وطنا اليوم:تسود أسواق المال العالمية حالة من الضبابية وعدم اليقين بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها البورصة الأمريكية على خلفية ما حدث في شركة ألعاب الفيديو والأجهزة الإلكترونية “جيم ستوب”.. وسط تساؤلات واسعة عن تداعياته وأثره الاقتصادي ومدى إمكانية تكرار ذلك سواء في السوق الأمريكي أو في أسواق أخرى حول العالم؟
ووصف محللون في أسواق المال العالمية خلال حديثهم ما حدث مع “جيم ستوب” بأنه انقلاب على النظام المتبع في إدارة الأسواق منذ نحو 100 عام، داعين إلى ضرورة تجريم هذا الانقلاب والتدخل العاجل من قبل الجهات المختصة لحماية السوق والشركات وأموال المستثمرين.
“قواعد اللعبة”
وما حدث باختصار هو أن مجموعة من كبار المستثمرين وصناديق التحوط الكبيرة في البورصة الأمريكية راهنوا على تعرض شركة “جيم ستوب” للإفلاس، فقرروا استخدام أسلوب متبع في كل الأسواق العالمية وهو “البيع على المكشوف أو Short Selling” لأسهم الشركة، (بمعنى أن يقوموا ببيع السهم بسعره الحالي بكميات كبيرة، فينخفض سعره، فيقوم صغار المستثمرين، تجنبا لمزيد من الخسائر، ببيع ما لديهم من أسهم، فينخفض سعر السهم بمعدل أكبر، حينها يقوم كبار المستثمرين وصناديق التحوط الكبيرة بشراء الأسهم، وجني الأرباح من الفارق بين سعر البيع وسعر الشراء).
وللإيضاح أكثر “قام شخص باقتراض ألف سهم من شركة وساطة بسعر 10 دولارات، مقابل رسوم متفق عليها، (باع الأسهم بـ 10 آلاف دولار) وبعد انخفاض سعر السهم إلى 4 دولارات قام بشراء ألف سهم مرة أخرى لردها لشركة الوساطة وتغطية مركزه المكشوف، (اشترى نفس كمية الأسهم بـ 4 آلاف دولار فقط)، وبذلك يكون قد ربح 6 آلاف دولار، هم قيمة الفارق بين سعري البيع والشراء”.
لكن ما حدث في بورصة وول ستريت خلال الأيام الماضية، هو انقلاب متكامل الأركان على هذا النظام المتبع، عندما راهن كبار المستثمرين على خسارة سهم “جيم ستوب”، فقرروا استخدام أسلوب البيع على المكشوف على السهم، لكن المفاجأة أن المستثمرين الأفراد على موقع “ريديت” الشهير، أو ما يطلق عليهم المضاربين الهواة “غير المحترفين”، قرروا السير عكس اتجاه السوق، واتفقوا جميعا على شراء أسهم “جيم ستوب” (بدلا من بيعها كالمعتاد في مثل هذه الحالات)، سهم الشركة بشكل جنوني وغير متوقع، ما أدى إلى تعرض كبار المستثمرين وصناديق التحوط الكبيرة لخسائر فادحة.
ويوجد على موقع “ريديت” أو “subreddit”، ويسمى أيضا “وول ستريت بيتس” (WallStreetBets)، أكثر من 5.5 ملايين عضو معظمهم من المتداولين الأفراد “المضاربين الهواة”.
وعزز من مكاسب سهم “جيم ستوب” قيام رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك بتغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تتضمن رابطا لصفحة الدردشة صغار المستثمرين على موقع “ريديت”.
وفرض “جيش الهواة” كلمتهم على البورصة الأمريكية، التي شهدت تقلبات حادة وإجراءات استثنائية للحد من تفاقم الأزمة أو تكرارها في شركات بديلة. وخسر “حيتان السوق” رهانهم بعدما حقق سهم “جيم ستوب” مكاسب فلكية وصلت لأكثر من 2500 بالمئة منذ بداية كانون الثاني/يناير الجاري، وقفز سعر السهم لقرب 400 دولار مقابل 6 دولارات فقط قبل نحو 3 أشهر من الآن.
يشار إلى أن سهم شركة “جيم ستوب” تعرض لخسائر متواصلة منذ عام 2015 قبل أن يصل إلى 3.25 دولارات في الأول من نيسان/أبريل الماضي، مع تفاقم خسائر الشركة بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا.
“خسائر فادحة”
وفي ظل هذا الارتفاع المفاجئ لسهم “جيم ستوب”، اضطرت الصناديق التي راهنت على انخفاض قيمته إلى إعادة شراء أسهم للحد من خسائرها، ما تسبب بـ “تصفية قسرية” (شورت سكويز) أدت بدورها إلى ارتفاع السعر، بنسبة 18 بالمئة الإثنين، ثم 93 بالمئة الثلاثاء وبلغت 135 بالمئة الأربعاء.
