خالد بدوان السماعنة
قي مقالنا السابق تعرضنا لأربعة أنماط لاتخاذ القرار الاستراتيجي .. ثلاثة منها يمكن تقديم حجج جيدة لاستخدامها سواء ريادة الأعمال أو التكيف (أو التدرج المنطقي) في مواقف معينة. ومع ذلك، فإنه وفي معظم المواقف يكون نمط التخطيط والذي يتضمن العناصر الأساسية لعملية الإدارة الاستراتيجية هو الأكثر عقلانية، وبالتالي هو الطريقة الأفضل لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.
تشير الأبحاث إلى أن نمط التخطيط ليس فقط أكثر تحليلاً من الأنماط الأخرى، ولكنه أيضًا أكثر ملاءمة للتعامل مع البيئات المعقدة والمتغيرة.
لو جئنا نستعرض النهج العقلاني في اتخاذ القرارات الاستراتيجية لوجدنا أن البداية الموفقة تكمن في القيام بتقييم نتائج الأداء الحالية من حيث عائد الاستثمار والربحية وما إلى ذلك، ومن حيث المهمة والأهداف والاستراتيجيات والسياسات الحالية، ثم مراجعة أداء مجلس إدارة المنظمة وإدارتها العليا (حوكمة الشركات). يلي ذلك القيام بمسح وتقييم البيئة الداخلية للمنظمة لتحديد العوامل الاستراتيجية التي تمثل نقاط القوة (وخاصة الكفاءات الأساسية) ونقاط الضعف. ثم يتم تحليل العوامل الإستراتيجية (SWOT) من أجل تحديد مجالات المشكلات، ولاننسى مراجعة وتنقيح مهمة الشركة وأهدافها حسب الضرورة. يتبقى بعد ذلك قيام المنظمة بإنشاء وتقييم واختيار أفضل استراتيجية بديلة في ضوء التحليل الذي تم إجراؤه في الخطوة السابقة. ليتم البدء بعد ذلك في تنفيذ استراتيجيات مختارة من خلال البرامج والميزانيات والإجراءات. وفي النهاية يتم تقييم الاستراتيجيات المنفذة من خلال أنظمة التغذية الراجعة، ومراقبة الأنشطة لضمان الحد الأدنى من انحرافها عن الخطط.
لقد تم استخدام هذا النهج العقلاني في اتخاذ القرارات الاستراتيجية بنجاح من قبل شركات كبرى مثل: وارنر لامبرت Warner-Lambert، وتارجت Target، وجنرال إلكتريك General Electric، وآي بي إم IBM، ومنتجات أفون Avon Products، ومجموعة بيكتل Bechtel Group، وشركة تايسي Taisei.
يتم وضع عملية اتخاذ القرار الاستراتيجي موضع التنفيذ من خلال تقنية تعرف باسم “التدقيق الاستراتيجي”. والذي يوفر قائمة مرجعية من الأسئلة- حسب المجال أو القضية- تمكن من إجراء تحليل منهجي لمختلف وظائف وأنشطة المنظمة.
التدقيق الاستراتيجي هو نوع من التدقيق الإداري وهو مفيد للغاية كأداة تشخيصية لتحديد مجالات المشاكل على مستوى المنظمة، ولتسليط الضوء على نقاط القوة والضعف التنظيمية. ويمكن أن يساعد التدقيق الاستراتيجي في تحديد سبب خلق مشاكل من قبل منطقة معينة في المنظمة والمساعدة في إيجاد حلول لتلك المشكلة.
التدقيق الاستراتيجي ليس قائمة شاملة، ولكنه يقدم العديد من الأسئلة الحاسمة اللازمة لإجراء تحليل استراتيجي مفصل لأي منظمة تجارية. وقد تكون بعض الأسئلة أو حتى بعض المجالات غير مناسبة لمنظمة معينة- وفي حالات أخرى-قد تكون الأسئلة غير كافية لإجراء تحليل كامل. ومع ذلك، يمكن تقسيم كل سؤال في مجال معين من التدقيق الاستراتيجي إلى سلسلة إضافية من الأسئلة الفرعية. ويمكن للمحلل تطوير هذه الأسئلة الفرعية عند الحاجة إليها لإجراء تحليل استراتيجي كامل للمنظمة.
يقترح علماء الإستراتيجية دونالد هامبريك وجيمس فريدريكسون أن الإستراتيجية الجيدة تحتوي على خمسة عناصر: الساحة التي سنكون نشطين فيها !، و تحديد آلية ووسيلة النقل المناسبة للوصول ..كيف سنصل إلى هناك؟. وهذان السؤلان يتم التعامل معهما من خلال مهمة المنظمة وأهدافها واستراتيجتها.
