كتب العين عبدالحكيم محمود الهندي :
عشية عيد الميلاد المجيد، ذلك اليوم الذي أطل فيه نور عيسى عليه السلام، الذي بعثه الله تعالى حاملاً رسالة “السلام” من السماء، وفي الوقت الذي تقتل فيه آلة الحرب الصهيونية كل معنى للسلام في أرض الأنبياء وأرض السلام، نفذت القوات المسلحة الأردنية، وبتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، إنزالاً جوياً إغاثياً لمساعدة المحاصرين داخل كنيسة القديس برفيريوس الواقعة بحي الزيتون شمالي قطاع غزة.
تلك رسالة ملكية أردنية، من الأردن، رمز السلام والاعتدال وصوت الحكمة، لكل أرجاء العالم، لتذكر بأن آلة الحرب تلك لا تفرق بين مسلم ومسيحي كما لا تفرق بين كبير وصغير وامرأة ورجل، ولتضع حداً لكل أصوات المشككين بالدور الأردني الإنساني والإغاثي والوطني والقومي والعروبي والديني، تجاه أهلنا في غزة وكل فلسطين، ولتؤكد على ثبات الموقف السياسي برفض التهجير القسري سواء لأهل غزة أو الضفة الغربية، وبأن لا مناص من الحل “الآمن” الذي يقود الى السلام الشامل، فالدولة الفلسطينية هي المخرج الوحيد لكل أزمات المنطقة، بل وللعالم الذي بات يتخبط في مواجهات لا تحمد عقباها كما يجري في البحر الأحمر، والتهديد بأن تمتد حالة “عدم اليقين” التي دخلت فيها المياه الدولية، الى البحر الأبيض المتوسط، فلربما، وإن طال عمر العدوان، أن نسمع عن مواجهات لم تكن يوماً في الحسبان، وندخل في سيناريو “دماء” عالمي لم يتوقعه حتى أعقل العقلاء.
نحو 800 غزي مسيحي تلقوا المساعدات الإغاثية الأردنية التي نزلت عليهم بمظلات سلاح الجو الأردني، وجاء ذلك بعد أن التزم جلالة الملك عبدالله الثاني شخصياً أمام الشخصيات المسيحية المقدسية التي زارت قصر الحسينية مؤخراً، بأن تصل تلك المساعدات الى إخوتنا المحاصرين وسط ظروف صعبة جداً في تلك الكنيسة التي تعد من بين الأقدم في فلسطين المحتلة، وهي كنيسة أرثوذكسية شرقية، ويعود تاريخ البناء الأصلي لها إلى عام 407 م فوق معبد وثني خشبي يعود للحقبة الوثنية بالمدينة، والبناء الحديث قام به الصليبيون في خمسينيات أو ستينيات القرن الحادي عشر وأهدوا الكنيسة للقديس برفيريوس الذي كان ناسكاً متعبداً وقاوم الوثنيين في غزة لينشر دين الله، وفي العام 395 ميلادي، أنقذ غزة من الجفاف حين ناجى ربه بأن ينزل على الناس المطر، وهطلت الأمطار، فعلم الناس حينها أن دين الله “السماوي” هو دين الحق، كما آمنوا لاحقاً برسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ودخل الإسلام الى قلوب الناس قبل ديارهم.
ذلك الإنزال إذن، هو رسالة سلام تُتَمّم رسالة القديس برفيريوس، وتحمل أمانة كل الأنبياء بالحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في كل فلسطين الحبيبة انطلاقاً من وصاية عميد آل هاشم على تلك المقدسات لا سيما في القدس الشريفة، وتؤكد بأن عمان ستبقى صوت السلام، في الوقت الذي لن تتوانى فيه عن الموقف الصلب مع الأهل في غزة وفلسطين، فلم يعد من المقبول استمرار المشهد الدامي، ولم يعد من المقبول أن تبقى آلة القتل الإسرائيلية العدوانية توغل في دماء أطفال ونساء ورجال غزة، ولم يعد من المقبول أن يبقى العالم متفرجاً، بل وداعماً لكل هذا القتل وللجرائم البشعة التي ترتكبتها حكومة التطرف في تل أبيب.
رسالة الأردن وصلت، ومفادها أن لا قتل ولا دماء ولا جرائم في أرض المقدسات والأنبياء.
وفي أرض المقدسات والأنبياء، لا تدمير ولا قصف لدور عبادة الله.
وفي أرض المقدسات والأنبياء، لا قتل للأطفال والنساء و”الرُّضّع”.
وفي أرض المقدسات والأنبياء، لا مكان إلا للسلام.