المركز الوطني للمناهج: القطفة الرابعة، اللغة العربية

28 أغسطس 2023
المركز الوطني للمناهج: القطفة الرابعة، اللغة العربية

بقلم د. ذوقان عبيدات
صدرت كتب اللغة العربية بعد صدور كتب الرياضيات والعلوم والتربية الإسلامية، وقد سبق أن قدمت رأيي رسميًا في كتب العلوم والرياضيات، واليوم أقدم تحليلًا لكتب اللغة العربية للصف الرابع الفصل الأول.
ما أصعب أن تحلل، أو تنقد كتابًا غير مبهر، هذا ليس حكمًا مسبقًا أبدًا، لكنه قانون نقدي، فالكتاب، أو القصيدة، أو المقالة الباهتة لا تثير نقدًا ذا قيمة أبدأ ببيت الشعر:
شهد الله ما نقدتك إلّا طمعًا أن أراك فوق انتقادي!
خاصة أن لا خصومة لي مع المركز ورئيسه، ولي صداقة مع رئيس فريق التأليف د أكرم البشير، ولدي عشق كبير للغة العربية.
ولذلك، سأحاول أن تكون كتابتي موضوعية ومستمدة من معايير الإطار العام للمناهج الذي لم ينظر فيه أحد من المؤلفين قبل د. محيي الدين توق، ولذلك أتوقع أن يراعيَ الكتاب ما ورد في الإطار العام للمناهج، وهذا حق للطالب، والمجتمع في أن يروا كتابًا لأول مرة يراعي فلسفة الإطار العام.
وسآخذ من الإطار العام معايير مثل: السعي لجعل اللغة العربية جاذبة للطلبة لكي يحبوا دراستها، وأن يكون من أنهى الصف الرابع ممارسًا لأنشطة جمعية، وباحثًا عن مصادر متنوعة، وقادرًا على تقييم المعلومات، وإتقانها ونقلها إلى آخرين. هذا بالإضافة إلى الاهتمام بالمهارات والمفاهيم والقضايا العابرة للمواد مثل: حقوق الإنسان ، والنوع الاجتماعي ، والإتيكيت، والتربية الإعلامي، والبيئة، والوعي الصحي، وتعليم التفكير، والتوجه نحو المستقبل.
وقد طلب الإطار العام أن تكون هذه المفاهيم في كل كتاب، وفي كل صف وفي كل مادة.
طبعًا هذه آمال .من مثلي يقبل بالنزر اليسير منها حتى لو تضمن الكتاب عشرة بالمائة منها، فأنا أعرف واقعنا، وأعرف أن طريقة إعداد الكتاب المستخدمة ومستوى المسؤولين التربوي لا تنجح في تحقيق أكثر من خمسة بالمائة من الجودة اللازمة!
طبعًا، هذا محبط ولكنه واقع مؤلم، حيث لا يسمح لأي تربوي، أو سيكولوجي، أو مختص في علم الاجتماع من الاقتراب من المركز الوطني نفسه!!
(1)
واقع الكتاب
اشتمل الفصل الأول من الكتاب: العربية لغتي، للصف الرابع على خمس وحدات هي:
-من قصص القرآن
-هوايتي
-أحب وطني
-الغذاء المتوازن
-النجوم
يصعب الحكم على الموضوعات لأنك لا تدري ماذا خططوا للكتب السابقة للصف الرابع، ولا ما بعده، ولكن يمكن القول: إنها متنوعة وقد تعكس حكمة -لا نعلم عنها- موجودة في خطة تدريس اللغة لدى فريق التأليف.
واشتملت كل وحدة على عدد متشابه، بل متطابق من الكفايات باستثناء تغيير بسيط في الكفاية
3,2 يتعلق بمحتوى الوحدة. وقد وضع الكتاب عبارة مكررة على الزاوية اليمنى من جميع الصفحات المرقمة فردية، مثل؛
-لقد كان لقصصهم عبرة لأولي الألباب.
-هوايتي الطريق لسعادتي.
-لا شيء يعدل الوطن.
– وكلوا واشربوا ولا تسرفوا.
-وطن النجوم أنا هنا.
ومن الناحية الشكلية، حفل الكتاب برسوم ملونة، أعتقد أنها من ألبومات صور عالمية شبه كاريكاتورية.
واختتمت كل وحدة بعنوان: حصاد الوحدة، حيث يسجل الطلبة ما تعلموه من كلمات! ومفاهيم ومهارات.
(2)
ملاحظات تربوية!
بعد قراءتي المتكررة لهذا الكتاب يمكن تقديم الملاحظات الآتية التي تتعلق بقضايا تربوية ومنطقية، ولن تشتمل هذه الملاحظات على تقنيات تعليم اللغة وتعلمها، فأهل مكة أدرى بشعابها.
