وطنا اليوم:لا صوت يعلو فوق صوت فيلم حياة الماعز الذي يتم عرضه حاليا، وأثار عاصفة من الجدل حول هدفه ومغزاه.
الفيلم يحكي باختصار قصة شابين هنديين مسلمين ذهبا للخليج للعمل في وظيفة ادارية في شركة ليجدا نفسيهما في الصحراء مجبرين علي العمل متفرقين في مهنة رعاة أغنام في ظروف غير إنسانية مايدفعهما للهرب من كفيليهما بمساعدة راع غنم أفريقي طيب ومخلص يعرف دروب الصحراء.
أسئلة عديدة فرضت نفسها بعد عرض الفيلم، منها: هل أساء الفيلم للعرب والمسلمين؟ وما الرسائل التي انطوى عليها؟ وما دلالة إنتاجه في بوليود قلعة السينما الهندية؟
السفير فوزي العشماوي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق يصف الفيلم بأنه قنبلة سينمائية ذات تأثير دعائي، وانعكاسات سياسية ومجتمعية خطيرة وكبيرة، مشيرا إلى أن إنتاجه في بوليود قلعة السينما في الهند ينفي شبهة الدوافع السياسية الحكومية المباشرة، لافتا إلى أن العلاقات بين الهند والسعودية جيدة، ولكن يمكن تفسير إنتاجه ومروره بكون الهند دولة ديمقراطية تضمن حرية الرأي والابداع (الديمقراطية الهندية كفلت النجاح في تصويت حوالي 650 مليون ناخب في غضون أيام قليلة من خلال التصويت الاليكتروني في الانتخابات الرئاسية).
ويضيف أن الفيلم ربما يخدم بصورة غير مباشرة توجهات حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الهندوسية المتطرفة (يتجه مودي للفوز بولاية ثالثة بعد أيام)، كونه يصور اضطهاد قلعة الإسلام لمسلمين هنود، لافتا إلى أن الفيلم به قدر كبير من الإطالة والمبالغات (مدة الفيلم قرابة 3 ساعات وكان يمكن اختصاره في ساعة وربع مثلا)، ولكنه أوضح بلاشك مثالب ومظالم نظام الكفيل الذي ظل مطبقا لعقود طويلة في السعودية ودول الخليج.
وقال إن الفيلم برهان ساطع علي أن عملا دراميا متقنا بحفنة ملايين من الدولارات يمكنه أن يدمر جهد أنفق فيه مليارات الدولارات من أجل خلق صورة جديدة وجيدة للدولة من خلال الرياضة ( استقدام نجوم كرة القدم ) والفن والموسيقي والترفيه.
وقال إن من الصعب علي السعودية أن تضغط أو تتدخل رسميا لدي الهند في ضوء حرية الرأي والإبداع في ظل الديمقراطية الهندية، كما ستساعد أي ضغوط علي رواج الفيلم، كما يصعب عليها إنتاج أعمال درامية مضادة تهاجم الهند، مشيرا إلى أن السينما الهندية والإعلام الهندي يقومان بواجبهما في انتقاد أي سلبيات، وغاية مايمكنها عمله هو مراجعة منظومة العمل وحقوق العمالة والتشريعات العمالية واجراءات التقاضي فيها.
ويختتم لافتا إظهار الفيلم للشخصية الأفريقية في أبهي وأفضل وأنبل صورة مقابل تشويه صورة العربي بصفة عامة (ربما باستثناء وحيد طوال الفيلم)!
في ذات السياق يرى الأديب عباس منصور أن فيلم حياة الماعز يستهدف الهنود بالدرجة الأولى ورسالته لا تختلف كثيرا عن رواية آيات شيطانية للكاتب الهندي سلمان رشدي وهو توعية الهنود بحضارة العرب دينيا وثقافيا واقتصاديا وأخلاقيا حتى لاينخدع الهنود بهم ويقلدونهم كما فعلت كثير من الشعوب الأخرى وخصوصا مصر.
وتوقع منصور تغير معاملة الهنود العاملين في الخليج.
من جهتها قالت الفنانة و الكاتبة الصحفية ريم عزمي إن هناك مشاهد في “حياة الماعز” لم ينقلها مشاهد ولا مؤيد ولا معارض للفيلم، وذهبوا لأمور أخرى!
وأضافت: “ويبدو أن هناك من دخل على خط نظرية المؤامرة من المنتصف! ففي أوج مقاطعة البضائع الداعمة للصهيونية والحرب على غزة تظهر زجاجة المشروب الغازي الشهير والمريب والذي اعتبره الروائي صنع الله إبراهيم أكبر وأخطر من مجرد شركة مياه غازية في رواية “اللجنة”، تظهر هنا لتعطى أملا في الحياة: الإعلان الهائل عند دخول المطار، وفي نهاية رحلة الصحراء الرهيبة بعدما اقتربت النجاة، وفي رسالة من الصديق الأفريقي الرمزي إبراهيم لكي يكمل البطل نجيب محمد مشواره! كما أن عنوان الماعز في حد ذاته يشير لتداعي المعاني لأنه ارتبط برموز شيطانية”.
