وطنا اليوم- في صباح الثلاثين من أيلول، لم يستيقظ الأردنيّون وحدهم، بل العالم بأسره، ليلحظوا تغيّر شارة محرّك البحث الأشهر عالميًّا جوجل، وقد اتّخذ لنفسه تماثيل عين غزال شعارًا.
لوهلة، بدا أنّ جوجل أطلع النّاس، كلّ النّاس، على شيءٍ مُفارق، تحفةٍ لمّا يسمع بها النّاسُ من قبل. يذكرُ بيان الشركة الأشهر في مجالها على مستوى العالم، أنّ التماثيل اكتُشفت أوّل مرّة عام 1983، ثمّ اكتُشفت عيّنة أخرى من المنحوتات عام 1985، يذكرُ أيضًا أنّ العيّنات التي عُثر عليها معروضة في متحف الأردن، ومتحف الآثار الأردني، والمتحف البريطاني، ومتحف اللوفر في أبو ظبي.
في سبيل الانفتاح على العالم، فهذا أمرٌ محمود بطبيعته، وأيّ موقعٍ يصل إليه اسم الأردنّ، يخدم الوطن ويُعلي من فضول الناس إزاءه. لكن، ما حدث بعدها، والذي يهُمّنا في هذا السياق، أنّ البيان تُرجم وانتشر كما النّار في الهشيم، وتناقلت المواقع والصحف الإخباريّة هيئة الأعين والأنوف والأرجل المنحوتة، في وصفٍ جميلٍ، لكنّه يختزل اللحظة في يوم، هو يوم اكتشافها، دون أن يُشار إلى أنّ الأثر هذا هو إرثنا، إرثنا الذي لا يصعد نجمه ويخفت في ظرفِ يومٍ، مثلَ أيّ نزعةٍ من نوازع مواقع التواصل الاجتماعيّ، التي لا تكاد تصعد حتّى تنطفئ.
هذا تحديدًا ما فطنت له الجامعة الأردنيّة، قبل جوجل حتّى، بفكرةٍ تضع الجمالَ فوق منصّة تليق به، إذ أوعزت، منذ عامين، للفنّان وأستاذ النحت في كلية الفنون والتصميم الدكتور حازم الزّعبي، بتصميم منحوتة تتّخذ من تماثيل عين غزال هيئة ومرجعيّة لها، لتُهديها في المناسبات الرسميّة إلى ضيوف الجامعة رفيعي المستوى، أمثال رئيس جامعة هارفارد الأستاذ لورانس باكو، الذي زارها ووفد رافقه في آذار الماضي.
ما تؤمن به الأردنيّة، لا قولًا وحسب، بل نهجًا وفعلًا يمكن التدليل عليه كما في حالتنا هذه، أنّ المكانة ليست مرتبةً أو تصنيفًا وحسب، وأنّ التّاريخ ليس رقمًا جامدًا ندلّل عليه بـ: قبل الميلاد أو بعده، وأنّ التقدّم في الحركة، في التغيّر الدّائم لأشكال المعرفة والإنتاج، فالتمثال الذي نحته أجدادنا قبل 8000 أو 9000 عام، استحال لديها عملًا فنيًّا اضطلع به واحد من أساتذتها، ثمّ بات وسامًا ترحّب من خلاله بضيوفها الكِرام.
هذا ديدنها، وما تؤمن أنّه الطريق إلى مستقبلٍ لا يقف فيه الإبداع على فكرة، أو عند شخصٍ، بل صيرورة تستمرّ في حركة دائريّة، مركزها الأردن، وفي القلب، هناك حيث النبض، صوت الجامعة الأردنيّة عالي النغم، واسمها محفور بالجصّ منذ عقود وعقود