وأما السؤال الثالث فهو: كيف سنفوز في السوق؟. وجوابه يتركز في الاهتمام باستراتيجية العمل. أما السؤال الرابع: فماهي حدود سرعتنا التي سنعتمدها، وكيف سيكون تسلسل تحركاتنا (التدرج)؟. ويتم الرد عليه ليس فقط من خلال استراتيجية وتكتيكات العمل؛ ولكن أيضًا من خلال الإستراتيجية الوظيفية والبرامج والميزانيات والإجراءات المنفذة.
يتبقى إجابة السؤال الخامس: كيف سنحصل على عوائدنا (المنطق الاقتصادي)؟. وجوابه في التركيز الأساسي لعنصر التقييم والرقابة في نموذج الإدارة الإستراتيجية.
ولعلنا نقوم بالحديث عن التعامل مع كل هذه الأسئلة والموضوعات بمزيد من التفصيل في مقالات قادمة.
في ندوة متقدمة في الإدارة الإستراتيجية وحوكمة الشركات تم تقديم ورقة حول التدقيق الاستراتيجي لشركة كوكا كولا أحببت أن أشارك القاريء المهتم ملخصا واقعيا لها لعله يوصلنا لفهم أعمق لكل ما تم كتابته حتى الآن حول الإدارة الاستراتيجية.
تُجري تلك الورقة تدقيقًا استراتيجيًا لشركة Coca-Cola، وهي الشركة الرائدة عالميًا في صناعة المشروبات الغازية والتي تعد القطاع الأكبر في صناعة المشروبات العالمية، حيث تقدم شركة كوكاكولا 35% من القيمة الإجمالية لهذه الصناعة.
وعلاوة على ذلك، تعد شركة كوكا كولا اللاعب الرائد في صناعة المشروبات العالمية، حيث تحقق 76% من مبيعاتها خارج الولايات المتحدة. كما تمتلك الشركة أو ترخص وتسوق أكثر من 500 علامة تجارية للمشروبات غير الكحولية، وتقدم مجموعة متنوعة من المشروبات الغازية مثل: المياه، والمياه المعززة، والعصائر، ومشروبات العصير، والشاي والقهوة الجاهزة للشرب،ومشروبات الطاقة. وتمتلك الشركة وتسوق أربع من أفضل خمس علامات تجارية للمشروبات غير الكحولية في العالم وهي: كوكا كولا، ودايت كوك، وفانتا، وسبرايت. إن منتجات الشركة من المشروبات الجاهزة التي تحمل علامات تجارية والتي تباع في الولايات المتحدة منذ عام 1886 وتباع الآن في أكثر من 200 دولة.
وفي جولة في استراتيجية شركة كوكاكولا ترينا أن رؤية شركة كوكاكولا عبارة عن خريطة طريق لمضاعفة إيرادات نظامها العالمي من خلال التركيز على ستة مجالات رئيسية تتضمن رؤية الشركة للنمو المستدام وجوهرها الربح (تعظيم العائد للمساهمين مع مراعاة المسؤوليات الشاملة)، والتركيز على الأشخاص من خلال جعل الشركة مكانًا رائعًا للعمل؛ ليكون الموظفون في أفضل حالاتهم، والتركيز على تقديم مجموعة من العلامات التجارية للمشروبات للعالم والتي تتوقع وتلبي رغبات واحتياجات الناس (المحفظة) ، والتركيز على الشركاء من خلال رعاية شبكة رابحة من الشركاء وبناء الولاء المتبادل، ولم تنس التركيز على الكوكب وأن تكون مواطنًا عالميًا مسؤولًا يُحدث فرقًا، وأما في جانب الإنتاجية فمن خلال إدارة موظفيها ووقتها وأموالها لتحقيق أكبر قدر من الفعالية. لقد كانت رؤية 2020 للشركة بمثابة خارطة الطريق لتحويل هذه التطلعات طويلة المدى إلى واقع ملموس، وتحقيق نمو مستدام وقابل للقياس.
ترى شركة كوكاكولا أمامها عالمًا مليئًا بالفرص التي تتراوح من مضاعفة إيرادات النظام بحلول عام 2020 إلى تطوير منتجات مشروبات جديدة تلبي تفضيلات المستهلكين واحتياجاتهم المتطورة، إلى خلق قيمة اجتماعية وإحداث فرق إيجابي في المجتمعات التي يعملون فيها. ولو جئنا نستعرض بيان مهمة الشركة (mission statement) لوجدناه ينص على: “إنعاش العالم ذهنياً وجسدياً وروحياً لإلهام لحظات التفاؤل من خلال علاماتنا التجارية وأفعالنا لخلق قيمة وإحداث فرق في كل مكان نعمل فيه”.
