وطنا اليوم_د.عبد الفتاح طوقان
بعد انتخابات نيابية أخذت ٢٤ عاما من الحكم الملكي لتغيير الخارطة المتوارثة السياسية وانهاء ما يطلق عليه “التعشيش السياسي المزمن” و الذي هو تكاثر الاستئثار بالمنصب النيابي والمواقع ونقله من الجد الي الابن الي الحفيد والالتصاق و الانغراس والتكوين وإقصاء نسب كبيرة من أصحاب الأرض الأصليين وأبناء العشائر والشعب بمكوناته المختلفة و علمائه و خبرائه واكفائه في تشابه الجلطه التي توقف عمل القلب نجحت عملية القسطرة السياسية لإعادة الجسد الأردني للحياة ، مده بالدماء الجديدة وعلاج بعض المشاكل السياسية ووضع دعامة لتصحيح المسار في قانون صمم ليسمح بالتعددية ويجعل من الصعب على أي حزب ان يحصل على الأغلبية او ان ينفرد بالتأثير علي المشهد السياسي ، او علي اقل تقدير في تلك المرحلة .
وبعد أربع وعشرين عاما من حكم الملك عبد الله الثاني الوارث لتركة اقتصادية وسياسية كبيرة ومقلقة وبعد ١٤اختيار رئيسا للوزراء و انتخاب مجالس نيابية خمس وانتخابات تحت مظلة متغيرة وقوانين وتشريعات جديدة ومختلفة في كل مرحلة من مراحل الأردن في عهد الملك عبد الله الثاني نجح النظام السياسي – غير الجامد -المتحرك عبر التاريخ ان يفسح المجال ويكسر الطود و ترتفع نسب المشاركة بنحو درجتين لنري حصول الأحزاب علي ١٠٤ مقعدا رجلا وامرأة يدخل بعضهم المجلس لأول مره . هذا في حد ذاته إنجاز اهم من الادعاء بنزاهة الانتخابات وعدم تدخل السلطة والامن. القضية هي نهج قبل الحديث عن النزاهة.
و لعل من اهم ما ميز المجلس تراجع الإسلاميين ، رغم حصولهم علي ٣٠٪ من حصة المقاعد النيابية في المجلس ،بعكس ما يروج له من اكتساح لان القياس يجب ان يتم علي ما حصدوه سابقا في مجالس نيابية مع ما حصلوا عليه في ٢٠٢٤، حيث أنهم في عام ١٩٩٨ حصدوا ٢٢ مقعدا من اصل ٨٠ مقعدا برلمانيا بنسبة بلغت ٢٧٪ بينما في الانتخابات الأخيرة ٢٠٢٤ حصلوا على ٣١ مقعدا من اصل ١٣٨ مقعدا برلمانيا أي بنسبة ٢٢،٤٪ مما يعني تراجع بنسبة تقريبيه في حدود ٤،٥٪ عن عام ١٩٩٨ رغم استخدامهم سلاح دعم المقاومة والموقف مما يحدث في غزة ورغم زيادة عدد الناخبين وارتفاع نسبة مشاركة المرأة الي ٤٧،٨٪. و لو لم تكن هناك حرب أباده في غزة استغلوها بمهاره عرفت عنهم و شطارة استغلال عواطف الشعب وتنظيمهم الإلكتروني المجهز باحدث تقنيات المتابعة و سيارات نقل الناخبين وهواتف الاتصال لإحضار كل من انتخب ومن لم يحضر لربما تراجعت النسبة الي ثلثي ما حصدوه .
لكن هناك هدف مبطن من الادعاء و الترويج في الاعلام المحلي عن ” اكتساح إسلامي” لأجل إرسال رسالة الي الولايات المتحدة مفادها ” احذروا من تغيير النظام الأردني او الاقتراب منه لان البديل هو الإسلاميين اللذين قد يشكلوا خطوره علي ربيبة أمريكا وطفلتها المدللة إسرائيل التي تنوي تهجير المزيد من الفلسطينيين وتسعى لنظام بديل يسمح بإقامة فلسطين علي حساب الأردن وارضه” .
