د. عادل يعقوب الشمايله
اورد تاليا ما جاء في القرآن وكتب التفسير حول حدثين هامين بقي مدلولهما ما بقيا يتليان.
-واقعة الافك: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ الايه (11).
صحيح البخاري: ٣٩١٠ باب حديث الافك
⁃ تقول السيدة عائشة، أنه بعد فترة من شيوع القصة، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب وأسامة بن زيد يستشيرهما في فراق أهله . فأما أسامة بن زيد فأشار على الرسول بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه له من الود ، فقال : يا رسول الله ، هم أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا .
وأما علي بن أبي طالب فقال : لم يُضَيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، “وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر”.
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في المسجد، وقال” يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل “يقصد عبدالله بن ابي” قد بلغني أذاه في أهل بيتي ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، “وما كان يدخل على أهلي إلا معي ”
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج ، أمرتنا ففعلنا أمرك . قالت : فقام سعد بن عبادة – وهو سيد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية – فقال لسعد بن معاذ : لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله . فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ – فقال لسعد بن عبادة : كذبت! لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم [ قائم على المنبر . فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا. “وسلم عبدالله بن أُبي من العقاب”.
تقول عائشة، بكيت يومي ذلك ، لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي . قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس . ولم يجلس عندي منذ قيل [ لي ] ما قيل، ثم قال : أما بعد يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، “”فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب ، تاب الله عليه” ”
تضيف عائشة انني اجبته – وأنا جارية حديثة السن ، لا أحفظ كثيرا من القرآن – : [ إني ] والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا ، حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة – والله يعلم أني بريئة – لا تصدقوني [ بذلك . ولئن اعترفت لكم بأمر والله عز وجل يعلم أني بريئة تصدقوني ] ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف : ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) [ يوسف : 18 ] . قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بأمر يتلى.
⁃ يضيف ابن كثير، “انزل الله عز وجل “براءة السيده عائشه” صيانة لعرض الرسول ، عليه أفضل الصلاة والسلام.
-وما كان لنبي أن يغل، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة. سورة آل عمران ، آيه ١٦١
8136- تفسير الطبري حدثنا به محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا خصيف قال، حدثنا مقسم قال، حدثني ابن عباس: أن هذه الآية: ” وما كان لنبيّ أن يغل “، نـزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، قال: فقال بعض الناس: أخذها! قال: فأكثروا في ذلك، فأنـزل الله عز وجل: ” وما كان لنبي أن يغل ومن يغلُل يأت بما غل يوم القيامة “. وقال ابن عباس أيضا وعكرمة وابن جبير وغيرهم : نزلت بسبب قطيفة حمراء فقدت في المغانم يوم بدر ; فقال بعض من كان مع النبي – صلى الله عليه وسلم – : لعل أن يكون النبي – صلى الله عليه وسلم – أخذها ، فنزلت الآية أخرجه أبو داود والترمذي “تفسير القرطبي”. قال الترمذي: “هذا حديث حسن غريب…وروى بعضهم هذا الحديث مرسلاً”. وقد حكم الشيخ الألباني على الحديث بالصحة.
يستفاد من الروايتين ما يلي:
⁃ ان الناس لا يترددون ولا يتورعون عن اختلاق الافتراءات وتوجيه التهم. حتى الانبياء لم يسلموا من هذه الظاهرة. فقد طالت عددا منرالانبياء قبل النبي محمد.
⁃ أنه عندما يكون المتهم هو القاضي، فمن يفصلُ بصدق التهمة من كذبها؟
⁃ تولى الله حسب الكتب المقدسة المرافعة واصدار الاحكام عندما تعلق الامر بالانبياء واسرهم.
⁃ من الملفت للانتهباه، أن الرسول لم يضع خيار الرجم او الجلد امام زرجته عائشة ” إن هي اعترفت بالذنب، اي ارتكاب ما اتهمها به المتهمون “. وانما اكتفى بأن طلب منها أن تستغفر الله. وأن الله يغفر ذنوب العبد إن هو استغفر. السؤال: هل يعتبر هذا القول حكما تشريعيا، وقاعدة عامة تطبق على الجميع؟.
