حسن نصرالله ما بين الادارة بالاهداف والادارة بالنتائج

منذ 3 ساعات
حسن نصرالله ما بين الادارة بالاهداف والادارة بالنتائج

د. عادل يعقوب الشمايله

سواءاً كُنَّا مع حسن نصرالله أو ضدهُ ، فإنَّ مقتلهُ على ايدي العدو الصهيوني شهادةٌ لهُ لا عليه.
ولهذا، لا يجوز أن يكون مصيرَهُ موضوعاً للتشفي. كما أنَّ فقدَ حياةِ أيَّ إنسانٍ أمرٌ يثير الحزن والتعاطف.
كنتُ اتمنى أن أُنشد شعر امرئ القيس عندما سمعت خبرُ مقتل حسن نصرالله:
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
تفيضَ دُمُوعُ العَيْنِ مِنِّيْ
عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ محملي
لكنني لم ابك ولم انفعل فمن كان حبيبا لم يعد كذلك، وذكريات المنزل غيبتها التناقضات، مما جعل أداءَ حزب الله بقيادة حسن نصرالله يتراجعُ باستمرار بشكل مؤلم ومخيب للامال ومثير للاحباط بينما تعلو وتيرة تهديداته وادعاءاته.
-حسن نصرالله لم يكن شخصا عاديا وإنما كان زعيم حزب لعب دورا محوريا في ادارة الصراع ما بين العرب واسرائيل، وادارة الصراع في سوريا التي تسببت في غضب وحنق غالبية من كانوا من مؤيديه، إضافةً الى دوره المحوري في إدارة الدولة اللبنانية.
ولذلك فإن تقييم اثر مقتل وغياب حسن نصرالله هو النقطة الجديرة بالبحث والتقييم. هذا التقييم ينبغي ان يأخذ باعتباره ثلاثة ابعاد: البعد اللبناني، البعد الفلسطيني والبعد العربي خاصة المجاور للكيان الصهيوني الوحشي.
وحتى ندلف الى تقييم الحدث فإنهُ يجبُ اعتمادُ آليةٍ موضوعيةٍ وليسَ عاطفية للتقييم.
-فمنذ عقود تحولَ تركيزُ علم الادارة من الادارة بالاهداف الى الادارة بالنتائج.
هذا ينطبق على ادارة الحكومات وادارة الجيوش والمليشيات وادارة السياسة الخارجية وتصميم وتنفيذ الموازنة العامة كما هو الحال في القطاع الخاص.
-تستطيعُ أيُّ وزارة او منظمةٍ أن تضعَ لنفسها ما تشاءُ وما يحلو لها وما يصله خيالها من الاهداف.
لكن اثبتت ابحاث تقييم اداء الحكومات في الدول المتقدمة فشل هذا النهج.
-بناءا على ذلك، تم استبداله “بنهج الادارة بالنتائج” باعتباره النهج الاكثر عقلانية وبالتالي الانسب، لأنه يتبنى معايير ومقاييس تساعد على معرفة مدى تحقق النتائج، بشكل يفوت الفرصة على المُقَصرين والمنافقين والمطبلين والغوغائيين والشعبويين خداع وتضليل شعوبهم.
ما يهمُّ الشعوبَ هو نتائج ادارة واستخدام الموارد التي تستخدمها الحكومات والجيوش والمليشيات واقصد الموارد البشرية مدنية او عسكرية، والموارد المادية والعلمية والتكنلوجيا.
هذا يقودنا الى مقارنة الاهداف التي اعلن عنها حزب الله وظل يرددها لسنوات طويلة، مع النتائج التي انجزها وحققها فعلا في المرات التي تقدم فيها للامتحانات الصعبة ابتداءا بمغامرة ٢٠٠٦، مرورا بنتائج مفاوضات واتفاقية تقاسم حقول النفط والغاز ما بين لبنان واسرائيل، واخيرا نتائج مساندته لحركة حماس ضد اسرائيل.
– فقد حصلت اسرائيل على (حصة خمسة أُسود وليسَ اسدٍ واحد) من حقل النفط والغاز. بينما لم يحصل لبنان على حصة ارنب.
– بالنسبة لتدخله في سوريا فقد تسبب في غضب وحنق غالبية من كانوا من مؤيديه. في رأيي أنه كان لحزب الله مبررات حاسمةٌ للتدخل. فقد كان الحزب هو المستهدف الاول من اثارة الفتنة في سوريا وليس بشار الاسد. ولذلك فإن الحزب بقيادة نصرالله كان يدافعُ عن وجوده وخط دفاعه الاهم و أوتوستراد الامداد من ايران. لأن تغيير النظام في سوريا كان سيؤدي الى قطع خطوط الامداد للحزب وربما تعزيز الطوائف اللبنانية المعارضة لوجود الحزب، ولكل منها ارتباطاتها ورهاناتها.