وتضيف “ريم”: “وإذا كانت بعض الصفحات قد تبرعت بالدفاع عن المملكة فان المملكة لا تحتاج لدفاعهم المزيف والخائب! السعودية والهند دولتان كبيرتان ومصالحهما أهم من ذلك.
بالفعل منا من عمل أو زار المملكة ولمس جمالها وروعتها، ولكن ليس من المنطقي أن تكون هناك دولة مثالية 100/100 لأن مفهوم المدينة الفاضلة ضد الدين والمنطق، وبالفعل توجد بعض السلبيات وهناك حوادث جرت وتابعناها في دول الخليج، والأمر الإيجابي أنها تسعى لتحسين أدائها باستمرار ونشهد تغييرات من عام لعام.”.
وخلصت إلى أنه لا توجد إساءة للإسلام، و ربما توجد إساءة للمسلمين، مشيرة إلى أن هذا أمر محزن لا شك، لكن القرآن الكريم ذاته انتقد بعض النماذج من البشر من بينهم الأعراب، والأعراب هم سكان البادية وهم في مناطق متفرقة من المنطقة.فهل الأعراب حجة على المملكة؟.
وعن رؤية البعض للفيلم على أنه هجوم على المملكة ترى ريم أنه على العكس ربما يكون الفيلم دعاية للمملكة، لأن البطل الذي حلم بالرفاهية في أرض العرب حرم منها بل كأنه لم يصل للمملكة، فلم تتح له الفرصة رؤية هذه الأجزاء منها إلا سريعا في المطار وفي الطريق وفي سيارة الرجل الذي أنقذه، وهذا الرجل العربي المسلم خير نموذج للإنسانية ويرد على فكرة الإساءة للمملكة، فرغم سلوك نجيب غير المتزن ومنظره المرعب وقذارته فقد تجاوز عن كل ذلك وعطف عليه في مشهد مؤثر، وأوصله للرياض حيث وجد مواطنين له ساعدوه.
وتابعت: “في الرياض نرى أخيرا الحياة، ونرى كيف يعيش الوافدين حتى من العمالة الهندية الفقيرة، بالتأكيد يعيشون في تجمعات متواضعة لكن هذا موجود في أغلب مناطق العالم”.
وقالت إن الفيلم تحذيري ومهم، لأن نجيب وحكيم لم يلتزما منذ البداية بنصيحة العامل الهندي في المطار بانتظار مندوب الشركة لاستقبالهما، وذهبا مع البدوي الفظ في سيارته، وهو ليس الكفيل الحقيقي، وهنا تبدأ المأساة!
وقالت إن الفيلم من انتاج هندي أمريكي لكنه ليس بوليووديا، لأن بوليوود هي منطقة من ضمن مناطق أخرى تنتج الأفلام في الهند، مشيرة إلى أن الفيلم من السينما المالايالامية وهي المنطقة التي جاء منها نجيب محمد.
ولفتت إلى أن الذين يتكلمون عن الانتاج المغرض والعنصرية الهندوسية الآن لم يتطرقوا لمثل هذه الأمور سابقا، ولم يشاهدوا الفيلم ويروون قصة رجل آخر، مؤكدة أن المسلمين يتعرضون للعنف على يد المتعصبين من الهندوس، لكن لا يمكننا أن نعمم، وصناعة السينما الضخمة والعريقة في الهند أكبر من ذلك، وطالما قدمت نماذج إيجابية بخصوص الصراعات الدينية.
واختتمت مؤكدة أن “حياة الماعز” عمل دسم وسيترك أثرا كبيرا على العالم، وسوف يحظى بمشاهدات وقراءات مختلفة،ومن المهم أن يتم ذلك بوعي، وهو من النوعية التي تعتمد علي أكثر من مستوى للمتلقي، فهناك: الحدوتة والجوانب الفنية والجوانب الروحانية.
في ذات السياق قال جمال طه الكاتب السياسي والباحث في شؤون الأمن القومي إن بعض الفنانين يكتفون بما يتقاضونه من مكافآت منكرين أى علاقة لهم بمحتوى ما يؤدونه من أدوار وانعكاساتها على وطنهم، أما الفن الهندى فليس هذا النمط من الفنون.
ويضيف طه أن فيلم The Goat Life فضح تعاملات الأجانب والتمييز اللا إنسانى ضدهم، وعجزت الأموال عن وقف إنتاجه.
ويختتم مؤكدا أن الفن رسالة لابد أن نعرف كيف نستفيد منه.
من جهته تمنى الكاتب محمد الجندي على المملكة الشقيقة عمل فيلم عن الاعتداءات الوحشية المروعة التي يتعرض لها مسلمو الهند منذ عقود خاصة تحت حكم الحزب الهندوسي المتطرف.