لماذا يكرهُ الأتراكُ العربَ؟ ولماذا يطالبونَ بطردِ اللاجئين السوريين؟

19 يوليو 2024
لماذا يكرهُ الأتراكُ العربَ؟ ولماذا يطالبونَ بطردِ اللاجئين السوريين؟

د. عادل يعقوب الشمايله

تتعاظمُ “المزايدات السياسية” في تركيا ومن ثم انعكاساتها الشعبوية حول وجود اللاجئين السوريين في تركيا. واصبحَ الشعورُ السائدُ لدى الأتراكِ هو الحقدُ والكرهُ للسوريين. وهو شعورٌ على النقيضِ تماماً من شعورهم وتعاملهم مع الصهاينة.
من المؤكدِ أنَّ سلوكَ الأتراكِ سيكونُ مختلفاً لو كان المهاجرون عندهم من الاردنيين حتى ولو وصل عددهم الى خمسة ملايين شخص.
هناك عدة بواعث لسلوك الاتراك. الباعثُ الرئيسيُ لكُرهِ الأتراكِ للسوريين هو أنَّ السوريين لا تشغلهم بطونهم والماركات التي يلبسونها وموديلات السيارات التي يركبونها.
لذلكً استطاع السوريون فرضَ انفسهم في الاسواق التركيةِ تجاراً وصناعيينَ ومنتجين ومقدمي خدماتٍ مميزة. أي انهم نافسوا الاتراكَ بقوة وكفاءةٍ ومثابرةٍ وَتَحَمُلٍ للصعابِ رغمَ الغُربَةِ، غُربةَ الوطنِ وغربةَ اللغةِ وغربةَ المال أي شُحَّهُ، فحلوا محلَ مئاتِ الالاف من الأتراك في سوق العمل كعاملين واصحابَ اعمال. إضافةً الى أنهُ عندما يخلقُ السوريونَ فُرَصَ عملٍ في مشاريعهم فإنهم يخصون بها السوريين وليسَ الاتراكَ وهذهِ بالطبعِ مثلبةٌ تُسَجَلُ ضدهم.
أمَّا الاردنيون، فإنهم على العكسِ تماماً. أي أنَّ ما يشغلهم الاستهلاك. وآخِرُ همهم النجاحَ في الميدان الاقتصادي خاصةً عندما تكونُ المنافسةُ هي صاحبةُ قرارِ البقاءِ في السوقِ او الخروجِ منهُ.
واذا وظفنا علمَ الاقتصادِ لوصفِ اثر السوريين في تركيا، فإنَّ السوريينَ قد اسهموا إيجابياً في الناتجِ المحلي الاجمالي لتركيا تحت بند الاستثمار investments وهو امرٌ غيرَ مُرَحبٍ به من قِبلِ الصناعيين والتجار ومقدمي الخدمات الاتراك. بينما لو ان الاردنيين هم الموجودين في تركيا لأسهموا ايجابيا في الناتج المحلي الاجمالي لتركيا تحت بند الاستهلاك consumption. وهو امرٌ مرحبٌ بهِ من التجار والصناعيين ومقدمي الخدمات الاتراك. لأنهم يفضلون المشترين على المنتجين والتجار .
كُرهُ الأتراكِ للسوريين والمطالبةِ بطردهم لم تمارسه بريطانيا التي يسبها العرب صبحاً ومساءاً. فقد استقبلت بريطانيا ملايين الهنود والباكستانيين والاوغنديين. ووصلَ أبناءُ المهاجرينَ الى مناصب رفيعةٍ كعمدة لندن ورئاسة حكومة بريطانيا وحكومة اسكتلندا اضافةً لعشرات الاعضاء في مجلس العموم.
ولعلَّ منَ المناسبِ أنْ أُذَكِرَ أنَّ أَحدَ أهمِ المتسببين للازمةِ السوريةِ وفرارِ السوريين من بلادهم هو النظامُ الحاكمُ في تركيا الذي فتحَ الأبوابَ للارهابيين بكافة مسمياتهم الذينَ قدموا مغسولي الادمغة من كافةِ أنحاءِ العالم لدخولِ سوريا للإنضمامِ للمنظماتِ الأرهابيةِ ومليشياتِ المرتزقةِ، وَسَهَّلَت الحكومةُ التركيةُ عبورَ الأسلحةِ اليهم دون قيود. وأخيراً احتضنت تجمعهم كقنبلةٍ موقوتةٍ في محافظةِ ادلب السورية التي يحتلها الاتراك عنوة وطمعاً وتجبراً ومخزونا بشرياً جاهزاً للتدريب للقيام بأعمال إنتحارية كَي يُرسَلونَ لتأسيسِ قواعدَ للجيشِ التركي في الخارج خاصة في الدول التي تحكمها أنظمةٌ ترفعُ يافطةً من يافطاتِ الاسلام السياسي.
