بقلم : سهل الزواهره
ذُبح الحقُّ على صخرةِ الفزَع و التآمر و نُصبت مَحاكم الحَناجِر و مَشانق الألسُن على بابِ الدار الصغيرة و تحت نافذتها الوحيدة ، و أحاطَ بِبستانِها المُباح صيادوا الفِكَر الرضيعة و جُباة النبض الشَفوق قنصًا و تفدِّيًا لدِببة الكُروم و لُصوص الغُيوم الذين جعلوا الأَسوار عِضين وحوَّلوا المطرَ الى ضياعِهم البعيدة و احتكروا السَهرَ لِعيونهم المُنتفخة ثَملًا، الباحثة دأبًا عن براعم الثراء المتفتحة و عن تقسيم غنائم حربٍ لا تكافؤ فيها غابت عنها المواثيق و حضَرت على قِسمتها المَرسومة مُتمايلةً شَبعًا أحناشُ الكهوف طامعةً بمزيد من لَبونٍ تُغذي به حَبَّ قلائدها الأعجمية و حساباتها المُترعة أصفارا بجانب الصحيح ….
وتلهثُ جِياد الحي الأصيلة واقفةً لا تُغير صُبحًا و لا تثير قَدحًا، ولا يَهدُّ ظهرها المُقوَّس إلا بُغضها خيَّالَها اللاحم و سوطهُ الناقم و مقتَها سرجها المُمَسمر غِيلةً بجلدها الباكي دَمًا و المُحترق بِنار يُسعِّرها كل مرة أهل المسارح المتنقلة و دُمى الإلهاء المُتجدد و إمَّعات حرف الأنظار و الأعناق و تخويف البعض من البعضِ و احتكار مَفاتيح الاسطبل المَسكون المُمتد من الألفِ الى النون …
ويقتحمُ كلُّ غُبار الناطحات الهاوية بلدَتنا البِكر و يستملِكُ الفضاءَ الضيق و يصادرُ الهواءَ القليل وتُساومنا فِئرانُ الأحضان و تستأسد و تعايرنا بناتُ وردان بِعَريرها الدَّفين و أوهامها السُلطانية و يصير ربيعنا يَباب وظهرنا رِكاب و صوتنا مخنوق ، و يعيش أهل الحِمى على قارعةِ الفاقة و تخضع الأكف المَقبوضة إلا من عَطاء و تنبسط تسأل الكَفاف في زوايا كانت يومًا عرينًا حاتميًا و جَفنة جدعانية لا تنفذ ، و يتحالف القهر و التكارم و تلِدُ القطة المَخدودة دُهنًا مع كل مصيبة نسلًا جديدًا يضيق به الوادي يأكل الأخضر و الحَجر و يتثاقل العُمر المُنهك عن المسير ففي كل دربٍ طعنةٌ تثور أو مرارةٌ تدور أو قارعةٌ على الخشب المَشاع تطرُق …
وتساقطت رُموز الخلود ووعود الفرح و سادت مُعادلات النَهب السريع الذي لا يستريح و اعتلى الصغار رؤوس المنارات الكبيرة و أعتموا الأنوار على سُفننا العائدة فتاهت عن شواطئنا العاشِقة، والمَعبد تداعت حَوافره الطينية و الزيت تبدَّل لونه الشمسي و الصحراء أضاعت رمالها الخَصبة و أزهرت زَقوم الدنيا وسادت و امتدت غُصونها على أكتاف اليقظة و أوثقت عُروقها و اعترضت طريقها و قامرت ببريقها ، فاحتفل اليأس و استوطن البأس و قهقهت الأباليس …
العُري ليس قدرًا و لو بَليت الثياب، فاخصف على بدنِك الأُضحوكة شيئًا من ورقِ جنَّتِك المَسروقة ، أو استعر من قزِّ الأرض إلى حينٍ خُيوطا تنسج بها على وهَنِك الطويل قوةً تستر بها جسدَك النحيل و احقن بِثدي عزِّك الرؤوم بطونَ الأمل و شفاهَ الجَفاف و أسِل في ينبوع غدك المُرتجف ماء الحياة و أيقن أن بُغاث الطير لن تطمع إلا بجيفة فإن كنتها فلا ردك الرحمن …
يا ماءها العذب الزُلال المُرقرق و خمرَها الحلال المُعتَّق و نظمَها السمين المُنمَّق و أباها السائر تحت برد الصباح تُداعب نَسماته شَيبَه الجَميل و تمتمات الحَساسين تُطارد سمعه الخفيف و تُعين على كَبدِ الدُّنيا مفاصلهُ المُنهكة، يا بعض مِسكها المُنساب بين ثنايا الروح المُمددة على آرائك المجد الباسق برأسه المُكتظ بهواجس الأمس القريب …
قُمْ انهض تَسامى و استند و اكتب على لوحِ اليوم أسفارَ الإفاقة و أدرك على عَجلٍ بلا وجلٍ فصيل الناقة، فرهط الثواميد قد أجمعوا أمرهم و سيوفهم شحذتها نفوس تتوق إلى إلحاقه بأمه الصريعة، فالشهيدة مِنك و فصيلها أنت و الشِربُ لن يذود عنه إلا مَن اكتوى دهرًا بِظمأ الأوطانِ و غدرِ الخِلان و ثقةٍ بَعثرها طول الصبر و بكى على أَطلالها كلُّ مخدوع …