كوكب الزعتر (لمن يقرأ)

7 سبتمبر 2023
كوكب الزعتر (لمن يقرأ)

بقلم: سهل الزواهره

أيا كوكب الزعتر ولون كل الورد وحنين الأمس الغابر، قد سلبوا خِلسةً عبيرك التليد وبدَّلوا قلبك الرطيب بقليل من لحظات شحيحة سرعان ما زالت وتكشفت مِن بعدها علامات الكيِّ ومسارات الأوردة المُحوَّلة الجديدة صابةً في صناديق فتِّحت أبوابها لكل راغب ناهب، تظهر فتُملأ وتختفي فتُسلَب وتعاود سيرتها حتى يهلك الضرع ولم يعد منه إلا جُليد ذاوي وحليبٌ تُذكِّر آثاره المُتعرجة الجافة بأيام كان فيها ذلك الضرع غيمةً تَجود وتشدُّ بِغيثها السمين عِظام الفتية وتَنبُت على وقعِ رَقصاتِها كل بنات الزعتر وأخوات الشيح…

أيا كوكب الزعتر قد عضَّت سُنون القحط رِقاب واديكَ النائم وشُرِّعت مداخله عُنوة لكل حابلٍ ونابل وقُطِّعت أوصال الرقيب وباض ديك الفساد وذادت عنه حِراب المنافع والمطامع، فضاقت رَحبة الأرض وسكن حريص النبض وأضحت قِمة المُراد وغاية المُنى مِترًا من تراب يواري أبدانًا انطلت على ألبابها كل كذبات التاريخ وسطى على أحلامها جواثيم الليل ومن شايعهُم من قَنَّاصي البُلدان وسماسرة المزادات الموسمية وآباء الفُرَص الحرام…

أيا كوكب الزعتر قد حلَّت عُهود التلميع والتضييع واحتل الذَرُّ ذُرانا وكبَّل ابن آوى صِبانا، وعنفواننا البَرىء قَفَّصتهُ نوائب الحيرة والحاجة وطافت ببؤسه بين الحواري الضيقة فُرجةً و عِبرةً وإيذانًا بحلولِ فصلٍ ثقيل تَخطه أيادي الإرتجاف ويَسود على تقلباته كافورٌ جديد يُحرِّم العصا ويُحِلُ القَنا ويرصد الحرف ويُعين علينا الحتف وينادي داعيه كل صباح “في الصمت السلامة”…

أيا كوكب الزعتر لا تبع ورقك الباقي ولا تسلم بالرائحة المُتسللة فعِطرك القديم لا زالت هباته تُداعب أُنوف الأمل وتغرس في جبين الغد حَميةً لا تخبو جذوتها الدافئة، لا تبعه ولو ملأت الغِربان المَخبورة صحاريك المُستترة وطاف نعيبها الآفاق، لا تبعه ولو قننوا عليك الماء والسماد، فأنت نبتة حُرة غُرابها غريب وماءها سماء وسمادها إباء وليلها لا يطول…

أيا كوكب الزعتر ومعدن الجوهر وسيد الشرق لا يفزعنك صراخ عفاريت الدار المسكونة ولا تدع شيطان الخَبَل الواقب مُتَربعًا مُتَنعمًا على خطوط عمامتك الحمراء ولا تسلِّم مُذعنًا بأسرِك الطويل وجُزَّ ناصية قلقك الساكن وأحلهُ نَظمًا نبطيًا مَحبوكًا تنتفخ كلماته السمراء فتغطي بجسدها الغاضب كُتبَ الرِّق وصكوك الدَّين المَشبوه…

ايا كوكب الزعتر أقم زفافك وشتلك البالغ وأسمع بضجيجه العائد نيازك الغاز وأجرام الصدفة فعَقدك مشروع ومهرك مدفوع وفِراشك حلال، أقمهُ فأنت عنوانها الأوحد ومسيحها المُعمّد ونهرها بعضٌ من بركتك السخية وعجين وهادها منحتك الأبدية، ووليدها لا يغفو إلا على هدهدات حِدائك الباسم ولا يُفيق حارسها إلا بعِناق زعترك وندى فَلَقهِ القريب…