هناكَ سببٌ آخرُ لسلوكِ الاتراك السلبي والمتعالي ليس على السوريين فقط وإنما تجاه عموم العرب، وهذا ما لاحظهُ وخَبرهُ وعانى منهُ وعافَهُ عشراتُ الألافِ من زوارِ تركيا من العرب الذين لديهم قدرٌ ولو يسير من احترامِ الذاتِ والاعتزازِ بهويتهم العربيةِ التي حولت قبائلَ الأتراكِ الهمجِ الرُحَلِ الى أمَةٍ ثُمَّ قوميةٍ وأدخلَتهم في كُتُبِ التاريخ البشري.
الجهلةُ والمؤدلجونَ بالإسلامِ السياسي “ولا اجدُ فرقاً بين الفئتين” يُفَسِرونَ تصرفَ الاتراك السلبي تجاهَ العربِ بأنهُ ردةُ فعلٍ على ثورةِ العربِ عليهم وطردهم من بلاد الشام والعراق وهو ما تبقى لهم من الوطن العربي الذي استولت على معظمهِ الدولُ الغربيةُ عنوةً من الامبراطورية التركيةِ المُتداعيةِ. فالاتراكُ يعتبرونَ أنَّ العربَ قد خانوهم وتحالفوا مع بريطانيا وفرنسا ضدهم في الحرب العالمية الاولى.
غير أن هذا التفسير الايدولوجي الساذج لا ينسجمُ ولا يتفقُ ولا يتوافقً مع حقائق التاريخ عند من يقرأون التاريخ ويفهمون ويعون ما يقرأون.
الحقيقةُ التي لا تقبلُ الجدلَ أنَّ السلطنةَ العثمانيةَ هي من خانت العرب وباعتهم بأبخس الاثمان وتآمرت عليهم. والدليلُ أنَّ شعوبَ شمالِ افريقيا بدونِ استثناءٍ، من حدودِ البحرِ الأحمرِ وحتى شواطئِ الاطلسي، إضافةً الى عرب شواطئِ الجزيرة العربيةِ بدءاً من مدينةِ عدن وحتى خليج البصرة قد تم احتلال اراضيهم من الفرنسيين والايطاليين والانجليز ولم تدافع المملكة العثمانية عنهم، في الوقت ِالذي كانت تستميتُ في الدفاع عن احتلالها لمنطقة البلقان لأنها نبعُ السبايا الشقراوات والغلمان.
وعلينا أن لا ننسى أنَّ السلطنةَ العثمانيةَ قد استنجدت بفرنسا وبريطانيا ضد واليها على مصر محمد علي باشا مما ادى الى تدمير الاسطول المصري والجيش المصري وفرض شروطَ قاسيةٍ على حجمِ وتسليحِ الجيشِ المصري وهو ما ظهرت أثارهُ في حرب ١٩٤٨ التي فشلَ فيها الجيشُ المصريُ فشلاً ذريعاً في الدفاع عن عروبة فلسطين، وهو فشلٌ تتحملهُ الخلافة العثمانيةُ وليسَ شعبُ مصر الخاضعِ لسيطرةِ الإنجليز بسببِ ضعفِ تركيا ولامبالاتها. ولا بُدَّ ان نتذكرَ أن نابليون قد احتل مصر ولم تحرك تركيا قواتها لنجدة مصر. وبقيَ نابليون الى أن طردتهُ بريطانيا لتحتلَ هي مصر تحت سمعِ وبصرِ وعدم تدخلِ تركيا لحمايةِ ولايةٍ من أهمِّ ولاياتها.
عندما اندحرَ العثمانيون كانَ عددُ سكانِ الوطن العربي أقَلَّ من عشرين مليوناً، ٩٩٪؜ منهم من الاميين المتخلفين. وفي غضونِ مائةِ عامٍ بعدَ غيابِ ظُلمةِ الاتراك وظلمهم تضاعفَ عددُ العربِ خمسة عشر مرةً ليصلَ الى ثلاثمائة وخمسين مليوناً بفضلِ الرعايةِ الصحية والتعليم والتوعيةِ وتحسن مستوى الحياة والخدمات التي وفرتها المؤسساتُ الحكوميةُ التي اوجدها المستعمرون الغربيين من الصفر. هذا الواقعُ يوصلنا الى أنَّ نتيجةَ الاحتلالِ التركي للوطنِ العربي تترجمُ المثل: لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع.
لقد وضعَ الأتراكُ العربَ بين فكي كماشةٍ شرسةِ الانياب. الفكُ الاعلى كانَ التجنيدَ الاجباري للشبابِ لخوضِ معارك البلقان العبثية. تلكَ المعارك التي نادراً ما عادَ منها احدٌ لأهله. أي انهم كانوا يخطفون الشبابَ مما حرمَ الوطن العربي من القوةِ العاملةِ المنتجةِ اقتصاديا والمنتجةِ بشرياً، أي الفئةَ السكانيةَ القادرةَ على الانجاب والتكاثر.
