وطنا اليوم_بقلم/ أحمد عبدالفتاح الكايد أبو هزيم
كشفت بيانات البنك المركزي الأردني عن اقتراض الحكومة ما يقارب من أربعة مليارات دينار منذ بداية العام الحالي وحتى تاريخه (3.350 مليار دينار سندات خزينة، و602.4 مليون دينار أذونات خزينة). بذلك، يصل إجمالي الدين العام حتى نهاية شهر أيار 2024 إلى 42.513 مليار دينار، بما في ذلك الدين المترتب على الحكومة الأردنية لصالح صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، ليشكل الدين العام ما نسبته 115.2% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الإفصاح بالطبع لا يشمل مليارات أخرى من الدنانير استدانتها حكومة “الأيام الجميلة” منذ أول ليلة لها على الدوار الرابع قبل أربع سنوات تقريباً.
عشرات المليارات من الدولارات دخلت خزينة الدولة في عهد الحكومة الحالية ومن سبقها من حكومات على شكل قروض ومنح ومساعدات، ومع ذلك، لم تتمكن إدارات “الملف الاقتصادي” الحكومي من إحداث نقلة نوعية في حياة المواطن نحو الأفضل، ولم تهتدِ “بعد” إلى الأدوات المناسبة التي تساهم في تحصين الاقتصاد الوطني من التحديات المزمنة التي تعيق نموه. فما زالت مشاكل الفقر والبطالة وخدمة الدين العام والعجز في الميزان التجاري دون حل، ولم تستطع الحكومة الانتقال “الطبيعي” إلى بناء مشاريع تنموية نوعية. المشاريع التنموية الكبرى مثل الناقل الوطني ومشاريع السكك الحديدية وغيرها، ما زالت تتنقل بين تصميم ودراسة وتعديلات، ومن اجتماع مع المانحين والمطورين إلى آخر، وفي نهاية المطاف تُرحل من حكومة إلى حكومة، لتبقى هذه المشاريع الاستراتيجية معلقة تحت بند البحث عن التمويل أو الشراكة مع القطاع الخاص.
خلال العقدين الماضيين، أعلنت الحكومات الأردنية المتعاقبة عن مشاريع بمليارات الدنانير في قطاعات النقل والطاقة والتعدين والخدمات وغيرها، وتم الإعلان عنها في مؤتمرات دولية ومحلية وورش عمل ولقاءات رسمية داخلية وخارجية، لكنها لم ترَ النور بعد، ووضعت على الرف برسم الانتظار لأسباب بيروقراطية، سياسية، لوجستية، عدم وجود تمويل أو شريك استراتيجي. اكتفى المواطن الأردني الذي ينتظر خروج الاقتصاد الوطني من عنق الزجاجة بمشاهدة ابتسامات الضيوف والمعازيب وسماع عبارات الثناء المتبادلة، ووعود فضفاضة بمستقبل “زاهر” في قادم الأيام والسنين والقرون.
أصبحت مشاهدة لافتات “آرمات” مزروعة على جوانب الطرق في أغلب محافظات المملكة، كُتب عليها عبارات شكر وامتنان من الحكومة الأردنية للدول الشقيقة والصديقة على تبرعهم أو مساهمتهم في تمويل إنشاء مشاريع تنموية وبنى تحتية، أمراً اعتيادياً. يتساءل بعض المراقبين للشأن الاقتصادي كيف تدير حكوماتنا المتعاقبة أموال القروض والمنح وحتى العائد من الضرائب التي تُثقل كاهل المواطن، إذا كان جزء لا يستهان به من البنى التحتية من مدارس وطرق ومراكز صحية ومدن صناعية ودورات تدريب وتأهيل كوادر، ممول من منح خارجية “كريمة” أو قروض ميسرة.
لم تحظَ حكومة سابقة بدعم الدولة العميقة ومركز صناعة القرار كما حظيت به هذه الحكومة، بهدف تجاوز المعيقات والأزمات الاقتصادية الداخلية والخارجية وتحسين جودة الحياة للمواطنين. ففي عهدها “الميمون” تم استحداث ثلاث منظومات وطنية للتحديث الاقتصادي والسياسي والإداري، ومع ذلك “بحسب مراقبين” تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة مع دول الاستقرار العربي كمصر والسعودية، بالرغم من التعديلات المستمرة على قوانين الاستثمار، وبقيت معدلات النمو الاقتصادي تراوح مكانها إن لم تتراجع في بعض الأحيان.
اشتهر رئيس الوزراء الحالي، السيد بشر الخصاونة، ببث رسائل الطمأنينة والتفاؤل عن القادم الأجمل لمستقبل الأجيال القادمة. وهو صاحب العبارة الأشهر خلال مسيرة حكومته الرشيدة: “أجمل أيام الأردنيين هي التي لم تأتِ بعد وستأتي”، ولديه إيمان مطلق بحتمية قدوم ذلك اليوم الذي بات يحلم به كل أردني، حتى الذي “لم يولد بعد”. ومن شدة إيمان دولته بذلك اليوم، وصف من لا يقتنع برؤيته لقادم الأيام الجميلة بـ”السوداوية الممنهجة التي تستهدف ضرب الدولة”. وها هي الأجيال الحالية والقادمة تبتعد عن التشاؤم والسوداوية والطابور الخامس من المنظرين والمحبِطين، و”تتحمل” بكل سعادة وسرور مزيداً من المديونية وخدمة الدين العام، وتنتظر بكل صبر وثبات القادم الأجمل.
حمى الله الأردن، واحة أمن واستقرار،
وعلى أرضه ما يستحق الحياة.
**أحمد عبدالفتاح الكايد أبو هزيم
أبو المهند
كاتب أردني
ناشط سياسي، اجتماعي**