المحامي بشير المومني
اليوم سأبوح بحبي للجنوب فكل ذرة بالاردن تستحق الحب لكن للجنوب خصوصية لدى عاشق الثرى فيرى فيه تجليات الله ورداء الكبرياء وبدايات الحكاية حتى منتهى اللذة فلا تكتمل شخصية الأردني دون المرور على عتبات القداسة التي انتجت الدولة أما أجلّها قصة الهوية التي انتجت الجيش والجيش الذي سيج مفردات الوطن والوطن الذي قرر يوما أننا الأردن أما الأردن فهو بذلك المعنى قدر الله وكلمته وصيرورة التاريخ والحق الذي ما بعده إلا الضلال فجهل وخاب من قال أننا لم ننتج قمحا من ثورة ولم نبن منجزا من مشروع ولا يليق بصهيل الخيل إلا الحب والحرب واليكم الحكاية ..
ويكأن التاريخ ينطق في كل يوم ليقول كلمته وسط هذا العبث وقد قضت ارادة الله أن متواليات التاريخ تتحدث عن ذاتها فما بدأت به مواقف النساء ليست بأقل ما انتهت اليه تضحيات الرجال واذا اخذنا الاردن بهذا المفهوم فللكرك تحديدا نصيب الحرب والحب معا وان شئتم فالهوية وما كانت مدعيات التاريخ الا لتستدعي نفسها بنفسها وتحضر بلا استئذان لتطرق شغف النبلاء ويسترجع المرء شيفرة الهوية والمادة الوراثية لفروسية الأردني فمن اخت الرجال زوجة الشيخ ابراهيم الضمور الى ايقونة شهداء الاردن معاذ كان الكركي يحترق لاجل القيم والمروءة ومعتقد الفرسان لتختم الكرك وسما خاصا على جسد التاريخ بأنه ( ذلكم الأردني ) فما زرعته الشيخة من حب حصده معاذ بالحرب فاتحد القدر على ملة سواء اسمها الاردنية حتى أعجب ممن يناقش اليوم تحت القبة تأويلات الذات بعد جلدها لينخس وينغز في جنبات الوطن بزعم التيه لا لشيء سوى أنه لم يقرأ الحويطي والنعيمي والمعاني والكركي والمعاني وهو معذور فهو لا يرى بالأردن سوى عمان بكل ما انتجته من ثقافة البزنس والحديد والحجارة لكنه لا يعرف من الجنوب سوى لعق أصابعه وقد توقف مفهوم الهوية عنده سؤال ( الجميد كركي ) !!؟؟ حسنا يا هذا .. تعال أحدثك عن الجنوب .. ألم تر أنه وعندما تدلهم الخطوب وفي كل صلاة حاجة للعاصمة تكون قبلة الداعي الى الجنوب فيجيب الله دعوة المضطر !!!؟؟؟
في كتابه ( خشخشة الاشواك ) لاريك كيركيبرايد اخطأ المترجم في العنوان فجعل القعقعة خشخشة لكن وفي الحقيقة ومع كل تجربة مريرة للكاتب مع فرسان الهوية والقيم كان فرسان الاردن يقعقعون ويزلزلون أوهام المندوب السامي ليفرضوا شروط الهوية الاردنية فعزل شرق الأردن عن وعد بلفور كان قبل الثورة العربية الكبرى التي توقفت في العقبة ولم تستطع استكمال مشروعها العربي حتى تحالف معها ابناء الاردن فوصلت الى سوريا شمالا ومن لم يقرأ كتاب مكان تحت الشمس لرئيس وزراء العدو الصهيوني الذي يحمل بشدة على الغرب الامبراطوري في عدم الوفاء بتعهداته بضم شرق الاردن للكيان الصهيوني فعليه ان يعيد تقييم محطات المعرفة .. لقد انتج الاردنيون وطنهم عندما تفردت الهوية واستكمل مشروع انتاج الوطن القومي من خلال جيش الثورة الذي انتهى للدولة وهذا ما استشهد وصفي وهزاع من اجله وهذا ما قاتل حابس ومعاذ عليه ..
