مروان العمد
خلال الايام الماضية انشغلت الولايات المتحدة ومعها العالم اجمع بموضوع محاكمة الرئيس الاميركي دونالد ترامب من قبل الكونجرس على اثر اعمال العنف والفوضى والشغب التي حصلت امام المجلس ثم اقتحامه من قبل اعداداً كبيرة من انصار ترامب من اليمين المتطرف والعنصري في محاولة منهم لعكس نتيجة الانتخابات لصالحه من خلال الضغط على اعضاء الكونجرس لعدم المصادقة على تصويت المجمع الانتخابي باعلان فوز جو بايدن والغاء نتائج الانتخابات في بعض الولايات وخاصة المتأرجحة والتي اعطت اصواتها لبايدن والديمقراطيين في هذه الانتخابات وذلك عندما كان الكونجرس مجتمعاً لاقرار توصية المجمع الانتخابي بفوز جو بايدن بتاريخ السادس من الشهر الحالي .
وعلى اثر ذلك تبنى الحزب الديمقراطي الدعوة لعزل ترامب ومحاكمته من قبل الكونجرس بالرغم من قرب انتهاء ولايته . وقد جرى التصويت على عزله ومحاكمته من قبل مجلس النواب والذي يسيطر عليه الديمقراطيين باغلبية طفيفة . وقد كانت نتائج هذا التصويت لصالح العزل والمحاكمة حيث صوت بالموافقه 232 نائباً منهم عشرة نواب جمهوريين ( وهذا العدد من النواب الجمهوريين اقل من الذي كان متوقعاً بكثير وهم يعادلون خمسة في المائة فقط من عددهم في مجلس النواب الحالي) فيما عارضه 197 جمهوريا . وقد يبدو الامر ظاهرياً فوزاً للديمقراطيين ولنانسي بيلوسي الديمقراطية ورئيسة مجلس النواب واكثر المتحمسين لمحاكمة ترامب وعزله . ولكن الحقيقة توحي بعكس ذلك وذلك لرفض رئيس الاغلبية الجمهوري في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل دعوة المجلس للانعقاد قبل تاريخ 19 من شهر كانون الثاني الحالي وهو اليوم السابق لحفل تنصيب جو بايدن وانتهاء ولاية ترامب وذلك بحجة ضيق الوقت بالرغم من انه كان قد اعلن اقراره بفوز بايدن في الانتخابات الرئاسية . وهذا يعني انه لن يكون هناك وقت لتصويت هذا المجلس على المحاكمة والعزل واجراء المحاكمة بما تتطلبه من مداولات وسماع بينات ومناقشات . وحتى لو كان هناك وقت وجرت المحاكمة فأن مجلس الشيوخ هو الذي يجري المحاكمة وان الادانة تتطلب اغلبية ثلتي اعضاء مجلس الشيوخ . واذا اخذنا بالاعتبار ان الاعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ هم 48 عضواً واذا اخذنا بالاعتبار ان اعضاء مجلس الشيوخ الحالي هم 98 عضواً ( حيث ان اثنان لم يستلما منصبيهما بعد وهما الديمقراطيان اللذان نجحا عن ولاية جورجيا ) فأن ادانته تحتاج الى تصويت 17 شيخاً جمهوريا مع قرار الادانة لكي يصبح لديهم اكثر من 66 % الازمة لاتخاذ هذا القرار . وهذا الرقم لا تشير الدلائل على انه متوفراً في الوقت الحالى مما يجعل تصويت الشيوخ على محاكمته وادانته قبل انتهاء ولايته امراً مستبعدا جداً ان لم يكن مستحيلاً .
كما انه لو فكر الديمقراطيين بأجراء تصويت في مجلس الشيوخ على حرمان ترامب من الترشح للانتخابات القادمة بعد نهاية ولايته ومن غير محاكمته فأن تمرير هذا الامر من خلال مجلس الشيوخ سيبقى صعباً كذلك ، وبالرغم من ان عدد اعضاء المجلس سيكون مناصفة بينهما فأنهم سوف يبقون بحاجة الى سبعة عشر عضواً جمهوريا يصوتون معهم ، وسوف يبقى تحقيق ذلك صعباً ان لم يكن مستحيلاً وخاصة بعد الكلمة المسجلة التي قالها ترامب بعد قرار مجلس النواب والذي استنكر بها بشدة اعمال الشغب والعنف التي حصلت امام الكونجرس وتنصل منها ومن القائمين بها مطالباً بمحاكمتهم وتوقيع اقصى العقوبات عليهم ودعى انصاره الى عدم ممارسة العنف وان هذا العنف يسيئ اليه . وانه كلف الحرس الوطني بتوفير الحماية اللازمة لحفل التنصيب ودعى لوحدة الشعب الامريكي . حيث سوف يحاول الحزب الجمهوري اعتبار ما ورد في هذه الكلمة بمثابة تراجع عن مواقف ترامب السابقة واقراراً منه بنتيجة الانتخابات وفوز بايدن وسوف يعملون على توجيد موقف حزبهم على هذا الرأي .
ولهذا وما لم تحدث اموراً غير متوقعة فأنني ارى ان النصر الذي حققه الديمقراطيين سوف يبقى نصراً معنوياً متمثلاً بأنه هذه هي المرة الاولى التي يجري فيها التصويت من قبل الكونجرس على عزل رئيس للجمهورية الامريكة من منصبه مرتين خلال ولايته . وان هذا قد يضعف فرص ترامب بالفوز في الانتخابات القادمة ان ترشح لها .
وكما ان هذا الامر ان حصل على هذا النحو سوف يعتبر نصراً معنويا لترامب على خصومه الديمقراطيين لعدم نجاحهم في عزله ومحاكمته.
١٤ / ١ / ٢٠٢١