د. عادل يعقوب الشمايله
في اطار برنامجه الانتخابي وعدَ المرشحُ للرئاسة الامريكية ترامب مواطنيه الامريكيين باكبر عملية اعادة تهجير جماعية اذا عاد الى البيت الابيض. وبالرغم من أن ترامب قد حدد المقصودين بالترحيل على انهم من دخلوا الولايات المتحدة بطرق غير قانونية من المكسيك ومن دول الجوار في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، الا انه لا شئ يمنع ترامب من توسيع قائمة من سيشملهم الترحيل ومبررات الترحيل. كما أن سيفعله ترامب سيكون بادرة تقلدها دول أُخرى وسيرتفع الغطاء القانوني والاخلاقي الذي يحمي المهاجرين في الدول المضيفة. وسيجرد امريكا مبررات منع دول العالم الثالث من فعل الشيئ نفسه.
في منتصف القرن الماضي وبعد اقل من عامين على نكبة فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني اقدم الاردن على قرار استراتيجي كارثي كان بمثابة زراعة سرطان في جسده.
القرارُ المقصود هو ضمُ الضفة الغربية رغم معارضة جامعة الدول العربية وعدم رضا غالبية الفلسطينيين وعدم اعتراف دول العالم، مما جعل الضم بمثابة احتلال واقعي بالقوة رغم شرعنته دستوريا في النطاق الاردني.
نتج عن قرار ضم الضفة الغربية ثلاث مصائب. الاولى اجهاض محاولة اقامة دولة فلسطينية مستقلة كان من المؤكد أن يعترف بها العالم وتنهي الصراع العربي الاسرائيلي. دولة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل مشابه لدولة باكستان التي كانت تضم باكستان وبنغلادش وتفصل بينهما عدوتهما الهند.
المصيبة الثانية، فتح ابواب الضفة الشرقية لتدفق المهاجرين الفلسطينيين الذين تسرعوا في ترك ديارهم وبنوا قرارات الهجرة وترك بيوتهم على فرضيات ومعلومات خاطئة وتهويلات وحرب نفسية روج له عملاء الصهاينة من الفلسطينيين انفسهم خاصة سماسرة الاراضي وسماسرة المواخير التي اقامها اليهود لتشتيت انتباه الفلسطينيين وتخريبهم وسرقة اموالهم حتى يفقدوا ما يربطهم ببلادهم.
وحيث أن المليشيات الصهيونية لم تدخل الضفة الغربية، ولم ترتكب بها جرائم وفظائع تدفع السكان للخوف والفرار ، فإن السماح لأي فرد من سكان الضفة الغربية بتركها ودخول الضفة الشرقية كان مؤشرا على التهاون والغفلة وعدم التحسب للاثار السلبية الخطيرة التي ستنجم عنه والمترتبة عليه والتي ستضر بالفلسطينيين وبالاردنيين على حد سواء لانه بمثابة تفريغ للضفة الغربية من سكانها، واثقال كاهل الكيان الاردني الحديث النشأة، ومتواضع الموارد والبنية التحتية في ذلك الوقت.
ولما كان الكيان الصهيوني قد قام على شمال فلسطين المجاور لسوريا ولبنان وفي النقب فإن هجرة الفلسطينيين من الاراضي التي احتلتها اسرائيل وانشأت دولتها عليها كان يجب ان تتجه الهجرة الى سوريا ولبنان. خاصة وأن سوريا هي الام او الاخت الكبرى لدويلات بلاد الشام. كما أن وجهة سكان جنوب فلسطين كان يجب ان تكون الى غزة التي احتفظت بها مصر ولم تضمها، والى مصر اذا لزم الامر. فدولة مصر كانت من حيث عدد السكان والمساحة والموارد خاصة المائية والتقدم في ذلك الحين اقدر على استيعاب الهجرة الفلسطينية دون أن تتأثر.
السؤال الذي يبحث عن جواب مقنع، لماذا لم يهاجر من هاجر من المناطق التي احتلتها العصابات الصهيونية الى الضفة الغربية التي هي ارض فلسطينية والتي كان فارغة تقريبا وقادرة على استيعاب المُهجرين والمهاجرين. اليس الاولى أن يبقى الفلسطيني على اي جزء من ارضه بدل الهجرة الى دول اخرى وخلق مشكلة له وللشعب الذي لجأ اليه؟
السؤال الثاني الذي يبحث عن جواب مقنع ايضاً هو: لقد دامت الوحدة بين الضفتين الشرقية والغربية كما تنعتها السلطات الاردنية، او الاحتلال الاردني كما ينعته معظم الفلسطينيين والعرب ايضا، ستة عشر عاما. فما الذي منع الفلسطينيين الذين سكنوا المخيمات البائسة في شرق الاردن من العودة الى الضفة الغربية وهي موطن جزء كبير ممن هاجروا ، وتمثل للفلسطينيين الاخرين ريحة البلاد. ما تبقى من بلادهم وارضهم المقدسة التي يعشقون؟
طالما ان فلسطين غالية على الفلسطينيين الى هذا الحد الذي نسمعه منهم، وطالما ان معاملة الدول المضيفة لم تكن تعجبهم ويشعرون بالتفرقة والمعاملة كمواطنين من الدرجة الثانية ومن اصحاب الحقوق المنقوصة، فلم لم يركبوا سياراتهم او الباصات ويعودوا عبر طرق معبدة افضل من مشاق خروجهم من فلسطين عام ١٩٤٨ والذي كان بعضه مشياً على الاقدام.