وأما قيم الشركة فتمثلت في القيادة الشجاعة لتشكيل مستقبل أفضل، والتعاون للاستفادة من العبقرية الجماعية، والنزاهة، والمساءلة، والعاطفة التي عكسته الشركة بالقلب والعقل، والتنوع الشامل مثل علاماتهم التجارية، والجودة التي أظهرته من خلال شعار: ما نقوم به نقوم به بشكل جيد.
أما استراتيجية شركة كوكا كولا في التركيز على السوق فقد تضمنت معايير، فحملت شعار التركيز على احتياجات المستهلكين والعملاء وشركاء الامتياز، فهي صاحبة مبدأ: اخرج إلى السوق واستمع ولاحظ وتعلم. والتزمت الشركة بامتلاك رؤية للعالم. وأكدت على التركيز على التنفيذ في السوق كل يوم. ودعت إلى شعار: كن فضوليًا بشكل لا يشبع.
وهي صاحبة شعارات: اعمل بذكاء ! ومن لوازم ذلك أن تتصرف بشكل عاجل. وكن مستجيبًا للتغيير. وتحل بالشجاعة لتغيير المسار عند الحاجة. وأبق على استيائك بشكل بناء. والدعوة إلى العمل بكفاءة. ودعت موظفيها إلى أن يتصرفوا مثل المالكين. وأن يكونوا مسؤولين عن أفعالهم أو تقاعسهم. وحفزتهم بمكافأتهم على تحملهم المخاطر وإيجادهم طرق أفضل لحل المشكلات. ودعت إلى ضرورة أن نتعلم من نتائجنا – ما نجح وما لم ينجح. وفي النهاية أطلقت شعار:كن أنت العلامة التجارية من خلال خلق الإبداع، والعاطفة، والتفاؤل والمرح.
جاء في التقرير السنوي للشركة لعام 2013:”هدفنا هو استخدام أصولنا الهائلة -علاماتنا التجارية، وقوتنا المالية، ونظام التوزيع الذي لا مثيل له، والانتشار العالمي، والموهبة والالتزام القوي لإدارتنا وشركائنا – لتحقيق نمو مستدام طويل الأجل”.
وأما الأهداف والغايات فوفقًا لبيان مهمة شركة كوكا كولا ورؤيتها لعام 2020 فإن بعض أهدافها تشمل زيادة الربح عن طريق خفض التكاليف من خلال مرافق إنتاج منتجة وفعالة؛ والتركيز على إنتاج تعبئة زجاجات صديقة للبيئة، وتعزيز الاستدامة؛ والاستمرار في تنويع محفظتها من خلال الابتكارات والشراكات، مع مراعاة متطلبات المستهلكين؛ وزيادة الدخل التشغيلي السنوي بنسبة 6-8% من أجل مضاعفة إيراداتها بحلول عام 2020.
اعتمدت الشركة للتنافس في سوق المشروبات العالمية “استراتيجية التميز” لخلق قيمة لعملائها ومستهلكيها، وفي سبيل تحقيق ذلك تبنت الشركة مسارات نمو إستراتيجية تشمل مسار تنمية العلامات التجارية العالمية الأساسية للمشروبات الغازية، فمن المقرر أن تستحوذ شركة كوكاكولا على الإمكانات الكاملة للعلامة التجارية، وأن تقوم بتسريع نمو العلامات التجارية الأساسية في كل سوق من خلال فرص الاستهلاك الفوري لتحسين هامش الربح والإيرادات.
ومن المسارات التي تبنتها الشركة مسار تنمية العلامات التجارية الأساسية الأخرى، فعمدت إلى السوق غير الكربوني المربح ويتضمن: القهوة، ومشروبات الطاقة، والمشروبات الرياضية. كما وقامت بتطوير منصات الصحة التحويلية فدخلت هذا السوق وركزت مبدئيا على الشاي والعصير وفول الصويا ومنصات المرطبات المحسنة.
لقد اعتمدت شركة Coca-Cola مسار إنشاء قيمة للعملاء فحاولت فهم ما يريده عملاؤها ويحتاجونه بوضوح.
كان للشركة أولويات استراتيجية منها الاستثمار في الجيل القادم من القادة. فشركة كوكا كولا تمتاز بخبرتها التسويقية وقد اتبعت الشركة دائمًا استراتيجية تسويق رائعة كانت مسؤولة عن تحقيق النجاح للشركة لأكثر من قرن من الزمان.
