د. عادل يعقوب الشمايله
بعدَ سنواتِ القحطِ التي طالت، وبعدَ ان تمَّ تكسير اجنحة الدولة، فاجأتنا نتائج الانتخابات بما لم يكن متوقعا من المتفائلين والمتشائمين.
نتائج التصويت تعبر عن ارادة واختيار شريحةٍ محدودة مؤدلجة من المجتمع الاردني وعن ارادة حكومية مقصودة ليس من الصعب تعقبُ وتحديد بواعثها ومراميها.
فمما لا شكَ فيه أنَّ الذين نجحوا في الانتخابات لا يمثلون الشعب الاردني. فقد قاطعَ الانتخابات ٨٢٪ تقريبا من الناخبين في مناطق الثقل المعرفي والاقتصادي والسياسي والتنوع الثقافي والحداثيين. وبالمجمل قاطعها ٦٨٪ من الناخبين المسجلين في قوائم الانتخاب.
وفي ضوء ذلك اقول:
-مبروك للناجحين والناجحات في الانتخابات. ولن نذرف الدموع على معظم من فشلوا لأن الوطن ليس معنياً بطموحاتهم.
-احر التعازي للوطن اليتيم الذي تيتم مرات ومرات.
-صبراً فقراء الاردن والعاطلين عن العمل فقد تأكدت قناعة أنَّ القادم لن يكون الافضل، وأن المرحلة التي ستبدأ ستكون حلقة في سلسلة مراحل من السئ للاسواء. وأن موائدكم لن يوضع عليها الا الوعود المنسية.
-لقد عانى الاردنيون القادرون على العطاء وعلى بناء اردن مزدهر ومتقدم، من سياسة التهميش والتطفيش والتفنيش المقصودة. فوطننا لم يعد يحتمل وجود زرقاء اليمامة. وتم السماح لممارسات التمكين بالتوريث لمعاقين فكريا ووطنيا كنتاج طبيعي للتحالف غير المقدس بين مجالس تشريعية وحكومات لم تحلم يوما بما تحلمون، ولم تسعى يوما لما تسعون والتي قصفت الشمس والقمر والنجوم حتى لا يأتيكم صباح وحتى يظلَّ ليلكم طويلا طويلا.
-وحيثُ أنَّ هدفَ التمكين يتصدرُ دائماً اجندةَ الاخوان المسلمين، وحيث أنهم يفتقرون جداً للجديرين بالتمكين بمعايير بناء الدول الحديثة المتقدمة المزدهرة، فإنهم سيمكنون للبوم بعد ان مكن من سبقهم من الحكومات ومجالس النواب للغربان. لذلك ستشهد المرحلة المقبلة عقود زواج ما بين الغربان والبوم.
-نجاحُ العدد الكبير من نواب التيار الاسلامي مرحبٌ به جدا جدا. لا لأنه راح يجيب الذيب من ذيله. لا لأنه سيسترجع مياه نهر اليرموك ومياه وادي عربة التي استولت عليها اسرائيل بموجب اتفاقية وادي عربة التي شهد عليها وأقرها مجلس النواب الذي كان فيه كثرة منهم، لا لأن النمو الاقتصادي سيبعث من كهفه، لا لأن سرطان المديونية سيستأصل، لا لأن مؤسسات التعليم والصحة الحكومية التي تدهورت وسقطت في واد عميق ستستقدم الونشات اسحبها واصلاحها، لا لأن ازمة السير المستفحلة في كافة مدن الاردن ستحل، لا لأن ارتفاع اسعار الكهرباء والمياه والمشتقات النفطية غير المبرر سيتم تخفيضه، لا لأن التحول الرقمي سيصبح اولوية حكومية لانقاذ المواطنين من معاناة التعامل مع الوزارات الحكومية، لا لأن الاردن سيقلد غيره من الدول في دعم الابتكار والابداع، بل لأنهم لن يفعلوا شيئا مما ذكرت وسيكونون القشة التي تقصم ظهر البعير الاجرب.
لأنهم سيسهمون في تسريع وصول الاردن الى ما وصل اليه السودان وتونس والمغرب ومصر وافغانستان وغزة. فالذي يُجرب المجرب عقلهُ مُخَرب. وإن غداً لناظره لقريب وعلى نفسها جنت براقش. وصدق الله العظيم في قوله: “يخربون بيوتهم بأيديهم”.
ومع ذلك، دعونا ندعو الله مخلصين ان يكون من جاءت بهم الانتخابات، لديهم حقاً الحل الذي طالما زعموا انهم وحدهم قادرون عليه.
فالمشاكل والازمات والمصائب والتحديات المحلية والاقليمية التي يعاني منها الوطن والمواطنين معروفة ومكشوفة لا تحتاج الى مُنجمين. والعارف لا يُعرف. نتائج التحليل المخبري وصور الاشعة جاهزة، فقط، يحتاج الوطن الى جراحين مهرة اكفاء، جراحين يُعالجون ويُشفون وليس قصابين. أمَّا المُسكنات فقد انتهى مفعولها واصبح الاردنيون يعانون من اثارها السلبية ولذلك لن يتناولونها.
-انصح واحذر. فتجارب المغرب وتونس وليبيا ومصر والسودان وايران وافغانستان حديثُ الساعةً للمُتشفين، وَعِبَرٌ لمن يعتبرون، لاهل الالباب.