د. عادل يعقوب الشمايله
سورةُ الفيلِ سورةٌ مكيةٌ ومن اوائل سور القرآن.
الفيلُ هو عنوانُ السورة. غيرَ أنَّ آياتِ السورة لم تُعطِ أيَّ أهميةٍ للفيل. ولم تتعرض السورةُ لوصفِ الفيل او بيان قوته وهيبته وقد استثنتهُ آياتُ السورةِ من العقوبة التي نالت أصحابهُ. ركزت السورةُ على اصحاب الفيل اولاً. ثم ركزت على كيدهم ثانياً. وكيفَ أنَّ كيدهم ذهبَ هباءاً، أي انهُ لم يُحقق هدفهُ وهو هدمُ الكعبة إنْ كان هذا هو هدفهم، لأنَّ السورةَ لم تبين هدفَ اصحاب الفيل. السورةُ اشارت الى كيد اصحاب الفيل دونَ ايضاحِ طبيعةِ الكيدِ رغمَ أنهُ محورُ السورة. غيرَ أنَّ السورةَ اعطتنا الخلاصةَ وهي أنهُ تَمَّ بنجاحٍ احباطُ كيد اصحاب الفيل، واصبحَ كيدهم مُجَرَدَ تضليل اي ايهام او تخويف، أو أنه ضل هدفهُ وغرضهُ.
اذاً، تنبهنا السورةُ الى مصدر الخطر الحقيقي وهو الكيد والمؤمرات والتضليل. أمَّا القوةُ الماديةُ فهي اقلُ خطورةً.
لا زالَ العربُ يخافون من الفيل. فعلى الرغمِ من امتلاكِ الجيشين المصري والسوري والعراقي لمئاتِ طائرات الميج الا أنهم ظلوا مرعوبين من طائرات الميراج الفرنسية وطائرات الفانتوم الامريكية. وكذلك الامر بالنسبة للدبابات. تسيطرُ إسرائيل على سماءِ جميع الدول العربية وتستطيع تحقيق ما تشاءُ من أهداف بالرعبِ، او بالفعلِ حيثُ أنها تملكُ البديلين.
قاتلَ الفيتناميونَ والكوريونَ لسنواتٍ فرنسا ثم امريكا بدونِ طائرات، وكذلك الافغان. وهُزِمت امريكا وقبلها فرنسا والاتحاد السوفيتي وخرجت تلك القوى العظمى مدحورةً مذمومة.
كما حاربت ايرانُ العراقَ لمدةِ ثمانِ سنوات بدونِ غطاءٍ جوي وتمكنت من وقفِ وتجميدِ تقدمِ الجيش العراقي ثم تراجعهِ رغمَ مئات الطائرات التي كانت لديه من مختلف الماركات ومصادر السلاح، وصواريخه واسلحته الكيماوية وتكبد مئات الالاف من الضحايا والجرحى والاسرى للاسف الشديد، دون تحقيق أي هدف من الاهداف التي اعلنها عندما اعلن الحرب على ايران.
بالمقابل، هُزِمت جيوش الدول العربية خلال خمس ساعات عام ١٩٦٧ ، وكانت الذريعةُ أو العُذرُ الأقبحُ من الذنبِ أنَّ اسلحتها الجويةَ دُمرت على مرابضها، لذلكَ لم تستطع الجيوشُ مواصلةَ القتالِ بدون غطاءٍ جوي. إنهُ الرُعبُ والهرب من الفيل.
عندما غزا ابرهةُ الاشرم مكةَ حسبَ الروياتِ التي وصلتنا، وضعَ الفيلَ في مقدمةِ جيشه.
وعندما رأى طلائعُ اهلِ مكةَ الفيل، نقلوا الخبر الى باقي الربع في مكة وبالطبع تم تضخيمُ حجم الفيل وخطورته. ولذلك فرَّ اهل مكة الى الجبال تاركين الكعبة التي جاء ابرهة لهدمها دون حماية وتركوا كذلك ممتلكاتهم. ولم يعلم أهلُ مكةَ أنَّ الفيلَ على ضخامتهِ مثله مثل الجمل يقودهُ صبي. يوقفهُ على اقدامه ويأمره أن يجثو فيجثو ثُمّ يشدُّ وثاقهُ.
تشجع عبدالمطلب كبيرُ مكة حسب الروايات ايضا وطلب مقابلة ابرهة قائد الجيش. فسمح ابرهةُ لعبدالمطلب بمقابلته ظاناً أنه جاء يفاوضهُ نيابة عن اهل مكة.
الا أنَّ طَنَّ ابرهة خاب تماماً عندما فوجئ بطلب عبدالمطلب الذي اقتصرَ على استرداد ابله هو وحدهُ. وعندما سألهُ ابرهة وماذا عن الكعبة، اجابه عبدالمطلب للبيت رب يحميه. وماذا عن ممتلكات بقية قومك، أجابهُ انا ربُ ابلي.
وعلى الرغمِ من الصورةِ القاتمةِ والانانية واللابالية لعبدالمطلب التي جاءت بها الرواية، الا أنَّ عبدالمطلب قد اثبتَ انهُ المثالُ والقدوةَ لزعماءِ العرب اللاحقين منذ ذلك التاريخ، سواءاً كانَ الزعيمُ العربيُ شيخَ قبيلةٍ او وزيراً للخارجية او سفيراً او رئيس مجلس ادارة شركة مساهمة او اكبرَ من ذلك.
الكيدُ ليس صفةً محمودةً بالتأكيد. ومن الخطأ اعتباره صفةً مذمومةً في غالب الاحيان. كما أنَّ الكيدَ ليسَ لهُ علاقةٌ متلازمةٌ بالصلابةِ او الشطارةِ. فقد وصفَ اللهُ كيدُ النساءِ بأنهُ عظيم.
الكيدُ وسيلةٌ دفاعيةٌ او هجوميةٌ مشروعةٌ عندما يكونُ ضد المعتدين والمتجبرين والمتكبرين والمستبدين والظالمين. فالكيدُ هو ابنُ عمِّ المكر. ولذلك ورد في القرآن: “اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ”. فاذا كانَ هناكَ مكرٌ سئٌ فإنَّ من المؤكدِ وجودَ مكرٍ حسنٍ بل وطيبٍ ومفيد.
وقد الحق الله بنفسهِ صفةَ المكر: “ويمكرون، وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”. (30).