والتلويح بقوة و خطورة تواجد الإسلاميين في الساحة هو سلاح استخدمه النظام المصري في عهدي السادات و مبارك واستوعبته أمريكا و لم يعد بالإمكان الضحك عليها، خصوصا و انها هي من دعمت تاريخيا و منذ عهد الرئيس كارتر الإسلاميين التي أوصلتهم بما اطلق عليها “الثورة الإسلامية ” لمكافحة الشيوعية والاتحاد السوفيتي آنذاك في طهران التي كان الشاه عميلها الرسمي و لديه رابع أقوى جيش في العالم حينها و يصرف ٦٠ مليار سنويا علي الحرس الخاص به فرحل باتصال هاتفي من السفير الأمريكي و لم يقف معه مدافعا عنه ضابط واحد من حرسه الخاص او جندي، وهبط مفجر الثورة الإيرانية المرجع الشيعي المنفي في فرنسا المـؤمن بنظرية “نيابه الفقيه “وعالم الدين الإيراني أية الله الخميني قادما من باريس في مطار طهران برفقة القنصل الأمريكي والشيخ الوقور اللبناني هاني فحص الرجل الديني الشيعي المنخرط علنا في العمل الحزبي وهو أديب و مؤلف و كاتب و ناشط سياسي له احترام كبير و شعبية و ابرز المنظرين في مقاربة الإسلام لمواضيع الحداثة رحمه الله عليه، و بمجرد ان هبطت الطائرة أعلنت نجاح الثورة وسلمت أمريكا مفاتيح ايران للإسلاميين علي صينية من ذهب!!!
و عودة الي الوقت الذي استخدمتهم أمريكا مع الرئيس أنور السادات لضرب الشيوعيين واليساريين والناصرين في مصر وتمددوا وانتشروا الي أن انتهت مهمتهم وعلاقتهم بالنظام ، فادخلوا السجون بمقتل الرئيس السادات الذي مد لهم يداه وفتح صدر مصر لهم فاغتيل علي يدهم و تحديدا الإسلامبولي الذي تمتد جذور عائلته الي سوريا. و بالمناسبة اخوان مصر غير اخوان الأردن، الأول في مصر ضد النظام ومعارضا شرسا مسلحا له بينما الثاني جزءا من النظام وداعما له ولكن الي حين !!!!
و من ميزات الانتخابات ظهور مرشحي أحزاب حديثه لأول مره تتشكل منهم أبناء عشائر كبرى أردنية وعسكريون ويساريون و ٢٧ امرأة ، و لكن في المقابل هناك بعض من تلك الأحزاب المشكلة حديثا لخوض الانتخابات ومنها احزاب حكومية من رحمها الأمني الأمين وأخرى موالية ظهرت مثل السراب في صحراء الديمقراطية فلم يقدر عديد منهم اجتياز العتبة ” أي نسبه ٢،٥٪ من الأصوات ” و بالتالي فلم يدخل الكثير ممن ادعوا الحزبية وارتدوا ردائها الي قبة البرلمان و خرجوا من السباق والسياق السياسي ، واحترمت نفسها أمينه احد الأحزاب ( السيده الفاضله سمر دودين ) فاستقالت بكل كياسة بعد خسارة الحزب، في وقت ردد الكثيرون :”اين مقولة الملك الحسين الكثرة تعيق الحركة ؟”.
اياً كان التجربة ممتازه وأكدت انها تختلف عن انتخابات سابقة كان التدخل فيها وإيصال مرشحين يتم تزويرا و جاء تصريح رئيس وزراء سابق ان القرارات تآتي وتفرض من سفراء أجانب و النظام يقرر من يفوز !!! كل ذلك الان علي المحك وقابل للمراجعة .
