دعوها فإنها مؤلمة .. جدلية هلال رمضان في سماء عمان

14 مارس 2024
دعوها فإنها مؤلمة .. جدلية هلال رمضان في سماء عمان

كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة
منذ بدء وجود الإنسان على هذه الأرض وهو يتعلم ويزداد علما .. فالله علمه وأمره أن يسأل ربه أن يزده علما .. ومن العلوم القديمة والقديمة جدا ما يسمى “علم الفلك” .. وهو العلم الذي يعنى بدراسة الشمس والقمر والنجوم والكواكب والمذنبات والمجرات والغازات والغبار وغيرها من الأجسام والظواهر غير الأرضية.
وهذا العلم قديم جدا حتى أنهم عدوه من أقدم علوم الطبيعة ويعود بتاريخه إلى العصور القديمة، حتى أنهم وجدوا نقاط رصد فلكية في كل من العراق القديمة، ومصر القديمة، واليونان، وحضارة المايا في امريكا الجنوبية، وبلاد فارس، والنوبة، والصين، والهند.
وحين بعث النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن العرب بعيدين عن هذا العلم ولم يكونوا جهلة به، بل على العكس تماما كان موجودا بينهم وحولهم في بلاد الروم وفارس.

هنا اسكت قليلا …
إنني بهذه المقدمة أردت الولوج إلى صلب موضوع قديم يتجدد كل عام سببه ضعف العلم في آلية ضبط دخول وخروج الشهر القمري الهجري ..
فبعد الناس عموما عن هذا التقويم الإسلامي جعلهم لا يحسنون ضبط آلية التعامل معه، إذ أن جل أيامهم تقوم على التقويم الشمسي أو ما يطلق عليه التقويم الميلادي، ولا يلتفتون إلى التقويم الهجري الإسلامي إلا عند دخول وخروج شهر رمضان المبارك.

وأعود هنا لأسكت قليلا …

ثم أقول: إن سيدي خاتم الأنبياء والمرسلين لم يترك صغيرة ولا كبيرة تهمنا في أمر ديننا إلا ودلنا عليها .. فكيف سيفوت آلية بدء وانتهاء شعيرة عظيمة من شعائر الدين الإسلامي وهي صيام شهر رمضان !! ..
قال: “صوموا لرؤيته – أي الهلال- وأفطروا لرؤيته – اي الهلال- ..”
والملفت للنظر أنه لم يذكر اللجوء هنا أبدا إلى علم الفلك الموجود في زمنه .. ولا القى بألا له – هنا على الأقل – !!
بل إمعانا منه صلى الله عليه وسلم في الإهمال والتأكيد على الرؤية البصرية هو ما ذكره في تتمة الكلام النبوي من أنه إن “غم عليكم” اي لم تستطيعوا رؤيته – بغض النظر عن هذا المانع من الرؤية – فعلينا إكمال شهر شعبان ثلاثين يوما.
لم يقل ابدا لا تصريحا ولا تلويحا ولا تلميحا أن اسألوا علماء الفلك عن وقت تولد القمر ومدة ظهوره قبل وبعد …الخ مما نسمع هذه الأيام مما يوجع القلب والرأس.
فالقضية إذا محسومة .. نتراءى الهلال لدى غروب شمس يوم ٢٩ شعبان فإن رأينا الهلال أعلنا دخول رمضان، وإلا أكملنا شعبان ٣٠ يوما.

وهنا اعود لأسكت قليلا ..
ألملم شتات أفكاري فأقول:

هناك احتمالات:
فإما أن يكون الهلال قد ظهر فعلا حين ترآيناه ولم نره لمانع (ما) فأكملنا شعبان ٣٠ يوما، وعليه سيكون من الطبيعي أن يكون حجمه في أول يوم رمضان أكبر !.
ولكن نحن هنا لاتثريب علينا البتة ! لكوننا التزمنا بالتوجيه النبوي .. ولا مجال أبدا للطعن في صحة الصيام إلا من قبل جاهل لا يعلم أمر دينه.
أما الاحتمال الآخر فأن يكون سبب عدم رؤيتنا للهلال حين تحريناه ليس وجود مانع، بل لأنه فعليا لم يكن قد ظهر وعليه سيكون حجمه صغيرا أول يوم من أيام رمضان، بل قد لا يراه معظم الناس لصغر حجمه وقصر مدة ظهوره.
فلماذا هذه البلبلة والتشكيك والطعن في صحة صيام المسلمين؟!!

دعوها فإنها مؤلمة !!
أما قاعدة خير وسيلة للدفاع هي الهجوم التي ينتهجها بعضهم في دفاعه عن صحة صيام الناس في الأردن بأن يتهم الشعوب التي صامت قبلنا بالخطأ في صيامهم .. فقاعدة لا ينبغي أن تستخدم ابدا هنا .. فتشكيك الناس في عباداتهم ليس من العلم في شيء .. وهذا يثير بيئة خصبة للفتنة بين المسلمين، بل يقال: كل شعب يعمل بعمل سلطان دولته، فإن أعلن الصيام صاموا وإن أعلن الفطر أفطروا.
ولا يفوتني هنا أن أنبه إلى إشاعة تتردد منذ عام 1437 هجرية الموافق 2011 للميلاد من أن المملكة العربية السعودية الشقيقة أخرجت كفارة مقدارها مليار وستة ملايين ريال سعودي لأنهم اكتشفوا خطأهم في صيام رمضان تلك السنة ! فهذا مما تضحك منه الثكلى ! فالخبر محض إشاعة هدفها واضح ومفضوح، وهو ساقط عقلا وشرعا، والمصيبة أنه حينها قيل بأن السعودية بنت ثبوت شهر رمضان على رؤية كوكب زحل وليس القمر !!! وتم نسبة الخبر للجمعية الفلكية في السعودية، والتي نفته بدورها واكدت على أنه محض افتراء هدفه تشكيك المسلمين في أمر دينهم.
وما الغريب في أن يروا ولا نرى ويصوموا ولا نصوم وقد حدث هذا في زمن الصحابة الكرام !! .. فهاهو ابن عباس – رضي الله عنهما- لم يعمل برؤية أهل الشام، كما في حديث كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيته؟ فقلت: رأيته ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية ؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
وهذه القضية لست أنكر أن فيها خلافا فقهيا معلوما معروفا لكن أثر ابن عباس هذا عمل به الشافعية بل هو الصحيح عندهم وعند بعض الأحناف، ومطلع الشام غير مطلع الحجاز.
ولن أدخل في سرد الخلاف الفقهي، وإن كنا نأمل ونرجو ونحب أن تكون ثمة وحدة إسلامية في ثبوت هلال رمضان وشوال كما هي الوحدة في ثبوت شهر ذي الحجة ! فوالله إنه لمما يحزن القلب أن لا تتفق الكلمة هنا كما اتفقت هناك، لكن ليس بالإمكان إلا ما كان.
حمى الله الاردن ملكا وشعبا