اريك كيركيبرايد عندما الف كتابه ( قعقعة الاشواك ) كان يدرك تلك الحقيقة وتفرد الهوية الوطنية الأردنية لكنه قرأ الهوية والوطن بعين المستعمر لا بعيون فرسان الأردن وعندما قدم أهل شرق الأردن شروط التفاوض على تجسيد الوطن بدولة كانوا بمستوى وعي المرحلة التي تتقدم على كل منظري اليوم فكانت رسالتهم الشهيرة عام 1920 ناطقة بما فيها عندما طالبوا بالاعتراف بفلسطين كدولة والاردن كدولة لتضم لواء حوران ومنفذ بحري على المتوسط بلواء صور وقضائي عجلون وجرش ولوائي البلقاء والكرك لتشكل طوقا حول فلسطين يمنع ويحاصر الامتداد الصهيوني ومن هنا نفهم وثيقة القبائل عام 1934 عندما قررت دعم الثورتين السورية والفلسطينية بوجه المستعمر الفرنسي والبريطاني وامدادها بالمال والسلاح والرجال وايواء الفارين منهم وهذا قدر الأردني ان يحمل على كتفيه فلسطين ولعل من قدر الله ان جعل على هذا الثرى اهل قتال فالأردني لا يتقن التجارة ولكنه يتقن الحب والحرب فهو حالة فريدة كتلك الشوكة التي ادرك حقيقتها كيركيبرابد .. هنالك في جبال الكرك وشعابها نبتة شوكية لا تنبت الا في الكرك هي فريدة من نوعها في العالم وعندما تجف فلها قرقعة مع الريح ولها فوائد عجيبة وذلك التفرد هو ما انتج معاذ وحابس .. تلك هي شوكة الأردن وما كان الأردن يوما إلا شوكة في حجم بعض الورد وعندما انهك فرسان الاردن بغاراتهم على المستعمر في بادية الشام والعراق والجنوب لم يجد المستعمر بدا من عزلهم في دولة فكان قدر الله حتى اليوم بأن الاردن نقطة ارتكاز المنطقة الامنية والتي ابدع الغشاء العاقل للدولة في استثمارها تحت بند عبقرية الجغرافيا ..
دعوني احدثكم عن ندرة الجنوب وتفرد الاردني وسأروي لكم حكاية عن الأسد الرابض حابس المجالي فهذا اللقب أطلقه عليه جيش العدو الصهيوني وهذا الأسد الرابض هو من أسر ( أسد الله السهلي ) وجاء به ليضعه في معسكرات اعتقال الجيش كأسير حرب أما أسد الله السهلي ففي العبرية اسمه ( أرئيل شارون ) اما حابس فكلنا يعرف لم سمي بذلك لكن ما لا يعرفه كثير من الناس انه وفي احتفال توقيع معاهدة وادي عربة طلب الجانب الاسرائيلي ان يقوم المحاربون القدامى بالسلام على بعضهم البعض وطلبوا حابس المجالي لما يشكله من عقدة يراد بها الرمزية فذهب الامير حسن بطلب من الراحل الكبير الملك حسين الى حابس في مزرعته بالغور وابلغه برغبة الملك فقال ( اوامر سيدنا ابو عبدالله على راسي لكن وش اقول لخلف ومحمد وساري وقاسم … ) فقال الامير حسن ( مين هذول يا باشا ) فقال حابس ( رفاقي اللي استشهدوا بالحرب يا سيدي ) فبكى حابس وبكى الامير حسن وتعانق الرجلان والغيت الفقرة من الحفل .. هل أدركتم ندرة الجنوب وتفرد الاردني !!؟؟
دعوني احدثم عن الوطني الثائر مفلح اليحيى النعيمات الذي حاول ان يغتال المندوب السامي البريطاني اريك كيركيبرابد في وادي شعيب ليلقى القبض عليه ويعد عام 1933 ودعوني احدثكم عن ( طريق الحمارة ) التي انتجها ثوار الأردن وهم يهربون السلاح والمال للثوار في فلسطين ورغم الحاجة والفاقة وقصر ذات اليد والفقر والعوز لم يكن أي أردني تمتد يده الى تلك الحمير التي تنقل المال والسلاح على ظهرها الى الثوار لأنها باتت مقدسة ودعوني احدثكم عن الهوية ومروءة العرب في عبيد الشحادة المومني الذي كان اول من نادى بالناس ( العيش يا جيعان يا بايت الخلا ) ويضع الطعام في عتمة الليل حتى لا يتحرج من به فاقة من ان يعرفه الناس فكانت حلاله تجوب الارض بلا راع وليشهد الله على الاردنيين انهم كرام واهل مروءة ويحفظون المعروف وان الله قد اطلع على اهل الاردن فوجدهم كما قول عرار في وصف مفارقات الذات وقمة الاخلاق واهل الحب والحرب وتلخيص هوية صنعت وطنا بفروسية ..
