‏حراك الشارع الأردني : ما له وما عليه

22 أكتوبر 2023
‏حراك الشارع الأردني : ما له وما عليه

حسين رواشد

‏صحيح، حراك الشارع الأردني للتضامن مع غزة، وفلسطين عموما، شكّل حالة وطنية غير مسبوقة وعبّر عن موقف الأردنيين، بكافة اطيافهم، تجاه القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية اردنية، وهو بالتالي يستحق التقدير والاحترام، لكن السؤال : كيف نضمن استمرارية هذه الاعتصامات والمسيرات في إطار يصبّ بالمصلحة الوطنية أولا، وبمصلحة دعم اشقائنا الذين يتعرضون لأبشع حرب شهدتها المنطقة منذ سنوات طويلة؟

‏للتذكير فقط، قرار فتح الشارع أمام الأردنيين للتعبير عن آرائهم ومواقفهم، تم اتخاذه من قبل أعلى المرجعيات بالدولة، لاعتبارين – بتقديري- : فداحة الحدث وخطورته، وضرورة تقديم كل ما يمكن لدعم الأشقاء، ثم إبراز حالة الداخل كرديف للدبلوماسية الأردنية أمام الرأي العام العربي والدولي، في الأثناء تم التوافق مع الأطراف الفاعلة في المجتمع على ترسيم حدود التجمهر، حيث كل الأماكن مسموحة، باستثناء الحدود، ومقرات السفارات والبعثات الدبلوماسية، والدوار الرابع، لكن بعض الأطراف لم تلتزم بهذه الشروط (لا تسأل لماذا؟).

‏للتذكير، أيضا، اتسمت اغلبية الفعاليات بانضباطية عالية، وحظيت بمشاركة اطياف واسعة من المجتمع الأردني، عكست حجم اللحمة الوطنية وحيويتها، كما أنها شكلت نموذجا ملهما لإدارات الدولة في التعامل مع الأردنيين عند الأزمات الكبرى، استنادا إلى حقيقة التقاء الإرادتين الشعبية والرسمية على مشتركات واحدة، تعكس قوة الجبهة الداخلية، وانسجامها مع أي قرارات، أو خيارات رسمية.

‏بعد نحو 14 يوما على زخم الشارع، يمكن للمراقب تسجيل عدة ملاحظات على مشهد الاعتصامات والمسيرات، الأولى تتعلق بالخطاب العام للمظاهرات، بما تضمنه من شعارات ورفع أعلام ولافتات، هذا الخطاب (ربما لأسباب مفهومة في سياق الانفعالات)، لم يكن منضبطا كما يجب، ولم يُعبّر، كما يُفترض، عن مواقف الدولة وإنجازاتها تجاه القضية الفلسطينية والحرب على غزة، ربما حصل ذلك بسبب اختطاف بعض التيارات السياسية للمنصات، أو دخول بعض المندفعين سياسيا عليها، كما أنه تحول، احيانا، من خطاب تضامن ودعم لغزة، إلى خطاب احتجاج لاتهام الأردن وتجريحه، وهذا غير مقبول بالطبع، فقد كان الأفضل أن تنصبّ الاحتجاجات ضد المحتل الإسرائيلي، وأن يكون للمواقف السياسية الأردنية جزء من هذا الزخم الشعبي، على صعيد التنويه والاحترام على الأقل.

‏الملاحظة الثانية : على الرغم من انضباط الأغلبية بقواعد التجمع السلمي إلا أن «البعض» دخل على الخط، وحاول الإساءة لمرتبات الأجهزة الأمنية، وردد شعارات استفزت مشاعر الأردنيين، هذا «البعض « على قلة نسبته، يشكل خطرا على استمرارية حالة الشارع وحركته ودوره، ويفترض أن يبادر منظمو هذا الحراك للتعامل مع هذه الفئة بجدية أكثر، هنا تبرز، أيضا، محاولات بعض القوى والاحزاب للاستثمار بغضب الجماهير وتأجيجها، الاستثمار مفهوم، لكن التوظيف خطير، وخاصة إذا تجاوز توافقات ترسيم حدود التجمهر، هذه التي تم التوافق عليها، خلال أكثر من ثلاثة لقاءات رسمية، مع أطراف فاعلة بالحراك، ولم يتم الالتزام بها.

‏الملاحظة الثالثة : استمرارية حركة الشارع مطلوبة، والحفاظ عليها أمنيا مضمونة بقرار دولة، والصورة التي قدمها منتسبو الأمن العام تؤكد ذلك، لكن هذا الاستمرارية تحتاج إلى مسألتين على الأقل، الأولى : تطوير خطاب التجمهر العام السلمي وتجويده، ليبقى في سياق خطاب أردني، يخدم مصلحة بلدنا والشعب الفلسطيني معا، وعدم الاستغراق بالانفعالات والمزاودات، ثم تجنب أي سلوك من شأنه تقسيم المجتمع أو الإضرار به او العبث بنواميسه، بدل تعزيز اجتماعه وصيانة وحدته، أما المسألة الثانية فهي الاحتراز من دخول أي طرف مجهول على خط المسيرات والاعتصامات، وهذا للأسف حدث، ويمكن أن يحدث مستقبلا، ثم ضرورة التوقف عن مناكفة الدولة بالإصرار على التجمع أمام الأماكن المحظورة التي أشرت لها سلفا.

‏أكيد، صوت الشارع في هذه الحرب التي تشكل تحولا كبيرا في المنطقة مطلوب ومهم، ويشكل رديفا لجهود الدولة التي تسعى لوقف العدوان، ولجم انتقام المحتل، و إجهاض مخططاته، لكن الصحيح، أيضا، هو أن رسائل الحراك الشعبي يجب أن تتوجه لإدانة المحتل وحلفائه فقط، ويجب أن تتناغم مع رسائل الدولة ومصالحها، الحرب الآن في غزة، وليست في عمان التي تقدم كل ما لديها من إمكانيات لمواجهتها والانتصار فيها، ولا ينقصها أزمة أو عبء جديد، تنشغل به على حساب اشتباكها السياسي مع حدث بحجم حرب، لا نعرف مداها، ولا نتائجها أيضا.