د. عادل يعقوب الشمايله
بعد احتلال القوات الالمانية لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، تشكلت حكومة فيشي في الاراضي الفرنسية التي اصبحت تحت الاحتلال الالماني.
استقرت النظرة لحكومة فيشي عند الفرنسيين والحكومات الغربية والمحللين السياسيين على انها حكومة عميلة لنظام هتلر، وانها توطد بقاء الاحتلال الالماني لفرنسا، وأنه لا يجوز الاعتراف بها، بل مقاومتها واسقاطها.
في المقابل، تشكلت حكومة مؤقتة في المنفى بقيادة الجنرال شارل ديغول. اخذت هذه الحكومة على عاتقها اعادة تنظيم القوات الفرنسية المنهزمة وتشكيل مقاومة شعبية لمنازلة المحتل الالماني معتمدة على دعم الدول الاوروبية التي لم تنهزم بعد، والشعب الفرنسي الذي لم يتقبل الاحتلال.
في نظر الفرنسيين والاوروبيين (ما عدا) الالمان أُعتبرت المقاومة بقيادة شارل ديغول مقاومة وطنية شريفة. مقاومة تحرر وطني ضد محتل غاصب، ولهذا تستحق الدعم والمساعدة السياسية والمالية والعسكرية.
وقد سجلها التاريخ المعاصر أنها كذلك.
بينما تعاملت الحكومة الالمانية النازية مع حركة المقاومة بقيادة شارل ديغول على انها منظمة ارهابية تضم ارهابيين ينبغي القضاء عليهم او الاستسلام.
وبالمثل، تعاملت الحكومة البريطانية مع الثورة الامريكية ضدها والتي ادت الى خروج بريطانيا منهزمة من القارة الامريكية، على ان الثوار بقيادة جورج واشنطن هم مجموعة من الارهابيين، على عكس نظرة الشعب الامريكي لها. وقد ساندت فرنسا الثوار لنيل استقلال بلادهم.
وكذلك اعتبر البريطانيون المقاومة الهندية السلمية بقيادة غاندي على انها حركة ارهابية.
وعوملت الشعوب السورية والتونسية والجزائرية التي قاومت فرنسا في نظر الفرنسيين على انهم ارهابيون، وأن مقاومتهم للمحتل تختلف عن مقاومة الشعب الامريكي للبريطانيين ومقاومة شارل ديغول للالمان.
يقول القرآن: ” ما لكم كيف تحكمون”. تجعلون المقاومين للعدوان هم المعتدون؟
لا تختلف المقاومة الفلسطينية عن حالات المقاومة التي سبق وذكرتها: المقاومة الفرنسية للاحتلال الالماني، المقاومة الامريكية للاحتلال البريطاني، المقاومة الايرلندية والاسكتلندية والهندية واليمنية والمصرية للاحتلال البريطاني، والمقاومة الفيتنامية للاحتلال الفرنسي ثم للاحتلال الامريكي، والمقاومة الروسية للاحتلال الفرنسي ثم الاحتلال الالماني، ومقاومة مواطني جنوب افريقيا للمحتلين الاوروبيين.
اذا كانت كل حالات المقاومة تلك تعتبر في نظر القانون الدولي وشرائع الانسان مقاومة ارهابية، وأن المحتلين ملائكة رحمة، فإنه لشرف عظيم للمقاومة الفلسطينية ان تُنعَتَ بالارهاب. وفي نفس الوقت فإن حق الدفاع عن النفس الذي يعطيه المحتل لنفسه ويصرح به المستعمرون الاوغاد للمحتل لارض وحقوق الغير، حري به ان تدوسه نعال المقاوميين الارهابيين وان تدوس كذلك رؤوس الساسة الغربيين الفاسدين الذين يبيعون شرفهم وشرف بلدانهم والقيم التي يتغنون بها على انها قيم انسانية حضارية.