د. حازم رحاحلة
تلقينا ببارقة من التفاؤل إشارات الى مضامين التصنيف الائتماني المحدث للأردن الصادر عن مؤسسة ستاندرد آند بورز، والذي اثنى بها على الإصلاحات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد الأردني، وسرعان ما تهافتت التصريحات الحكومية التي استخدمت احد مضامينه للتأكيد على نجاعة وكفاءة الإجراءات الإصلاحية التي تنتهجها.
وبنظرة المتابع، هناك أمران اساسيان يدفعاننا الى المزيد من التحري والتمحيص في حيثيات الإشارات التي تضمنها التقرير، أولهما، موضوعي ومرتبط بشكل أساسي بمدى القناعات المتولدة لدى شريحة لا يستهان بها من المواطنين وربما لدى شريحة أوسع من المختصين بأن طبيعة الإجراءات التي تتخذها الحكومة ونوعيتها لا تنسجم مع التحديات التي نواجهها ولا مع التطلعات التي يرمي مسار التحديث الاقتصادي الى تحقيقها. الامر الثاني هو كمي ومعياري، فزخامة الثناء على الإجراءات الإصلاحية، بحسب التصريحات الحكومية، لم يترافق مع تحسين التصنيف الائتماني ولا مع تعديل النظرة المستقبلية من “مستقرة” الى نظرة “إيجابية”، وهي النظرة التي ما تزال تلازمنا منذ آذار 2018، أي قبل اطلاق الرؤية الاقتصادية وبرنامجها التنفيذي.
فالتصنيف الذي تصدره مؤسسات التقييم الدولية يعتمد على العديد من العوامل والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وعندما تصدر مؤسسة تقييم تصنيفًا يشير إلى أن النظرة المستقبلية لدولة ما انها “مستقرة”، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الأمور تسير بشكل جيد بالنسبة للمواطنين أو أن الحكومة قامت بالإصلاحات اللازمة، فالاعتماد على تصنيف واحد دون الالتفات الى الواقع ليس دقيقا، وعبارة “مستقر” قد تعني ببساطة أن الوضع الاقتصادي للدولة لن يتغير بشكل ملحوظ في المستقبل القريب. فإذا كانت الحكومة تستند إلى هذا التصنيف للترويج لنجاحاتها وفاعلية السياسات والإجراءات التي تنتهجها، فما ذلك الا حوار ذاتي في أروقة الحكومة نفسها.
وحتى نكون واقعيين، فإن تعديل التصنيف الائتماني يحتاج الى اجراءات اصلاحية ملفتة على ارض الواقع وثمارا قد بدأ بالفعل قطافها. وحتى نكون منصفين ايضا، فإن ما عزز إبقاء الأردن على التصنيف ذاته، دون تراجعه لا سمح الله، يتمحور في صلابة سياستنا النقدية والتحسن المشهود في الإدارة الضريبية وفي ما عدا ذلك فما يزال نهجنا الاقتصادي يراوح مكانه التقليدي، باستثناء إقرار عدد من الأنظمة والقوانين التي وعلى الرغم من أهميتها الا انها ليست كافية. فدور الحكومة اختزل في السنوات الاخيرة بالمهام المناطة بديوان التشريع والرأي وفي اعداد الخطط والاستراتيجيات دون تطبيق على ارض الواقع، ومن ثم اطلاق التصريحات والخطابات والتنصل من الإنجازات الفعلية انتظارا “للقادم الأفضل”.
التقرير الذي تغنت به الحكومة ولم تصرح بكل مكوناته، يؤكد على ان مستويات الدين ما تزالت مرتفعة واعلى مما كانت عليه قبل الجائحة، والتقرير نفسه يتوقع ان يحقق الأردن معدل نمو اقتصادي بحدود 3 % سنويا على امتداد الفترة 2024-2026، وهو معدل لن يكون كافيا للمحافظة على معدل البطالة الذي ما نزال في ذروته، وبهذا نكون قد اقتربنا من منتصف الإطار الزمني لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي دون تحقيق ولو جزء يسير من أهدافها، وقد يتم تبرير ذلك بأن الازدهار المنشود سيؤتي أكله خلال السنوات المتبقية منها، الأمر الذي يتطلب معجزات اقتصادية لتحقيقه.
ربما ما يتوجب ان تدركه الحكومة، ان الاعتراف بالمشكلة يشكل مفتاحا اساسيا لحلها، فالاختباء وراء الإشارات العابرة والهروب من الواقع بكثرة التعديلات الوزارية لن يجدي نفعا. فالفرق بين ما ترونه وما نراه كبير، وحتى نرى ما ترونه، اخرجوا من بوتقة التصريحات وأدركوا حجم الفرص كما هي التحديات، وأرونا ما لديكم.