لقد اتبعت الشركة استراتيجيات مختلفة على مر السنين من أجل تحقيق الميزة التنافسية باستخدام قدراتها الاستراتيجية. وتشمل هذه الاستراتيجيات بشكل رئيسي:
استراتيجية التسويق والعلامة التجارية: فعدد قليل من الشركات في هذا العالم طورت علامة تجارية قوية مثل كوكا كولا. وعلى الرغم من تراجع عملاق المشروبات الغازية إلى المركز الثالث بقيمة علامة تجارية تبلغ 79.2 مليار دولار، إلا أن شركة كوكا كولا تمتعت بفترة طويلة ولامعة كأفضل علامة تجارية عالمية.
تظل شركة Coca-Cola إحدى العلامات التجارية الكلاسيكية الدائمة التي تطورت على مدى 128 عامًا، والعلامة التجارية الأكثر شهرة، وواحدة من أكثر العلامات التجارية قيمة في العالم. مسترشدة بأهداف رؤيتها لعام 2020 حول الابتكار والتركيز والإبداع، وتحقق شركة Coca-Cola حضورًا عالميًا مثيرًا للإعجاب من خلال الحملات الإعلانية المتميزة، والتصميم الجريء، والذكاء الرقمي.
استخدمت الشركة مواردها التسويقية لإنشاء علامة تجارية معروفة على نطاق واسع وأصبحت أكبر ميزة تنافسية للشركة. لقد نجحت شركة كوكا كولا في تعزيز الولاء للعلامة التجارية بين عملائها. وهذا نتيجة للجهود التسويقية المتواصلة التي بدأت منذ أوائل القرن العشرين. لقد تبنت شركة كوكا كولا تقنيات تسويقية مبتكرة منذ زمن كاندلر وروبرت وودروف. وبصرف النظر عن الإعلانات المعتادة من خلال اللوحات الإعلانية والصحف، ركزت شركة كوكا كولا على المنظمات والجامعات والكليات مما أدى إلى زيادة المبيعات مع الترويج لاسم العلامة التجارية.
تستثمر الشركة مليارات الدولارات كل عام من أجل إقناع الجمهور المستهلك بأن منتجها مفيد لهم، أو على الأقل غير ضار. وعمدت شركة كوكا كولا إلى إنشاء معاهد الأبحاث كأدوات يمكنها التقليل من مخاطر تسوس الأسنان أو زيادة الوزن الناتجة عن استهلاك منتجاتها. وفي الواقع فإن الشركة تبذل بعض الجهود لإقناع الجمهور بأن منتجها مفيد بالفعل بالنسبة لهم.
اهتمت شركة كوكاكولا بالإستراتيجية المحلية فاستخدمت قدرتها التنظيمية لتبني إستراتيجية محلية باستخدام مزيج من وظائف التسويق المركزية والمحلية من أجل تحقيق أقصى قدر من فعالية التسويق والتوزيع. وباستخدام ذلك، تحافظ الشركة على العلامة التجارية العالمية القوية مع إدخال العناصر المحلية في التسويق للتأكد من أن صورة المنتج تتناغم مع الثقافة المحلية.
تبنت الشركة استراتيجية تقديم منتجات جديدة، فمارست درجة عالية من تكييف المنتج وتعديله في كل سوق تخدمه. ويُعد الاختبار السريع للمنتج وتكييفه السمة المميزة لاستراتيجية منتج Coca-Cola. فيتم إجراء اختبار المنتج وتطويره في كل سوق على حدة، نظرًا لأنه من غير المرجح أن تُظهر أبحاث السوق الخاصة ببلد أو منطقة معينة اتجاهات مماثلة للأسواق الأخرى. وعلى خلفية ركود مبيعات الكربونات، بدأ نشاطها في تطوير المنتجات الجديدة لتوسيع نطاق مجموعة المشروبات غير الغازية. ومع زيادة اهتمام المستهلكين بالمشروبات الصحية مثل المياه المعبأة في زجاجات، وعصير الفاكهة، ومشروبات الطاقة، والشاي والقهوة شرعت الشركة في برنامج طموح لإطلاق المنتجات.
في جانب السياسات راعت الشركة الالتزام باحترام حقوق الإنسان- كما تم صياغتها رسميًا في بيان حقوق الإنسان- والذي يرتكز على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق ذات الصلة وإعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ الأساسية والحقوق في العمل. تم تضمين مبادئ حقوق مكان العمل في سياسة حقوق مكان العمل، والتي تغطي العمليات المملوكة للشركة والمبادئ التوجيهية للموردين، والتي تغطي شركاء الموردين وشركات التعبئة المستقلة.
أعلم أني أطلت الحديث .. لكن هذه المواضيع لابد فيها من إيصال المعلومة وإن أسهبنا في الكتابة .. دمتم بخير