أمَّا الفكُ الثاني الشره فهو الضرائبُ وخاصةً ضريبةَ الرأس Head Tax وهي أسوءُ أنواعِ الضرائبِ وأَكثَرَها ظُلماً لأنها لا تُفَرِقُ بين الغني والفقير. وهي واجبةَ الدفعِ حتى ولو كان الشخصُ لا يملكُ مثقالَ قطمير . ضريبةٌ لا خلاصَ منها الا بموت الشخصِ المُكَلفِ او هروبهُ خارجَ وطنهِ. وهي الضريبةُ التي قررت رئيسةُ وزراءِ بريطانيا تاتشر فرضها رغم معارضة الشعب البريطاني وتحذيرات علماء الاقتصاد من النتائج. لكنها أصرت مما تسبب بسقوط حكومتها وخسارة حزبها للانتخابات وخروجها من الحياة السياسية. فكان عقاب الناخبين لها ولحزبها قاسياً ودرساً للدول الأُخرى.
الضرائبُ التي كانت تغتصبها الحكومة التركية، لم تكنْ تَصرِفُ منها مليماً واحداً في الوطن العربي لا على التعليم ولا على الصحة ولا فتح الطرق ولا على الخدمات ولا الزراعة والمياه ولا محاربة الفقر والبطالة. هذا الواقعُ يعكسُ صورةَ نظامٍ سياسيٍ مجرمٍ ومتخلفٍ وساديٍ ولا ابالي ويعيشُ خارج الحضارة الانسانية مما سمحَ للأوبئة والامراض كالطاعون والكوليرا والحصبة والجدري أنْ تَحصدَ الاطفال حصداً.
وأخيراً، اختم بحقيقة أُخرى صادمة وهي انَّ الاستعلاءَ والوقاحةَ التي يتعاملُ بها الأتراكُ مع َالعرب الذين يزورون تركيا انما تُعَبِرُ عن مشاعر الغرور والاستعلاء التي يُصابُ المُستعمرُ تجاهَ سكانِ المستعمرات. فالعربُ في نظرهم لا زالوا الشعبَ البدويَ الهمجيَ الصحرواي الذي حكموهُ ستمائةِ عامٍ وداسوا على رأسهِ وصدرهِ وساموه سوءَ العذابِ والاستعبادِ والاضطهاد، حيثُ كانَ العسكري التركي ينادي العربي بما يقابل كلمة حمار باللغة التركية. فهنيئاً لمن اعتادوا العبوديةَ والتبعيةَ والدونيةَ، وأنا أُشَجِعُ هذهِ الفئةِ من الناسِ على الهجرةِ الى دولة الخلافة التركية لانها سَتُأمِنُ لهم اقصر طريقٍ الى الجنةٍ وملاقاةٍ الحورِ العين خاصةً اذا دربتهم وحولتهم الى قواتِ مرتزقةٍ ومجموعاتٍ من الانتحاريين.
وفي هذا المجال، فإنني اتساءلُ عن مبررِ صمتِ العربِ بلْ واستحسانِ معظمهم لاحتلال تركيا لكل من محافظة ادلب ولواء الاسكندرون وهما أراضٍ عربيةٍ سوريةٍ، وشمال العراق وموانئ السودان والصومال، ونصف ليبيا ونهب بترولها، في الوقت الذي يعادي فيه العربان ايران لانها تحتفظ بثلاث جزر صخرية كانت تابعةً لدولة الامارات وقامت بريطانيا بالتنازل عنها لايران. أي أنَّ ايران لم تَقمْ باحتلالها وانما المسؤول عن خلق المشكلةِ هو بريطانيا صانعةِ المصائبِ، ومع ذلكَ تَظَلُّ بريطانيا صديقةَ العربِ المقربةِ الى قلوبهم وجيوبهم وتتحولُ ايرانُ بعدَ الثورة الشعبيةِ التي اختطفها الملالي الى دولةٍ مُحتَلةٍ ملعونةٍ مع انَّ الجُزر الثلاث قد انتقلت مُلكيتها لايران في عهد الشاهِ ولم يجرؤ احدٌ على المُطالبةِ بهن طيلةَ فترةِ حكمِ الشاه. فأينَ الانصاف والعدالة والحكمةَ السياسية.
ايران وتركيا واثيوبيا واسبانيا وبريطانيا وامريكا جميعها تحتلُ أراضٍ عربيةٍ. والاحتلالُ مرفوضٌ ويجب زوالهُ سواءاً كان اسرائيليا او ايرانياً او تركياً او انجليزيا او أمريكياً او اثيوبياً.