لذا الاردن امام فرصه كبيره لمملكة أردنية جديدة بعكس ماعهدناه سابقا، مملكة ديمقراطية تحترم الحريات و تشرع أبواب الانفتاح السياسي والاقتصادي وتؤمن لولي العهد الشاب الامير الحسين الطريق نحو استلام الحكم الشرعي المستقبلي وتمنح فرصة لشاب او شابه متعلم وأمين وذكي ومطور ومحب لوطنه الأردني من خارج اطار “كنكة القهوة القديمة” ذات اليد الخشبية المتهالكة التي تصب وزراء جنبا الي جنب “التفل” الثقيل ، تلك الكنكة التركية الكلاسيكية التي حاصرت و قيدت الرائحة السياسية في اتجاه واحد و بن يعاد استخدامه رغم انتهاء صلاحيته لتنفتح الاردن على إطلالة خالده تتناسب والعصر و الشباب صانع التغيير.
و اقصد قد يسمح الملك بتجاوز الكلاسيكيات المملة التي أوصلت البلاد الي ٦٥ مليار مديونية غير مديونية البنوك الداخلية و الضمان الاجتماعي فنجده / نجدها رئيسا لوزراء الأردن ومعه /معها كوكبه من خيرة الخبراء في الداخل والخارج يدا واحده للنهوض بالأردن والابتعاد عن الكلاسيكيات التي سقطت مثلما سقطت إلهان الصينية في ٢٢٠ ميلادية ، و انهاء عصر مرجعيات تدوير بقايا رؤساء وزراء ووزراء فاشلون في عصر ربطت فيه عنصرية الانتقاء وتمييع المناصب وترضيه فئات من خارج أصحاب الأرض وافده علي الوطن الذي استضافهم وان ينهي عصر استخدام منافقي السلطة ممن يعتبرون انفسهم سمادا لتربه مبهرجة سريعه متناسيين سرعة اكتشاف باطنها المتعفن فيها في عصر العولمة والانترنت . و اتسائل هنا ما هو المبتغى من ذكر رئيس ديوان ملكي سابق و ووزير خارجية ان اهم ما ميز الانتخابات وصول ١١ مرشحا من الخليل الي المجلس النيابي فيي ذروة الشبق الي “حقوق منقوصة “. كيف هذا التهريج و التعريف الأجوف ؟ هل هو مجلس الخليل ؟ام انه بداية توطين و اعتراف مسبق بالقادم المرفوض؟
ليكن الأردن طريق التواصل والتجارة الآمنة الراسخة و التوسع السريع للبضائع والثقافات والأفكار “عبر الأردن” جنبا الي جنب “الأردن أولا” و يتم تنميته بإظهار أفكارا شابة مشتركة وأنماطا سياسية نابعة من جذور الأرض الطيبة – لا من الخليل و لا تل ابيب – أنماطا اكثر وضوحا ترعى نشؤ وصعود الشباب و المرأة و تمكينهم من إدارة شؤؤن بلادهم ضمن ولاية كاملة شعارا مبن علي الإيمان بالوطن و رفعة المؤسسات الاقتصادية والحيوية التربوية وانهاء حالة التدهور الاقتصادي و الأخلاقي لا التسلق علي كراسي الخرف السياسي .
مطلوب “حقيقة حاضرة ” برعاية الملك عبد الله الثاني الذي يلتف الشعب حوله لا من يوكله لصناعة مؤسسة سياسية لا تعتمد علي نظم جامدة يؤتي بها من علي رف ملئ بالغبرة لأن عودتهم اخطر من إقصائهم ومحاسبتهم.
الأردن كان عظيما وسيبقى عظيما اذا ما تم التوافق أننا في مرحلة بداية التاريخ الحديث للاردن الحلم الذي نريد تحويله الي واقع بهمة الجميع.
aftoukan@hotmail.com