– بالنسبة لغزة، ظل حزب الله يتلقى الضربات الموجعة والمهينة وعشرات القتلى والجرحى يوميا وتدمير مواقعه العسكرية والبنية التحية العسكرية والمدنية في الجنوب اللبناني ومساكن المواطنين اللبنانيين مما ادى الى تهجير عشرات الالاف من الجنوب للعيش في ظروف معيشية صعبه لا تقارن اطلاقا بالمستوى المعيشي المُرَفهِ للمهجرين اليهود من شمال فلسطين. ولم يتجاوز رد الحزب عن اطلاق مفرقعات الكاتيوشا (المَسخَرةِ) التي لم تُلحق خسائرَ بالارواحِ والممتلكاتِ في اسرائيل تعادل ١٪؜ مما الحقته اسرائيل بالحزب وباللبنانيين.
– تسابقَ قادةُ اسرائيل السياسيين والعسكريين منذ بداية شهر ايلول على تهديد حزب الله بالغزو البري الى جانب مضاعفة القصف الجوي ما لم يتوقف عن اطلاق النار ليتمكن المهجرون الصهاينة من العودة لمنازلهم. الا أن قيادة الحزب كانت في حالة ضياع وذهول ومرحلة عدم القدرة على اتخاذ قرار وازن، ربما بسبب ضغوط البيئة اللبنانية المعارضة لدخول الحزب ومن ثم لبنان لحربٍ ستجلبُ الدمارَ للبنان المنهكِ اصلاً، ومساومات حكومة ايران التي تعاني من آثار الحصار، والاختراقات الداخلية التي تجاوزت مرحلة السيطرة عليها وضبطها.
– مساندةُ حزب الله لحرب غزة لم تُعرض اسرائيل للضغط العسكري الكافي والمؤثر للتقليل من ثقل ووحشية عدوانها غيرِ المبرر على المدنيين والحيلولة دون التدمير الممنهج لقطاع غزة. والا لما وصل حال القطاع الى ما نعرف جميعا سواءا قطاع السكان او المقاومة الفلسطينية، التي تقف الان عند آخر نقطة ما قبل النهاية.
– إذاً، بمنظور النتائج، فإن حزب الله قد فشل تماما ليس فقط في تحقيق اهدافه المُعلنة المكررة، مما افقده مبرر وجوده من وجهة نظر الشعب اللبناني والشعوب العربية . وقد كان على الحزب ان يراجع موقفه بعد فشله في مغامرة ٢٠٠٦ والتي أدت الى تدمير لبنان، واحتلال اسرائيل لجنوب لبنان، ثم انسحاب اسرائيل المشروط بطرد الحزب من التواجد جنوب نهر الليطاني. حيثُ أذعنَ الحزبُ لقرار الانسحاب من اراضي دولته التي كان يتواجدُ فيها الى شمال نهر الليطاني قبل مغامرته غير المحسوبة. وهذا يعني خسارة الحزب لانتصاره عام ٢٠٠٠ حين نجح في انهاء الاحتلال الاسرائيلي الذي جثم على صدر للبنان لعدة سنوات. بعد هذه الخسارة المُذلةِ انقلب الحزب ليستخدم قوته العسكرية في الداخل، لفرض ارادته وتغيير معادلات السياسة التقليدية في لبنان.
– اسفر استقواء حزب الله على الدولة اللبنانية عن استعداء الدول العربية الداعمة تقليديا للبنان مما ادى الى افلاس الدولة والقطاع الخاص. وصاحب ذلك نهبُ اموال البنوك التي هي مدخرات المواطنين والمستثمرين وتحويلها الى سيدته ايران التي تعاني من ويلات الحصار.
اعترفُ أنني كنت كما هو حال غالبية العرب من المعجبين والمؤيدين لحسن نصر الله في الفترة من عام ٢٠٠٠ وحتى ٢٠٠٦. وهو نفس الشعور والموقف من جمال عبدالناصر وصدام حسين. فالعرب شعبٌ عاطفي يتحمس عندما يسمعُ الشعارات التي يحب، تصدحُ بها افواه اشخاص لديهم كريزما وتضخمهم ابواق الاعلام الحكومي والاعلام المرتزق وتكللهم بهالةٍ من التعظيم والمبالغات.