الله يعلمُ، والأيامُ شاهدةٌ
أنّا كِرامٌ، ولكنّا مفاليسُ
دعوني احدثكم عن الجيش رب الهوية وحامي السياج وصانع الوطن فكل دولة تنشأ ثم ينشأ جيشها إلا تلك الحالة الفريدة للأردن التي نشأ جيشها فأنشأ الوطن ففي معارك القدس كان هنالك قناص من طوق عمان وليالي الصحراء ورفيق الذيب كلما أطل صهيوني برأسه اصطاده فغادر في إجازة وتوقف القنص من على مرتفع الفرسان والهوية فسأل حابس عن الرجل فقالوا له اسمه نصار النعيمي فأنشد حابس من فوره فورة القصيد ورمى بأبيات لا زالت حتى اليوم محط فخر الرجال ومدعاة استنهاض همم النعيمي اذا ما سمعها فز كالموريات قدحا ..
يا عيال مـا بيـكـم نعـيمات …. يجلي جروح القلب وهمومه
وين الولد راعي الشومات …. نصار اللي ما تسمع ذمومه
ادعيله في ركوع وصلاتي ….وانشد الطارش اخباره وعلومه
هزاع وما ادراك ما هزاع .. هل تعلمون ان وصفي هو استكمال لمشروع هزاع ؟؟؟ وأن ما قتل كل أردني وما قتل هزاع هو ما قتل وصفي ؟؟؟؟ هل تعلمون وتعقلون حكاية استشهاد هزاع وانها كانت نتيجة استعداد الدولة الاردنية بعد مؤتمر لبنان لاعلان قيام الدولة الفلسطينية عام 1960 الذي حضره وأملى شروطه وصفي بطلب من هزاع وانه قبل يوم واحد من اعلان قيام الدولة الفلسطينية من الاردن جرى تفجير مبنى رئاسة الوزراء في قلب عمان ؟؟؟ أما وصفي فلا يوجد رجل بالتاريخ كله اغتيل لأكثر من مرة سواه فلقد اغتيل كإنسان واغتيل كمشروع واغتيل كفهم واغتيل كتاريخ وهوية وتوظيف واليوم نشهد الاغتيال الخامس من اوباش تطاولوا على مفردات الهوية والوطن والدولة ليراد استبدال وصفي كرمز بصعلوك يبث من الخارج او من هو اصغر من ذلك ليصبح بقدرة قادر ( قامة ) لا لشيء سوى لأنه يشتم المملكة وطنا ودولة ونظاما وتاريخا وهوية تحت بند نقابة هي للكفر بالاردن اقرب منها للإيمان ..
البعض يتحدث عن اعادة انتاج الدولة والمؤسسات والدستور ولقد ضل وتاه في اتون الحداثة وتمييع موجبات النشأة الأولى التي صنعت جيشا فوطنا فدولة ولم يقرأ التاريخ وأننا اليوم لسنا بحاجة لأكثر من اعادة استظهار الهوية .. أما من أراد الهوية فزيارة للجنوب أو وعراء عجلون تكفي ومن قلعة الربض الى قلعة الكرك تحية ..
المحامي بشير المومني