د. عادل يعقوب الشمايله
عملية تصويت الناخب لمرشح من المرشحين تنطبق عليها كامل مواصفات وشروط الصفقة والعقد الرضائي الملزم واضحِ الشروط .
المترشحون للانتخابات هم بمثابة باعة. اما الناخبين فينطبقُ عليهم وصفُ المشترين. لذلك على المشترين التسوق ومحاولة الحصولِ على صفقةٍ مربحة ومضمونه.
عندما يريدُ المواطنُ ان يشتري رزاً او بنطالاً فإنهُ يتسوقُ ليحصلَ على السلعةِ بالمواصفات والسعر الذي يناسب ذوقه ومصلحته وقدرته. وفي العادةِ يفاصل المشترون. ثم يدفع المشتري ثمن السلعة بعد ان يستلمها، اي بعد ان توضع في الكيس. قبيض بقبيض.
الانتخابات في الاردن وسائر الكيانات السياسية المُصَنَعةِ في العالم الثالث التي لا تعدو ان تكون الانتخابات فيها صوريةً، والمجالسَ الناشئة عنها مسلوبةَ الارادة ومن يترشحُ لها في الغالب تنقصهم المؤهلات وينقصهم مواصفاتُ رجل الدولة، والالتزام الوطني. المؤهلات لا تعني بالضرورة كراتين الشهادات التي تبيعها عمارات مكتوب على واجهاتها جامعات بأسماء براقة.
في الدول الديموقراطية الغربية، يعرضُ المرشحون برامجهم ويروجون لها كما يفعلُ تجارُ الاسواق الشعبية. يدخل المشترون ويُقَلبونَ البضاعةَ ويقيسونها، فإن اعجبتهم دفعوا ثمنها. الناخبون في الدول الديموقراطيةِ يدفعون ولا يقبضون. بعكس الحال عندنا.
لماذا يدفع الناخبون؟ الجواب: لأنهم يشترون المرشح بدل أن يشتريهم.
هدفُ معظم المرشحين في بلادنا ان يصلوا الى قبة البرلمان ليحصلوا على امتيازات النائب المادية والمعنوية والحصانة والسفرات الخارجية وترأس الجهات والجلوس في سدر المجلس بعد أن كان نكرة. ثم يُمضي السنواتِ الاربع في مقايضات وصفقات مع الحكومة على حساب المواطن. يبصمُ على ما تفعلهُ وتطلبهُ منهُ الحكومةُ مقابلَ ما ترشهُ لهُ الحكومةُ من اعطيات وعطاءات وتسهيلات وتوظيفات لافراد اسرته ومن يهمهُ امرهم.
أما رقابةِ الحكومة، اما التشريع، اما الشفافية، اما الانجاز، اما تنفيذ الحكومة لما ورد في كتاب تكليفها والبرنامج الانشائي الذي حصلت على الثقة بموجبه فإنه يُطبق عليها حكمة “حُط في الخرج”.
وحيثُ أنَّ الطلقةَ اذا خرجت من فوهة المسدس او البندقية او المدفع لا تعود، فإن الناخبين الذين يصوتون للنائب يفقدون السيطرة عليه والقدرة على الزامهِ بتنفيذ واجباتهِ ووعودهِ، فإنَّ الاسلمَ ان لا يذهبَ اي شخص لصناديق الانتخابات حتى الذين يقبضون المال من المرشحين فأنَّ لهم ان يطبقوا المثل: الكذب ملح الرجال والعيب على اللي بيصدق والمكسب من المقامرين حلال. فالكذبُ على الكذابِ حلالٌ ومشروع، وتغدوا بالمرشح قبل ما يتعشى فيكم بعدَ أن يصبحَ نائبا.
ما لم تتغير العمليةُ الانتخابيةُ برمتها ومن اساسها، وما لم تصبح الحكومةُ بكافةِ مؤسساتها من الشعب وللشعب وبالشعب حقيقةً وفعلاً وليس شعارات، فإنَّ من السذاجة والبلاهة والغباء وخيانة الذات وامتهان الكرامة ان يصل اي شخصٍ مسجل في قوائم الناخبين الى صندوق الانتخابات.
إنَّ مقاطعةَ الانتخابات وافشالِ مسرحيةِ التمثيلِ النيابي هي خيرُ ردٍ على من يديرون الانتخابات ويوجهونَ النوابَ من وراء الكواليس وبالمغلفات.
وبالنتيجةِ فإنَّ غيابَ مجلس النواب ومجلس الاعيان المُغيبين فعلياً، يضعُ الحكوماتِ مباشرةً امامَ المحاسبةِ الشعبيةِ ويمزقُ اللحافَ الذي تختبئ الحكوماتُ تحتهُ حتى تتقي سياطَ الجلدِ الشعبي الذي يجعلها (تمشي على التلم ولا تحيد عنه) . وعل من لا يعرف معنى الجملة الاخيرة ان يسأل الفلاحين وبالذات الحراثين.
الشعارات المختصرة جداً المكتوبةِ على يافطاتِ المرشحين التي تُلوثُ شوارع عمان كشفت عن ماهيةِ المرشحين وعرتهم من البسةِ الزيف. إنهم عراةٌ على الاخر رغم البدلات وربطات العنق التي يلبسونها وتدخلات الفوتوشوب لاصلاح سحناتهم.
كلماتٌ في منتهى السخافة تعبر عن جهلهم واستخفافهم بالناخبين واعترافهم بضعفهم وعجزهم عن إحداث اي تغيير والاقتراب من طموحاتِ ومطالبِ المواطنين المُتعبين المُنهكين اليائسين البائسين الذين اصبحوا آخرَ من يعلم وأقلَّ من يعلم، بل ومن بعدِ علمٍ اصبحوا لا يعلمون شيئا سوى ما يراد لهم ان يعلموا، ولا يرادُ لهم ان يعلموا سوى الزيف والزيف فقط وابتلاع الوعود الخادعة والنوم على الظلم وشاهد ما شافش حاجة رغم خطورة الاحداث والتهديدات المصيرية للدولة وللوطن وللوجود برمته.
لا زال الناخبون يلهثون وراء وظائف لأبنائهم وبناتهم العاطلين عن العمل تخلت الحكومات عن ايجادها في جهازها الحكومي، وعجزت الحكومات عن خلق فرص العمل وهو واجبٌ منصوصٌ عليه في الدستور. الاقتصاد الذي ينمو كل عام بوتيرة متنامية، هو الذي يخلق فرصة العمل. بيئةُ تشجيع الاستثمار وليس تنفيره هي التي تجلب المستثمرين وتشجع المستثمرين الذين يخلقون باستثماراتهم فرص العمل ويدفعون الاجور والضرائب بأنواعها. بنوكٌ ومؤسسات اقراضٍ تُطبقُ سياسةً نقديةً راشدةً انفتاحية وليس انكماشية هي التي تشجع الاستثمار وتخلق فرص العمل الاعلى اجرا والاكثر فائدة وانتاجا للوطن من التوظيف في الجهاز الحكومي. هل كان لمجالس النواب ومجالس الاعيان التي تتالت أيُّ دور في الزام الحكومات بتطبيق معايير الحاكمية الرشيدة وأن تجعل للاردن اقتصاد دولة. دولة مستقرة رابطة الجأش كاملة السيادة قادرة على نُطق كلمة لا عندما يكون النُطقُ بها من ذهب.