زهدي جانبيك يكتب: اقتصاد الهواء المحروق

7 يوليو 2024
زهدي جانبيك يكتب: اقتصاد الهواء المحروق

كتب زهدي جانبيك:

كان اخي الاكبر سمير رحمه الله من خريحي مدرسة وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين الصناعية في وادي السير… وعلى ذمته انه حصل على المقعد الدراسي فيها نتيجة تدخل جدي مراد جنب كون المدرسة مبنية على بيادر الشركس فيجب ان يكون لنا مقاعد دراسية مجانية فيها … وليس هذا موضوعنا …
المهم ان هذه المدرسة في حينها كانت تخرج طلابا حرفيين متخصصين في جميع المهن… وكان تخصص المرحوم في الكهرباء والاتصالات … وحال تخرجه حصل على عمل في القدس حيث كان يجري بناء مقسم اتصالات هاتفية حديث لخدمة الاردن (ايام وحدة الضفتين)، فكانت شهادة مدرسة الصناعة افضل من شهادات الدكتوراة من حيث التأهيل للعمل والمساهمة في الاقتصاد والتنمية ومكافحة البطالة … وليس هذا موضوعنا ايضا …
ومن الطرائف التي اخبرني بها المرحوم، انه كان مطلوبا منهم تجهيز المقسم على شكل جزئين متوازيين أحدهما مخفي ليعمل به مندوبي التصنت على الاتصالات الهاتفية للمواطنين والاخر هو الجزء الرسمي الذي يعمل به موظفي المقسم الرسميين من ملاك وزارة المواصلات كما كان اسمها في ذلك الوقت… وليس التصنت الرسمي على الاتصالات في ذلك الحين موضوعنا ايضا…
وقد كان المرحوم اخي شديد الإعجاب بمعالي الوزير فضل الدلقموني رحمه الله، بسبب موقف كان اخي شاهدا عليه ، حيث اتصل احد المواطنين بعامل المقسم في وقت متأخر من الليل فلم يرد عليه عامل المقسم ، فذهب المواطن إلى بيت الوزير في ذلك الوقت المتأخر من الليل واشتكى له ذلك ، … فما كان من الوزير الا انه ركب سيارته (وهو يرتدي الروب) ونزل إلى المقسم في القدس وايقظ عامل المقسم وعاقب جميع الشفت المناوب لتقصيرهم بخدمة المواطن، وعاد إلى عمان. … وليس الانضباط الإداري والجدية في تحمل المسؤولية موضوعنا اليوم ايضا…
قال لي اخي انه عاش في القدس طيلة فترة تجهيز المقسم وتشغيله وكان لا يعود إلى عمان الا بنهاية الشهر أو نهاية الأسبوع احيانا …
وكان في شوارع القدس في حينها مجنون يدور في شوارعها وهو يحمل راديو ويستمع للأخبار باستمرار…. وصدف ان كان اخي في احد المطاعم عندما مر ذلك المجنون من أمام المطعم وهو يصيح بأن الاردن حصل على مساعدات اجنبية، وكان المجنون يصيح قائلا: ان المساعدات ستكون على شكل بلالين للأطفال سينفخها الأطفال ثم “يفقعونها” “بوووم” وتذهب المساعدات في الهواء لا استعملناها في بناء ولا في صناعة ولا في زراعة ، ثم يسجلونها علينا دينا (قرضا) في رقابنا … هكذا كان يقول المجنون … وهنا مربط الفرس، وهذا هو موضوعنا:
من يراجع الإيرادات العامة للدولة الاردنية سيجد انها تعتمد بدرجة كبيرة جدا على الضريبة على المبيعات من المنتجات النفطية ومنتجات التبغ والسجائر … ولذلك فإن اسعار الوقود في الأردن من اعلى الأسعار مقارنة بدول المنطقة وجزء كبير من العالم … وهذا يعني ان الضرائب على دخان عوادم السيارات (الاكزوست) الناتج عن شراء و حرق الوقود من اهم مصادر إيرادات الدولة.
ولذلك ايضا “فشلت” الحكومات المتعاقبة، او تم “افشالها”، او لم تكن جادة وغير راغبة في تطبيق قانون الصحة العامة المتعلق بمنع التدخين … فالضريبة على الدخان المتصاعد نتيجة شراء وحرق منتجات التبغ يعتبر من أهم مصادر ايرادات الدولة.
والاقتصاد المعتمد عل عوائد الهواء المحروق من العوادم والسجائر بالتأكيد لا يمكن ان يصمد أمام نفخة هواء نقية وقوية…
وهذا هو موضوعنا لهذا اليوم :
فهل منع التدخين وانتشار السجائر الإلكترونية والسيارات الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة ادت او ستؤدي إلى انهيار إيرادات الدولة ووضع اقتصادها الهوائي في مهب الريح ؟ كالبلالين التي ينفخها الاطفال بالهواء … ثم يفقعونها فتذهب في الهواء هباءا منثورا ؟؟؟