وطنا اليوم:ينير قمر الحصادين سماء الأردن في حدث فلكي مميز لهذا العام، مساء الثلاثاء، ويظهر في أبهى حلة مكتملا في طور البدر العملاق، حيث يضيف هذا المشهد رونقا خاصا يجمع بين الجمال والفائدة العملية لعشاق الفلك والزراعة.
ويتسم قمر الحصادين بشروقه المبكر وغروبه المتأخر مقارنة بأطوار البدر الأخرى خلال العام، مما يوفر ساعات إضافية من الإضاءة الطبيعية.
مدير الشؤون العلمية والتدريب في المركز الإقليمي لتدريس علوم وتكنولوجيا الفضاء في غرب آسيا الدكتور حنا صابات، أشار إلى أن قمر الحصادين، يعرف بمسميات أخرى، مثل (قمر الحصاد) و(قمر الشعير) و(قمر الذرة الكاملة)، وهو القمر البدر الأقرب زمنيا إلى موعد الاعتدال الخريفي، الذي يحدث ما بين 22 و23 من شهر أيلول في النصف الشمالي للكرة الأرضية، لذا يمكن أن يحدث قمر الحصادين في أي وقت خلال أسبوعين قبل أو بعد تاريخ الاعتدال الخريفي، وهو أقرب قمر بدر إلى موعد الاعتدال الخريفي.
صابات، وهو الرئيس الأسبق للجمعية الفلكية الأردنية والعميد السابق لمعهد الفلك وعلوم الفضاء في جامعة آل البيت، أوضح أن قمر الحصادين لهذا العام سيظهر في سماء الأردن مساء الثلاثاء 17 أيلول.
وأشار إلى أنه في طور القمر البدر، يكون القمر مقابلا تماما للشمس، ومن منظور الراصد على الأرض، يشرق البدر لحظة غروب الشمس، ويبقى مضيئا طيلة الليل، ثم يغرب لحظة شروق الشمس في اليوم التالي.
ولفت إلى أمرين سيميزان قمر الحصادين لهذا العام (2024): الأول هو أن طور البدر سيحدث والقمر في أقرب نقطة له في مداره حول الأرض (نقطة الحضيض)، ويحدث ذلك عند الساعة 5:34 من صباح الأربعاء 18 أيلول بتوقيت الأردن، وهذا يجعل القطر الظاهري للقمر أكبر بقليل، وبالتالي تزداد نسبة إضاءته، وتعرف هذه الحالة بالقمر العملاق أو الفائق.
أما الأمر الآخر، فهو أن القمر سيمر في صباح اليوم التالي الأربعاء 18 أيلول بشكل جزئي في مخروط ظل الأرض، ما يترجم على شكل خسوف جزئي للقمر، لكن بالنسبة لنا في الأردن، سوف يغرب القمر قبل دخوله في منطقة الظل الأرضي، أي أننا لن نتمكن من رؤية الخسوف الجزئي للقمر، وبالمقابل، قبل دخول القمر منطقة الظل، سيبدأ القمر بالدخول في منطقة شبه الظل للأرض نحو الساعة 3:41 من صباح الأربعاء 18 أيلول، وهو ما يدعى بمرحلة الخسوف شبه الظلي، لكن هذه الحالة تصعب ملاحظتها رصديا، أي بالملاحظة العادية للمواطنين، وفقا للصابات.
وفسر سبب ظهور قمر الحصادين قائلا:”عند خطوط العرض المعتدلة شمال خط الاستواء (كما هو الحال في أميركا الشمالية) يتقلص تأخر موعد شروق القمر البدر بين يومين متتاليين عند الاعتدال الخريفي من نحو 50 دقيقة إلى نحو 30 دقيقة، مما يجعل مواعيد شروق القمر ثابتة تقريبا (وهو في طور البدر أو نحو ذلك) لثلاثة أيام متتالية، وذلك لأسباب تتعلق بميل محور الأرض الدوراني وبالميل المداري للقمر نسبة إلى مدار الأرض (المستوى الكسوفي)، وكل ذلك جعل للقمر البدر القريب من الاعتدال الخريفي (أي لقمر الحصادين) مكانة مميزة”.
وتابع: هذا ويستغرق الشهر القمري الاقتراني (من محاق إلى المحاق التالي أو من بدر إلى البدر التالي) نحو 29.5 يوم، وتعرف السنة القمرية، (مثل السنة الهجرية) على أنها 12 شهرا قمريا اقترانيا أي أنها تعادل نحو 354 يوما، وبالتالي، فالسنة القمرية أقصر من السنة الشمسية بنحو 11 يوما، وهذا يجعل المواعيد التي تحدث فيها أطوار القمر البدر تتغير من سنة شمسية إلى أخرى.
