اوقفوا الحرب قبل فوات الاوان

25 أكتوبر 2023
اوقفوا الحرب قبل فوات الاوان

الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي

كأردني فخور بوطنه وبقيادته الهاشمية، صاحبة الحكمة والخبرة المتوارثة (منذ زمن الجد الربع للرسول صلى الله عليه وسلم قصي عندما وحد فهر في قريش، وحفر الابار واطعم الجائع والوافد وبناء علاقات جعلت من مكة مركزاً اقتصادياً) وعلى راسها جلالة الملك، الذي اوضح لكل العالم ما يجري من ظلم للفلسطينيين وسيجري في غياب الحل العادل لقضيتهم، وخاطب شعوب ألعالم وقادتها من خلال مؤتمر السلام من القاهرة، والذي حدد فيه الخطوات التطبيقية الواجب على قيادات العالم اتباعها لوقف الحرب، حفاظا على دماء الابرياء وحماية المنطقة كاملة من الانجراف للمجهول وكذلك الاستقرار العالمي.

اوقفوا الحرب، قبل اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثه، قد تؤدي لانهيار الامن في الضفة الغربية، وارتكاب مجازر تضاف الى مجازر غزه (عدد الشهداء من الأطفال (وكلهم كيوسف صاحب الشعر الكيرلي والحلو) لوحدهم يعادل عدد القتلى الإسرائيليين، حتى مساء الاثنين 23/10/2023)، والتي لا يمكن لاي انسان بشري لديه الحد الادنى من ضمير الانسانية ان يتقبل ذلك.

أننا نتساءل، كم من الدماء يجب ان تنزف حتى يقرر زعماء العالم وعلى رأسهم ألرئيس بايدن الذي يقود الشعب الامريكي المحب للحرية والسلام، والذي تربطنا به علاقات صداقة تاريخية، وامريكا، الاكثر دعما للأردن لتجاوز الازمات المتعاقبة (الاقتصادية منها والمياه) والتي تعرضنا لها خلال العقود الماضية، كنتيجة لموجات اللجوء المتلاحقة والتي لا ذنب لنا في الأردن بمسبباتها.

انني على المستوى الشخصي لدي الكثير من الاصدقاء والمعارف في الكثير من الجامعات ومراكز الابحاث الامريكية (الذين اقدهم واكن لهم كل الاحترام)، وكنا دائمي الحديث عن قضايا الشرق الاوسط، ونجمع دائما بانه لا سلام دون حل عادل للقضية الفلسطينية.

اننا نعلم جيدًا ان احداث 7/10/2023 عمقت أزمة إسرائيل الداخلية، وشكلت انقلاب استراتيجي شبه كامل في المنطقة، ونعلم بان القرار الدولي لن يسمح بسقوط إسرائيل وهزيمتها مهما كان الثمن. الا انه على زعماء ألعالم ان يستمعوا لصوت الحكمة الشرق اوسطية، وعلى راسها الملك عبدالله الثاني، لوقف الجنون اللامتناهي، وقبل انفلات الامور في الشرق والتعمق في متاهاته، والتي لا احد يعلم كم من الدماء ستنزف وحجم الدمار الذي سنراه. والسؤال، الم نتعلم من التجارب السابقة خلال الاربعة عقود الاخيرة في المنطقة؟ فالانتفاضة الاولى توقفت بعد تفاهمات اوسلو، والثانية بعد اتفاق القاهرة وبالانسحاب من قطاع غزه (وهي حلول سياسية)، وكلاهما انطلقتا كنتيجة لاستفزازات المتطرفين المتكررة للمسجد الاقصى. كما ان أحد الاسباب التي ادت الى الاحداث الاخيرة الاقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى من قبل المتطرفين الذين لا يأبهون بالاتفاقيات والتفاهمات الدولية وقدسية دور العبادة، ويضاف اليها الظلم والعقاب الجماعي.

اوقفوا الحرب، لان القضاء على تنظيم بحد ذاته، سيؤدي الى ولادة تنظيمات مجهولة اخرى، قد يكون من الصعب السيطرة عليها، وهناك مشاهدات في دول كثيرة، امتدت تنظيماتها ذات المرجعيات المختلفة الى خارج حدودها بعد ان فقدت السيطرة عليها، كانت تكاليف ذلك السياسية والاقتصادية باهظة الثمن.