ولكن مشاعرنا انقلبت الى النقمة عندما اوقع كل من جمال عبدالناصر وصدام حسين بلديهما وكامل الامة العربية في هوة لم تتمكن من الخروج منها بعد مرور نصف قرن على هزيمة عبدالناصر وربع قرن على كوارث صدام حسين. وهذا يقودنا الى ضرورة تغيير مياه البِرَكِ الراكدة وعدم تركها حتى تتعفن. يجب تغيير واستبدال الزعامات والقادة وضخ دماء جديدة وتجربة افكار وطروحات ومعالجات احدث. ربما كان من الممكن لحزب الله ان ينجو من هذا المآل المفجع والمذل لو ان حسن نصر الله ترجل عام ٢٠٠٦ ولو أن جمال عبدالناصر ترجل عام ١٩٦١ بعد انفصال الوحدة مع سوريا، ولو ان صدام حسين ترجل بعد وقف اطلاق النار مع ايران بعد ما تسبب به من مآسي وضحايا ودمار وافلاس للعراق لَجَنَّبَ العراق والكويت والعرب جميعا قراره المتهور باحتلال الكويت.
– علينا ان نتذكر أن اسرائيل عدوٌ وجودي للاردن وللعراق وللسعودية ولمصر ولسوريا ولبنان بنفس القدر تماما لعدائها الوجودي لفلسطين وللفلسطينيين. سندُ هذا العداء الذي لا تستطيع اسرائيل ولا اصدقائها وداعميها ومن أوجدها انكارهُ هو كتاب نتنياهو (مكان تحت الشمس ) ونصوص التوراة “من النيل الى الفرات ارض اسرائيل وكواليس محادثات ومبررات وصفقات انشائها كما هي منشورة في الوثائق التي لم تعد سريةً.
– لذلك فإن استئصال اسرائيل من المنطقة العربية شرطٌ لبقائنا فيها والا ستستأصلنا اسرائيل وتحول منطقتنا الى منطقةٍ صهيونيةٍ واقعاً ونفوذاً وهيمنةً، كما فعل اجدادهم العبيد الساخطين الذين اتى بهم عنوة محررُ العبيد المتمرد النبي موسى، بأهل فلسطين الذين استقبلوا جد العبرانيين ابراهيم الهارب من نار النمرود وسمحوا له ولابنه اسحق وحفيده يعقوب وابنائه بالعيش الامن.
– من نار النمرود الى افران غاز هتلر هذا هو تاريخ اليهود، وعلى العرب حمل عبء التعويض ودفع الثمن.
علينا ان ندرك ان التعامل مع الاسرائيليين يجب ان ينبني على قاعدة انهم نوع من البشر الذي لا يستحي ولا يشبع ولا يكتفي ولا يشكر ولا يوقفه ويلجمه الا الخوف.
اليهود زوروا تاريخا للعالم في توراتهم في سفر التكوين منذ الازل والى يوم القيمة. ووضعوا انفسهم سادة العالم وصفوته وفبركوا وجود يهوه الههم اله الجنود الوحشي الذي اضفى عليهم اسم شعبه المختار وعلى بقي البشر بالأغيار. وللاسف صدَّقَ معظم العالم بمن فيهم المسلمين تلك الخرافات والاكاذيب والاساطير وتبنوها وادخلوها لتراثنا الاسلامي المكتوب ومقولات وتفسيرات الفقهاء مع ان بني يعقوب (اسرائيل) هم صبيةٌ اوغاد غدارين بدون اخلاق وبدون وفاء حتى مع والدهم وأخاهم يوسف كما ورد في سورة يوسف وسور القرآن الاخرى. ومن يقرأ التوراة يلاحظ تباهي اليهود بغدرهم وجرائمهم ضد الكنعانيين اهل فلسطين الاصليين تماما كما فعل البيض الاوروبيين في امريكا واستراليا ونيوزلندا وكندا وامريكا الجنوبية.
لقد آن اوان وحدة المواقف والافعال بين الدول العربية ووضع استراتيجية المواجهة مع اسرائيل وتعرية الموقف الامريكي والبريطاني والفرنسي ومقاطعة الدول الثلاث على كافة الصعد وطرد قواعدها واغلاق الاجواء والممرات المائية في وجهها حتى تذعن للحق وتتعامل مع الشعوب العربية بالاحترام ولغة المصالح المتبادلة والعدالة.
مشروع الحكومة الاسرائيلية الحالية بتركيبتها المتطرفة المقصودة هو تغيير اوضاع المنطقة بالتعاون والتنسيق مع امريكا واعادة رسم الخرائط التي سبق ورسمتها بريطانيا وفرنسا.
لقد اغتصبت امريكا اسرائيل من بريطانيا كما اغتصبت او استولت على مستعمرات بريطانيا وفرنسا في المنطقة العربية منذ منتصف القرن الماضي