كانت حركة الذهاب والاياب بين الضفتين متاحة دون رقابة ولا موانع ولا جوازات سفر. أي انه كان بإمكان جميع من يعشق تراب فلسطين ان يعود الى الضفة الغربية. بل كان باستطاعة الفلسطينيين الذين هاجروا الى المخيمات في سوريا ولبنان دخول الضفة الشرقية والذهاب منها الى الضفة الغربية والاستقرار فيها. او الذهاب منها الى مصر ودخول قطاع غزة فهي ارض فلسطينية وتقع على البحر الابيض المتوسط اي افضل من مخيم اليرموك في دمشق ومخيماتهم في لبنان. لم تكن هناك موانع.
عدم قيام الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية بالعودة الى ديارهم في الضفة الغربية وعودة الفلسطينيين الذين هاجروا من فلسطين التي احتلتها اسرائيل الى الضفة الغربية او الى غزة يعتبر تنازلا عن حقوقهم وتخليهم الطوعي عن قضيتهم وعليهم ان يتخلوا عن شعارات الحنين والحب لفلسطين والمتاجرة بالقضية الفلسطينية والاحتفاظ بمفاتيح لابواب لم تعد موجودة.
الخلاصة: أن الفلسطينيين قد تعودوا على اضاعة جميع الفرص التي في مصلحتهم عندما اتيحت لهم. وآثروا اتباع، بل والانقياد دون تفكير الى اراء المشعوذين وتجار الدين والوطنية، وتخوين من يَصدُقهم النصيحة، ويقدمون المنافع المادية الفردية على حقوق ومصالح شعبهم ووطنهم.
لذلك على الفلسطينيين التوقف عن لوم الشعوب العربية وحكام الدول العربية وتخوينهم وتحميلهم مسؤولية ما حدث لهم واعتبار انفسهم ضحية لقرارات الحكومات العربية فقط وتبرئة انفسهم وقادتهم وزعمائهم وشيوخهم ومخاتيرهم.
وها نحن نراقب ونشاهد عدم مشاركة ثلثي الشعب الفلسطيني في ما تلى غزوة طوفان الاقصى والاكتفاء بالمظاهرات الخجولة والتأفف امام شاشات الجزيرة وتوجيه السباب والذم للدول العربية وخاصة مصر والاردن والسعودية والامارات مع أنهم قد اخذوا قرارهم بأنفسهم بمغامرة طوفان غزة في الوقت الذي كانوا يهاجمون ويخونون دون توقف مصر والسعودية والامارات، مساندة منهم لجماعة الاخوان، ومناصرة لتركيا التي تاجرت بما حدث للاخوان في مصر، وتحويلها الى قبلة دينية وقبلة سياحية وقبلة استثمارية. فأصحاب الاموال والاستثمارات توجهوا بمئات ملايين الدولارات الى تركيا وليس الى مصر رغم حاجة مصر الملحة للعملات الصعبة. ولم تلبث تركيا ان تخلت عنهم وطردتهم مما اضطرهم الى اللجوء الى حضن ملالي ايران.
يُمَجدون تركيا ويمجدون ايران ولا يطالبونهما بفعل شئ ملموس ضد اسرائيل. ويسبوا الدول العربية ويريدونها ان تدخل في حروب مع اسرائيل حتى ولو كانت النتيجة تدمير عمان والقاهرة والرياض والإمارات لتصبح جميع الدول العربية في الهم شرق، ويعم الخراب الوطن العربي بأكمله وهذا تنفيذٌ لا مراء فيه للاجندة الامريكية الاوروبية الاسرائيلية. وتناسي لتضحيات مصر والاردن وسوريا ولبنان. والتنكر الى حقيقة ان شريان الحياة والسلاح لقطاع مصر يأتي من مصر من سيناء وقبائلها وغض الطرف الرسمي عما يتم في الانفاق.
المصيبة الثالثة: أن هجرة من هاجر من الفلسطينيين الى الاردن تستخدمه الحكومة الاسرائيلية للتخلص من حل الدولتين على ارض فلسطين ومحاولة حل القضية على حساب الاردن واعتباره الوطن البديل القائم والمتحقق فعليا بناءا على فبركة اكذوبة التوازن السكاني وأن غالبية سكان الاردن هم فلسطينيون. متجاهلة حقيقة ان عدد الفلسطينيين على ارض فلسطين يتفوق على عدد اليهود مما يجعل الفلسطينين احق بإدارة الدولة منهم. ولذلك يحاولون الهروب الى الامام بتهجير فلسطيني الضفة الغربية الى الاردن وهو امرٌ محرم دينيا ووطنيا وقوميا وانسانيا واخلاقيا وحقوقيا.
لذلك، على الفلسطينيين ان يقتنعوا بالحكمة: ما حك جلدك مثل ظفرك، فتولى جميعَ امرك.