وطنا اليوم – تحت عنوان “حسابات الدولة ومساراتها في المرحلة القادمة” كتب الصحفي حسين الرواشدة في يومية الدستور: هذا الصيف سيكون ساخنا جدا في بلدنا، لا أقصد الطقس فقط، وإنما السياسة أيضا، من المتوقع أن يشهد هذا الأسبوع صدور قرار بحل مجلس النواب؛ صحيح أن الجهود، الآن، من قبل كافة إدارة الدولة تصبّ باتجاه ضمان إجراء انتخابات برلمانية نزيهة، وإفراز تجربة أولى ناجحة في سلسلة مراحل التحديث السياسي.
لكن ثمة ما هو أهم، بتقديري، الأردن يواجه أصعب مرحلة في تاريخه المعاصر، كما قال رئيس وزراء مخضرم، وبالتالي فإن عقل الدولة يشتغل، على مدار الساعة لمواجهة تحديات واستحقاقات هذه المرحلة، وهو يدرك تماما أن حجم الأخطار كبيرة، والمسارات قد تبدو ضيقة، لكن لدينا اوراق قوة تمكننا من تحديد خياراتنا الوطنية، وحماية مصالحنا العليا،
وتجاوز حقول الألغام، بما يلزم من وعي وحذر. كل الملفات، الداخلية والخارجية، حسب مصادر مطلعة، تم فتح النقاش حولها، وتحديد ما تطرحه من فرص وأخطار وتحديات، ثم ما تقتضيه من خيارات وحسابات، أو قرارات وسيناريوهات، الصورة كالتالي: الحرب على غزة التي ما زالت مستمرة، وقد تتوسع، هي المركز الذي تدور في فلكه هذه الملفات، ابتداء من الحريق المشتعل في الضفة الفلسطينية، إلى التغيير المتوقع بالإدارة الأمريكية، إلى الضغط الإقليمي الذي يدفع نحو الاستثمار في الفوضى لرسم خطوط ومشاريع القوة والنفوذ والتدخل، ثم ما تتعرض له حدودنا الشمالية والشرقية من محاولات اختراق تحت اسم التهريب ، وما تفكر به المليشيات التي تحولت إلى دول داخل الدول المحيطة بنا..الخ،
كل هذه العناوين الكارثية، وغيرها، افرزت اسئلة مهمة، وهي: أين نضع اقدامنا، ومن هم حلفاؤنا وأعداؤنا، وما مصادر التهديد التي تواجهنا، الآن، وفي المرحلة القادمة، ثم كيف نتعامل مع ذلك؟ لدى الدولة الأردنية، على ما يبدو، تصورات واضحة، وإجابات محددة ومدروسة حول هذه الملفات، وما تطرحه من أسئلة، وفي إطار ذلك أتوقع أن نشهد، خلال الأشهر القادمة، حركة تغييرات شاملة في كثير من المواقع العامة، وأن نشهد، أيضا، استدارات كاملة نحو الداخل الأردني، واطلاق مبادرات رسمية لترطيب الأجواء العامة وتعبئة المجتمع وتحسين مزاجه العام ورفع معنوياته، أتوقع، أيضا، أن تبدأ بعد الانتخابات مرحلة لتقييم الأداء العام، ومراجعة حصاد تجارب التحديث بمساراته الثلاثة، وفي موازاة ذلك ستتحرك الدبلوماسية الأردنية باتجاهات متعددة، وفقا لبوصلة المصالح العليا للدولة، كما سيتم معالجة بعض الأخطاء وتجاوزها، والتحوط لكل المفاجآت القادمة.
أمام الدولة الأردنية فرصة للعبور من مرحلة الصمود إلى مرحلة التمكين والمنعة، ولديها اوراق تمكنها من القيام بأدوار سياسية واستراتيجية في المنطقة، وهي قادرة على الخروج من الحرب وتداعياتها كما فعلت في الماضي، وربما بشكل أقوى، لكن المهم أن نفكر بصوت أعلى ومصارحات أوضح حول حالة جبهتنا الداخلية، أقصد أن الأرضية التي يجب أن نستند إليها هي (الأردنيون)، وهنا لابد من إفراز جماعة وطنية ( لا أقول طبقة سياسية فقط) تمثل الرأس لجسم المجتمع وتقوده في إطار الدولة، كما لابد أن ننزع فتيل المظلوميات التي تكرست لدى بعض اطياف المجتمع، العشائر الأردنية يجب أن تكون حاضرة في المشهد، والحزبية لا بد من « توطينها» لتحمل مشروع الدولة، كما أن طاقة الشباب الذي صحا على هويته الوطنية، وتجدد وعيه على ثالوث العرش والجيش والشعب يجب أن يُستثمر فيها بشكل افضل. الدولة الأردنية أقوى مما يتصور البعض، الأجندات التي تحاول إضعافها أو التشويش عليها أصبحت مكشوفة، كما أن الجهات التي تحرض ضدها أو تخوفنا من المصير القادم الذي ينتظرنا، تدرك، تماما، ان ما تُروج له مجرد أوهام، هدفها إرباكنا والتشويش علينا، أو استغلال ما يحدث في المنطقة لزعزعة ثقتنا بأنفسنا، لكن الحقيقة التي لا يجوز أن نتخلى او نتنازل عنها، عنوانها واحد، وهو : الأردن سيبقى عزيزا قويا صامدا، وكل من يضمر له شرا سيذهب إلى مزابل التاريخ، كما حصل ذلك على امتداد العقود الماضية.