أما عن أصل هذه التسمية، فرجح أن أصلها يعود إلى التراث الأميركي في المناطق الريفية والزراعية في أوائل القرن الثامن عشر، مع أن بعض الباحثين يرجعون هذه التسمية إلى ما هو أقدم من ذلك، وهم السكان الأصليون لأميركا الشمالية.
وأوضح، أنه في عصور ما قبل تكنولوجيا الإضاءة الكهربائية، كان القمر البدر (قمر الحصاد أو الحصادين) بمثابة المنقذ لاستكمال عملهم في الحصاد وجني المحاصيل الزراعية، خصوصا بالنسبة للشعوب التي يكون فيها موسم الحصاد متزامنا مع الاعتدال الخريفي.
الأستاذ المشارك في كلية الزراعة بالجامعة الأردنية الدكتور ميشيل راهبة، قال إن أهمية قمر الحصادين تظهر بشكل واضح في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية أي المناطق التي يتزامن موعد الحصاد فيها مع ظهور قمر الحصادين في نهاية أيلول وبداية تشرين الأول، ذلك أن إضاءة القمر تمنح المزارعين وقتا إضافيا لاستكمال عمل الحصاد، مشيرا إلى أن مواعيد حصاد المحاصيل الحقلية في بلادنا يكون في نهاية الربيع وبداية الصيف، ولا يتزامن مع موعد ظهور قمر الحصادين، وبالتالي فإن ذلك غير مرتبط تقليديا بالممارسات الزراعية في الأردن.
أما بالنسبة لتأثير مراحل ظهور القمر، فلفت إلى أن استخدام المراحل القمرية في الزراعة يعد ممارسة متجذرة في التقاليد القديمة، وفي وقتنا الحالي يعتبر جزءا من الزراعة الحيوية، حيث يوائم المزارعون زراعتهم وحصادهم وأنشطتهم الزراعية الأخرى مع دورة القمر، وتتضمن الدورة القمرية أربع مراحل رئيسية: القمر الجديد، والربع الأول، والقمر الكامل، والربع الأخير، وتستمر كل منها نحو أسبوع.
وأشار إلى أنه من الجانب التاريخي، فإن العديد من الثقافات كالبابلية والمصرية لاحظتا أن هذه المراحل يمكن أن تؤثر في نمو النبات، فعلى سبيل المثال، غالبا ما يوصى بالزراعة خلال القمر الجديد عندما يعتقد أن رطوبة التربة أعلى بسبب جاذبية القمر، والتي يعتقد أنها تعزز إنبات البذور وتطور الجذور، وعلى العكس، يعتقد أن الحصاد أثناء اكتمال القمر يؤدي إلى إنتاجية أفضل، حيث يعتقد أن زيادة محتوى الضوء وعصارة النبات يفيد جودة المحاصيل.
وأضاف: يقترح البعض أن القمر الشمعي (القمر الجديد إلى البدر)، هو الأمثل للزراعة والتسميد، بسبب ظروف النمو المواتية، في حين أن القمر المتضائل (اكتمال القمر إلى القمر الجديد) هو الأنسب للحصاد وإدارة الآفات.
وبين، أن الدليل العلمي للزراعة الحيوية لا يزال محدودا، فلا توجد أدلة علمية كافية تربط بين مراحل القمر وفسيولوجبة النباتات وأن النتائج الإيجابية للزراعة اعتمادا على دورة القمر تكون مرتبطة على الأغلب بمتغيرات الطقس والمناخ.
خبير التراث الشعبي الدكتور أحمد شريف الزعبي، قال:”يظهر قمر الحصادين في شهر أيلول من كل عام، ويكون قمر الحصادين أكثر إشراقا من باقي أيام السنة، كما يشترط لظهوره أن تكون السماء صافية من الغيوم”.
وأشار إلى أن بعض المناطق في أميركا الجنوبية يكون الجو فيها مناسبا لحراثة أرضهم وقت ظهور القمر، فيكسبون وقتا إضافيا للحراثة؛ لتهيئة الأرض من أجل الزراعة. وفي مناطق أخرى من أوروبا يكون موسم حصاد، فظهور القمر لعدة أيام يعطيهم وقتا إضافيا لحصاد مزروعاتهم.
أما في منطقتنا، فإن ذلك دلالة أخرى للفلاحين (بعد ظهور نجم سهيل) بأن يهيئوا عدة الحراثة، بتفقد عود الحراثة الخشبي، فيصلحون ما تلف منه في الموسم الماضي، أو إذا لزم الأمر فإنهم يصنعون عودا جديدا لحراثة أرضهم في تشارين التي أصبحت على الأبواب، بحسب الزعبي.