سمير الحباشنة
أعتقد أن الحكومة السورية والمعارضة المدنية لا تمتلك ترف الانتظار أو التأجيل أو التأويل، ولا وقت لسياسة عض الأصابع، من يقول أخ أولاً، فأصابع الطرفين سورية، لكن القوة التي تعض في الجسد السوري هي قوى غير سورية، كل منها يبحث عن مصالحه وفق أجندته الخاصة ولا يلتفت إلى المصلحة السورية.
وأرى أن المشهد السوري يزداد تعقيداً، وذلك بعد أن تفاءلنا ببعض الانفراج حين انفتح العرب على سوريا والذي توج بحضور الرئيس الأسد قمة جدة، وكذلك انخفاض حدة القتال على الجبهات المتعددة في سوريا. إلا أن الأمور بدأت تتراجع مجدداً سواء على صعيد الداخل السوري بتفاقم الأوضاع المعيشية، وتراجع واضح ومتسارع في الاقتصاد، وذلك لانخفاض الناتج القومي المتوقع أن يكون لهذا العام بنسبة تزيد عن خمسة بالمئة (5%) مقابل تضخم قد يصل إلى خمسين في المئة (50%)، يرافقه ذلك التراجع الكبير في قيمة العملة الوطنية، وهي مؤشرات وإن صدقت؛ فإن ذلك يعني أن الاقتصاد السوري متوجه نحو الانهيار الاقتصادي العام، و ربما إفلاس الدولة- لا سمح الله-.
وما يعبر عن ذلك تلك الاحتجاجات الواسعة ذات الطبيعة المعيشية والتي قد تتطور الى مطالب سياسية التي تشهدها السويداء، وأجزاء من محافظة درعا، مع احتمالية امتدادها لبقية مناطق البلاد، وهو ما قد يعيد الأمور إلى المربع الأول، بمواجهات خشنة بين الحكومة والقوى الأخرى. علماَ بأن المناخ العام في سوريا مؤهل لأن تتدخل قوى كثيرة في الشأن السوري فتزيد من تعقيده ومن سوء الحال على الصعد كافة.
-2-
أما عربياً، فإن تفاؤلنا بالقمة وما تلاها وما سبقها من انفتاح لدول عربية على الحكومة السورية، فإن هذا المشهد الذي حمل تفاؤلاً قد بدأ يتبدد، فقد توقف عند هذا الحد ولم نسمع عن خطوات أخرى إيجابية نحو إعادة العلاقات مع حكومة دمشق، وبالتالي أن تسير العلاقات العربية قدماً بإعادة سوريا فعلياً إلى وضعها الطبيعي في الجسم العربي. نقطة أخرى كذلك؛ لم نسمع عن مبادرات للمصالحة الوطنية السورية-السورية سواء ضمن مبادرات عربية أو غيرها. بل وتوقف الحديث عن مشاريع الإعمار أو إسناد الاقتصاد السوري. وكما رشح، فإن اجتماع اللجنة العربية المعنية بسوريا، بحضور الوزير السوري في القاهرة، لم تقدم ما يشير إلى تحريك الوضع الجامد والسير قدماً في ما تم الاتفاق عليه سابقاً.
-3-
أما على الصعيد الإقليمي والدولي، فإن الأمور تزداد صعوبة كذلك، وتُنبئ بالسيناريو الأسوأ، الذي يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية، تعد له بما نسمع عن إغلاق للحدود السورية العراقية ومن تحشيد في مناطق مختلفة، تحضيراً لعمل ربما يأخذ الشكل العسكري أو التدخل غير المباشر العسكري أيضاً في الحالة السورية.
أضف إلى ذلك، تركيا التي ما زالت متصلبة بموقفها من احتلال أراض واسعة في الشمال السوري. نضيف بأن مشكلة اللاجئين ما زالت تراوح مكانها، وما زالت عمليات تهريب المخدرات والسلاح إلى الأردن أو عبره قائمة، ما يزيد من التوتر في الجنوب السوري وتعكير أجواء العلاقة مع عمان وبقية الدول المستهدفة بذلك. ولا بد من الإشارة بأن معادلة القوى على الأرض قد اختلت بعد أن أصبحت روسيا منشغلة في حربها مع أوكرانيا كأولوية تفوق أهمية انخراطها في الموضوع السوري.
-4-
وعلى ذلك فإن خيار الضرورة هو المطروح على القوى السورية، على حكومة دمشق وعلى المعارضة المدنية، مثل منصة القاهرة ومنصة موسكو وبقية المنصات التي لديها ما تقوله ما يتعلق في مستقبل سوريا.
إن هذه القوى الحكومة والمنصات الخارجية على حد سواء، وقوى المجتمع المدني من أحزاب ونقابات، معنية بالعمل على وضع ميثاق وطني سوري، يضع وثيقة من شأنها أن تعيد إلى سوريا وحدتها الوطنية وفق أسس ديمقراطية، وبناء دولة القانون والمؤسسات وإشراك السوريين كافة في العملية السياسية، يهدف إلى بناء نظام تشاركي ديمقراطي برلماني أو أية صيغة أخرى يتفق عليها المجتمعون.
إن هذا الميثاق المقترح هو الخيار الضرورة والسبيل الوحيد بأن تقطع الطريق على كافة الأجندات الدولية والإقليمية، وأن يسحب البساط من تحت أقدامها، ويفقدها مسوغات للتدخل في الشأن السوري.
خلاف ذلك، صدقوني أنني أرى كمحب إلى سوريا مثل أي مواطن عربي، بأن الأمور تسير نحو الانهيار السريع ونحو فصل جديد أسوأ من الفصول السابقة التي مرت على سوريا.
إن الكرة في مرماكم أيها السوريون، نخب وقادة ومسؤولين، وهي أمانة تاريخية تحتاج منكم جميعاً إلى تنازلات تاريخية جريئة، تُعيد لسوريا ألقها وصولاً إلى شاطئ الأمان.رأي اليوم
والله ومصلحة سوريا من وراء القصد،