⁃ أما بقية البشر، ولأن الله لن ينزل وحيا يبرئهم، فإن القضاء المستقل حقا والنزيه حقا هو ملجأهم، وهو حصنهم وملاذهم.
⁃ الغريب في مجتمعاتنا، أنه وبالرغم من ان هذه المجتمعات قد تقبلت وقبلت أن يكون القضاء هو الفيصل والحَكم، الا انهم دائما يشككون في احكام القضاء، خاصة اذا كان الحكم في غير صالحهم، او لم يحقق مبتغاهم وامانيهم في ادانة الاخرين. هم يريدون ان يخسر من يخاصمون او يكرهون او من يريدون أن يشمتوا به ولو كان باصدار حكم ظالم باغ. وهذا ما كان من سعد بن عباده على سبيل المثال.
⁃ حتى الحكومات عندما تستخدم القضاء لتصفية حساباتها ضد خصومها، فإنها تبتهج ان صدر الحكم لصالحها وتسارع بتنفيذه. أما اذا خيب الحكم آمالها، وأظهر باطلها وتعديها ، شككت في الحكم، ورفضت او على الاقل تلكأت في تنفيذه. مع ان الحكومة هي اقرب لشقيقتها السلطة القضائية من المتهم، وهي التي تخصص لها الاموال في الموازنة العامة، وهي من تعين القضاة وتقيلهم وترفعهم . اي ان المواطن المتهم هو الحلقة الاضعف امام جبروت الحكومة، وحليفها القضاء.
⁃ لأن الرسول لا يعلم الغيب، ولم ينزل عليه وحي بعد في قضية الافك، فقد حاول ان يتقصى الحقيقة وسيتبين قبل ان يصدر حكمه. فسأل علي بن ابي طالب واسامة بن زيد، مع انهما لم يكونان مطلعان على ما يثبت او ينفي. ولكن لمعرفة مزاج الرأي العام.
⁃ ولأن الرسول بشر، “إنما أنا بشر مثلكم يوحى الي” حسب النص القرآني. وفي حديث له قال” إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ” . فقد سعى عندما صعد المنبر، الى معاقبة عبدالله بن ابي بن سلول، واسكاته وتكذيبه، مع أنه لم يصل الى يقين بعد.
⁃ ان الناس ينقسمون بين مؤيد ومعارض، بين مدافع عن المتهم وبين من يجرمه. وان التشيع للمتهم ومحاولة منع تقديمه للقضاء للفصل بالتهم الموجهة اليه، وتبرأته ان كان بريئا حقا، او ادانته ان كان مذنبا، يؤدي الى اطمئنان الفاسدين وتطاولهم اكثر فأكثر، لانهم يشعرون انهم محميين من عشائرهم او من احزابهم، او من مناصريهم ايا كانت صفتهم. كما يصيب الحكومة بالتردد والتخوف من تحويلهم للقضاء ومعاقبتهم.
⁃ على الذين لا يثقون باحكام القضاء، لأنهم غير متيقنين ان الاحكام ستصدر حسب ما يشتهون، ان يقدموا بديلا مؤسسيا، يصدر احكاما محل ثقة، أو ان يخرسوا خالص.
– يلاحظ ان التراث العربي قد حمل عبدالله بن ابي بن سلول كافة مشاكل العرب ومصائبهم وهزائمهم، بدءا من خراب سد مأرب، وغزوة ابرهة الاشرم، والفتنة بين علي ومعاوية، وهزيمة السلطنة العثمانية عام ١٩١٧، وهزيمة ١٩٤٨، وهزيمة ١٩٧٦، وهزيمة صدام حسين، وصفقة القرن، وسد النهضه، وانحسار مياه البحر الميت، وطلاق وهيبه من عبدالحليم الاطرش.