اوقفوا الحرب، لان استمرارها سيؤدي الى تأزيم في العلاقات بين الدول واعادة تموضعها الجيوسياسي، ومزيدا من الانقسام والفرقة قد تصل الى حد القطيعة بين الشعوب، وخاصة بعد العسكرة الشبه كاملة لشرق المتوسط (حاملة الطائرات الاميركية وتوابعها، وقطع حربية بريطانية، وفرنسية وايطالية، والاسطول الروسي القابع في سواحل سوريا، والصينية التي تم ارسالها على عجل للمنطقة)، واستبعد ان هذا الكم من الة الدمار البحرية جاءت فقط لحماية أمن إسرائيل، وهو نذير شوم على المنطقة من حيث الأهداف التي يخطط لها، والتي قد يكون منها،إعادة تشكيلها وبلقنتها وخلط الاوراق المبعثرة أصلاً، والمحافظة على احقية الدول العظمى في المصالح البحرية وممراتها. وهنا نتسأل هل على المنطقة دفع ثمن هذه الصراعات من دماء أبناءها ودمار بنيتها التحتية واقتصادها؟ وهل نحن امام تطبيق عملي لمًا قاله ألرئيس الامريكي السابق ترامب “لا يهمني ان يموت المصارع، ما يهمني ان يفوز المصارع الذي راهنت عليه”؟

وانا اكتب في هذا المقال، تذكرت مداعبة طريفة من استاذ الماني جمعنا عشاء اثناء مشاركتنا بالمؤتمر الدولي للإدارة المتكاملة لمصادر المياه والذي عقد في مدينة درزدينالألمانية عام 2011، حيث طرح حل للصراع في الشرق الاوسط مقترحا من باب الفكاهة الموافقة على اقامة الدولة الفلسطينية وانضمامها واسرائيل مباشرة الى الناتو لضمان امن وسلامة الجميع. الا انه ممكن التفكير بها ليس من باب المداعبة فقط، بل قد تكون فكرة قابلة للتطبيق، إذا ما بادرت الولايات المتحدة الاميركية والمتزعمة للحلف بالعمل على ايقاف الحرب، وتنفيذ قرارات مجلس الامن بقيام دولة فلسطينية وضمها للحلف وفتح باب الانضمام لمن يرغب من دول المنطقة (كما فعلت مع دول شرق اوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي)، وتنفيذ خطة شبيهة بخطة مارشال الاقتصادية في دول المنطقة (الاردن ومصر وفلسطين ولبنان) لضمان النمو الاقتصادي وتحقيق الازدهار فيها كأفضل وسيلة لضمان امن واستقرار المنطقة.

ان مثل هذا الاجراء قد يضمن الاستقرار، ويعزز دور امريكا في المنطقة، وحماية مصالحها وغاز شرق المتوسط وتدفق النفط ويضمن سلامة مشروع الممر الاقتصادي (من الهند الى أوروبا) المقترح من الرئيس الاميركي في حال تم تنفيذه، كما انه سيضعف ادوار دول اخرى طامحة في المنطقة، قبل ان تتعمق التحالفات والاستقطابات الدولية المختلفة في ظل بوادر ظهور نظام عالمي متعدد الاقطاب.

اما نحن في الاردن، فمهمتنا المحافظة على امن وطننا ومقدراته، وان نحذر من محاولات الاختراق من اي جهة ومهما كان نوعها (رغم ثقتنا العالية بقواتنا المسلحة واجهزتنا الامنية بحماية تراب الوطن واهله)، لكي يبقى الاردن قويا منيعا ومساندا للحق الفلسطيني. كما ويجب ان تكون رسالتنا للعالم باننا نقف خلف قيادة جلالة الملك في كافة طروحاته وخطواته لوقف الحرب والدمار والتهجير ومنع العقاب والابادة الجماعية بكافة اشكاله، والمدافع عن القضية الفلسطينية باستمرار، والقائل بان الحلول العسكرية لن تجلب الامن والسلام للمنطقة، ولا حل دون إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتمتعة بكافة الحقوق على الساحة الدولية.