وأدت المعركة بين “جيش الهواة” ومحترفي البيع على المكشوف إلى اضطراب أسواق الأسهم العالمية إذ أجبرت الصناديق على بيع بعض الأسهم الأفضل أداء، ومن بينها أبل، لتغطية خسائر بمليارات الدولارات.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، الأربعاء، إن البيت الأبيض ووزارة الخزانة يراقبان الوضع فيما يخص سهم جيم ستوب وأسهم شركات أخرى شهدت مكاسب قوية بالبورصة، مشيرة إلى أن سوق الأسهم الأمريكية ليست المؤشر الوحيد على سلامة الاقتصاد.
وحدد الاستثمار الأمريكي، جيه.بي مورغان، 45 سهما قد تكون عرضة “لأحداث هشاشة” في الأيام المقبلة، من بينها شركة العقارات ماسريتش وشركة سلسلة المطاعم تشيزكيك فاكتوري وستيتش فيكس لخدمة توصيل الملابس.
وعلى غرار “جيم ستوب”، فإن إيه.إم.سي ومجموعة أمريكان إيرلاينز، جميعها ترتفع نسب المراكز “المدينة” للأسهم فيها، مما يجعلها عرضة لضغوط على الصناديق التي راهنت على انخفاض الأسهم.
ارتدادات بالأسواق العالمية
وامتدت المعركة إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية. فقد ارتفعت أسهم شركتي وبجت ومجموعة تاسال الأستراليتين - وهما من الأسهم ذات المراكز المدينة الكثيفة – أكثر من خمسة بالمئة يوم الخميس، رغم تراجع المؤشر العام للسوق. كما امتدت أيضا لبعض الأسماء الأوروبية ذات المراكز المدينة الأكبر في السوق مثل بيرسون وسينوُرلد، لكن بخسائر أقل كثيرا مما في الولايات المتحدة.
ومن جانبه اعتبر الخبير في أسواق المال الدولية محمد النويلة، أن ما حدث في شركة “جيم ستوب” مؤشر خطير على النظام المتعارف عليه في الأسواق الدولية منذ نحو 100 عام تقريبا.
وقال في تصريحات، إن الشركة كانت على وشك الإفلاس، ولا يوجد أي أمل أن تبقى في السوق، وما قام به صغار المضاربين الذين تجمعوا لشراء سهم الشركة المفلسة وتوجيه كبار المستثمرين بعكس المتعارف عليه يضفي مزيدا من الضبابية وعدم اليقين بالأسواق.
وأضاف: “حالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق بعد هذه الحادثة قد يدفع بخروج رؤوس الأموال ودفع السوق إلى المنحنى السلبي”.
ودعا النويلة الهيئات الرقابية إلى ضرورة اتخاذ مواقف سريعة لحماية السوق من أي تلاعب محتمل مثلما حدث مع سهم “جيم ستوب”، ووضع حد لهذه التصرفات التي تضر بالسوق أكثر مما تنفعه.
وثمن المحلل المالي ما قامت به بعض شركات الوساطة المركزية من وضع قيود على الاستثمار في الشركات المتوقع حدوث ارتفاعات غير حقيقية على أسهمها، أو أنها تكون عرضة لتكرار ما حدث مع “جيم ستوب”.
“تلاعب بلا معنى”
وحث النويلة، على ضرورة تجريم مثل هذه الأفعال واتخاذ إجراءات عقابية ضدها لحماية الشركات المهمة وحماية الأسواق العالمية وعدم جعلها عرضة لتلاعب الهواة، مؤكدا أن أي ارتفاعات بلا معنى تضر بالأسواق.
وأردف: “عندما أعلنت شركات السيارات الكهربائية أنها ستعتمد على ماكينات شركات “ثري دي برينتنج” لتصنيع قطع الغيار الخاصة بالسيارات الكهربائية ارتفع الطلب على شركات “ثري دي برينتنج” وارتفعت أسهمها بدفع من طلب حقيقي، بعكس ما حدث من تضليل للسوق في حالة ارتفاع أسهم شركة جيم ستوب بلا أي معنى حقيقي”.
وأوضح النويلة أنه في حالة تكرار ما حدث مع “جيم ستوب” مع شركات أخرى ستقل الثقة في الأسواق ما سيضر بحركة الأسهم وحجم التداولات وربما يدفع البعض للخروج من السوق.
وفيما يتعلق بإمكانية استفادة شركة “جيم ستوب” من الدفعة القوية التي حصلت عليها في السوق، وإنقاذها من الإفلاس، قال النويلة إن المستفيد من ارتفاع أسهم الشركة هم حملة الأسهم سواء من المستثمرين بالسوق أو من ملاك الشركة.
وأردف: “مصير إحياء الشركة من جديد وعودتها للسوق بقوة يعتمد على ردة فعل المؤسسين أو الملاك ومجلس الإدارة” متسائلا: “هل سيبيعون أسهمهم ويستفيدون بها على المستوى الشخصي؟ أم سيقومون بإعادة ضخ هذه الأموال في الشركة؟ أم سيستخدمونها في استثمارات أخرى.. الخ”.
وأكد المحلل المالي أن التلاعب لا يعطي أي قوة مالية للشركة، لافتا إلى أن أي مستثمر مستحيل أن يضع ثقته في شركة تم التلاعب في أسهمها بهذه الطريقة “الفقاعية” التي حدثت في “جيم ستوب”.