادية في 2008، وكذا في أثناء أزمة كورونا، وكان شريكا للأمريكان وغيرهم في محاربة “الإرهاب” والحفاظ على أمن الخليج، وتمتع عبر تاريخه بمقدرات أمنية وعسكرية.
وتابع: “كل ما سبق، جعل الأردن قادرا على المناورة في تحركاته الخارجية وسط تناقضات، وبات خيارا جيدا لأن يكون حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية، ما يشجع هذه الأخيرة على منحه المزيد من المساعدات كي يحافظ على أمنه في المنطقة”.
وبين الوزير الأسبق أن تحقيق حل نهائي للقضية الفلسطينية يشكل حلما لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، التي تبحث عن قاعدة لها في المنطقة، وعن نظام تستطيع أن تتحدث معه ويتفهم لغتها، حتى لو اختلفت معه أحيانا، وهذه المواصفات متوفرة في الأردن.
وحول الأهداف الاقتصادية الكامنة وراء المساعدات الأمريكية المقدمة للأردن، قال العناني؛ إن “أمريكا أكثر دولة مؤثرة على سياسات صندوق النقد الدولي؛ الذي يتبنى نماذج في التصحيح الاقتصادي متوافقة مع العقائدية الاقتصادية التي تتبناها أمريكا”، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة “يهمها أن تقول إنها نجحت في تطبيق هذا النموذج على بلد كالأردن”.
أكبر برنامج مساعدات
ويُعد برنامج المساعدات الأمريكية للأردن -أحد حلفاء واشنطن الأساسيين في الشرق الاوسط- من أكبر برامج المساعدات الأمريكية في العالم، ويعتمد اقتصاد المملكة إلى حد ما على المساعدات الخارجية، وخصوصا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
وبحسب الموقع الرسمي للسفارة الأمريكية في عمّان؛ فإن الولايات المتحدة ملتزمة منذ أكثر من 70 عاما بالعمل لازدهار جميع الأردنيين واستقرارهم، حيث قدمت منذ عام 1951 وحتى نهاية 2017 أكثر من 20 مليار دولار أمريكي كمساعدات للأردن في عدة مجالات؛ أهمها “الأمن والاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم والمياه”.
ما هو المقابل؟
ويرى أستاذ العلوم السياسية، البروفيسور أحمد سعيد نوفل، أن الدول لا تقدم شيئا بلا مقابل، “فالعلاقات بين الدول مبنية على المصالح، والاقتصاد مرتبط بالسياسة”.
وتساءل مستهجنا: “إذا كانت الولايات المتحدة تقدم مساعدات لوجه الله؛ فلماذا تقدم للأردن ما لا تقدمه لغيره؟ ولماذا تقدم هذه المساعدات للكيان الصهيوني ولا تقدمها للبنان مثلا؟”.
وقال نوفل : إن الدولة الداعمة تربط مساعداتها غالبا بشروط محددة تصب في مصلحتها، وإذا لم تنفَّذ شروطها فإن النتيجة ستكون قطع هذه المساعدات، مستشهدا بإيقاف أمريكا مساعداتها عن الأردن حينما وقف على الحياد خلال أزمة الخليج الثانية.
وأعرب عن خشيته من أن تتخلى الدول العربية الداعمة للأردن عن تقديم المساعدات له، حتى ينكشف ظهره ولا يجد له داعما سوى الولايات المتحدة التي ستفرض عليه حينها شروطها المتعلقة بصفقة القرن وضم الضفة، ما سيشكل خطرا على القرار السياسي الأردني.
وحول ارتباط المساعدات الأمريكية للأردن بتحسين هذه الأخيرة منظومة حقوق الإنسان فيها؛ شكك نوفل بأن تكون أمريكا مهتمة بحقوق الإنسان في العالم، مستشهدا بانتهاك حقوق الإنسان الأسود في الولايات المتحدة نفسها.
واستدرك بالقول؛ إن الدعم الأمريكي مرهون بقرارات سياسية واجتماعية داخلية للأردن، كتوفير مناخ مناسب لنشوء أحزاب سياسية، وإجراء انتخابات ديمقراطية، واحترام “المثلية الجنسية”، مشيرا إلى أن تلبية رغبات المانحين في قضايا تتعارض مع أخلاقيات المجتمع تشكل خطرا على استقراره.
ولفت نوفل إلى ارتباط المساعدات الأمريكية بتعديل مناهج التعليم في الأردن، مستدلا بـ”التغييرات التي طرأت على هذه المناهج بعد توقيع اتفاقية وادي عربة مع الكيان الصهيوني، تماشيا مع الرغبة الأمريكية بتحقيق السلام في المنطقة”.
علاقة شخصية
ويتحدث مراقبون محليون بارتياح عن العلاقة الشخصية بين بايدن والملك عبدالله الثاني، متوقعين أن تنعكس هذه العلاقة إيجابا على برنامج المساعدات الأمريكية للأردن، وعلى الموقف من صفقة القرن التي أعلن بايدن خلال حملته الانتخابية معارضته لها، متهما ترامب بأنه “زعزع قضية تقرير المصير للفلسطينيين، وعمل على تقويض الأمل بحل الدولتين”.
وحول توقعاته بخصوص ازدياد المساعدات الأمريكية للأردن خلال فترة رئاسة بايدن؛ قال الوزير الأسبق جواد العناني؛ إن المساعدات الأمريكية للأردن كانت على الدوام تزيد ولا تنقص، متوقعا أن ترتفع قيمة المساعدات في فترة بايدن “إذا أحسن الأردن وضع البرامج التي تتفق مع أولوياته، وخصوصا أنه تربطه بالملك علاقة شخصية”.
واستدرك بالقول: “لا نضمن ديمومة هذه المساعدات، وخصوصا أنها مرتبطة بثلاث أو أربع سنوات، ويجب تجديدها بعد ذلك، وهذه القضية تفتح مجالا للتفاوض”.
من جهته؛ قال البروفيسور أحمد سعيد نوفل؛ إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان يمسك زمام السياسة الخارجية بيده، غير آبه باختلاف خارجية الولايات المتحدة معه في بعض المسائل، متوقعا أن يختلف الأمر في عهد بايدن الذي سيجد في الدور الأردني ما يخدم السياسة الأمريكية في المنطقة.
وأضاف: “لا نقول إن بايدن جاء من عالم آخر ولا يعرف السياسة الأردنية، ولكنه سيقف على العديد من القواسم المشتركة بينه وبين الملك عبدالله الثاني، وهذا سيصب في خانة ازدياد المساعدات الأمريكية المقدمة للأردن”.
وفي 15 شباط/ فبراير 2018 وقعت الأردن والولايات الأمريكية مذكرة تفاهم غير ملزمة، تعهدت خلالها الأخيرة بتقديم مساعدات للأردن بمبلغ 6.375 مليار دولار خلال خمسة أعوام.