قلت: إن تنوع الموضوعات واختيارها يصعب الحكم عليه، حيث أوضحت في مقدمة المقالة أنها لا تتضح إلّا بنظرة شاملة لجميع الكتب، ولكن ما يمكن الحديث عنه هنا هو:
أولًا- قدم الكتاب عنوانين مرتبطين بالطلبة، ويخاطبانهم مباشرة، وهذه العناوين هي : هوايتي وأحب وطني. أما باقي الموضوعات، فكانت من قصص القرآن، والغذاء المتوازن، والنجوم! ولم يكن هناك مانع من ربطها أو بعضها بالطلبة؛ كأن نقول: غذاؤك أو النجوم من حولك، ونبني الدروس كلها ليكون الطلبة شركاء في موضوعات تهمهم! فحين نقول للطالب: غذاؤك! يختلف كثيرًا عن أن نقدم له كلامًا محايدًا علميّا مثل؛ الغذاء المتوازن!! طبعًا المسألة ليست لعبًا بالكلمات، إنما إدماج الطلبة من البداية بالموضوع بوصفه حاجة من حاجاته؛ وهكذا في بقية الدروس….!
ثانيًا-في وحدة الفضاء والنجوم ، وكذلك الوحدات الباقية جميعها كان من غير المفهوم تخصيص وحدة لكل منها، ففي العلوم يدرسون عن الغذاء والنجوم، وفي التاريخ والعلوم الإنسانية والفنون، وربما التربية الإسلامية يدرسون عن الغذاء والنجوم والإيمان والهوايات والقرآن!! إنّ وجود الوحدات السابقة، كونها وحدات مستقلة ليس بينها رابط لا تؤلف كتابًا له أهداف مشتركة!
ولذلك أقترح ما يأتي:
-أن تكون كل وحدة من وحدات الكتاب جزءًا من وحدة شاملة مثل؛ أنا إنسان! ونقدم له عبرها
معلومات عن هويته الشخصية و الدينية، والصحية، والبيئية، والوطنية!
إن وجود وحدة كاملة عن الغذاء من شأنها أن يتفنن المؤلفون في تقديم مادة علمية غير ممتعة! فأنا لا أدرس لغة لها حلاوتها ومتعتها. وكذلك، اضطر المؤلفون أن يتوسعوا في الحديث عن جيوش النمل، وفي وحدة الفضاء، جرهم الحديث إلى عباس بن فرناس، وتاريخ الطيران… إلخ، وهي موضوعات ليست حياتية ولا تحقق غير متعة معرفية، بينما تفيض اللغة العربية بعشرات المتع البلاغية، والفنية، والإنسانية والفواكه المجتمعية والشخصية.
ولذلك اقتصر كتاب اللغة العربية على غير اللغة، وعلى موضوعات انحسرت في خمسة، مع أننا كنا نستطيع تقديم عشرات المفاهيم الإنسانية الجاذبة!!
-اقتصرت المفاهيم في الكتاب على مفهوم صحي عن الغذاء، وآخر عن الهواية وهكذا… في كل وحدة مفهوم؛ بينما غابت مناقشة مفاهيم أخرى من المفاهيم التي ركّز عليها الإطار العام! لقد أغلق الكتاب على الطلبة، وعلينا إمكان مناقشة مفاهيم مثل: حقوق الإنسان: حقي في غذاء متوازن وحقي في تعلم جيد، وحقي في معرفة ما حولي… إلخ.
– إن مقدمة كتاب اللغة العربية موضوع النقاش ركزت على أن الكتاب ملتزم بالإطار العام، وما تفرع منه وعنه من إطار اللغة العربية! فما مدى هذا الالتزام؟
(3)
هل التزم الكتاب بالإطار العام والخاص؟
كما قلت سابقًا: يصعب تقييم كتاب لصف واحد بمعزل عن بقية الصفوف، ولذلك، سأختار من إطار عام المناهج، وإطار مناهج اللغة العربية بعض المؤشرات المهمة مثل؛
1_ إبراز دور المرأة في الإنتاج الأدبي والمفاهيم الحداثية كسيادة القانون ومهارات القرن الحادي والعشرين، والهوية ومهارات الإتيكيت!
جميع الشخوص والأشخاص والكتاب والنصوص والشعراء هم من الذكور!! لاحظوا لا أناقش جودة النصوص والشعر: معروف الرصافي وعبد الرزاق عبد الواحد، ومحمد الظاهر، وأحمد شوقي، وجميع الأسماء جرجس ناصف، ومؤلف دليل الصحة، وصياد السمك ويمام خراش، وناصر شبانة_صاحب قصيدة النملة تتكلم ولا تتلعثم-وعبد الحميد عبدالمقصود، وحتى عباس بن فرناس وقوم نوح كلهم ذكور!!!
ولم يقدموا امرأة إلّا واحدة في المطبخ ص(83) وهي ترتدي مريولة المطبخ!!!!! وصورة أخرى لها أمام قالب الجاتو!!!
إنه نضال نسائي يا قادة مناهجنا!!!!
٢-خلا الكتاب من أي نشاط طلابي جمعي، واكتفى بالأعمال الفردية وبعض الأوامر الفردية! بينما شجع الإطار العام والخاص الأنشطة الزوجية الثنائية- وكأنه يخشى الاتهام بالمثلية-!! وخلا تمامًا من العمل المجموعي والجمعي، واكتفى بمقولة: (العب وحدك تيجي راضٍ)!!
أما مهارات القرن الحادي والعشرين وفي مقدمتها التواصل، فلربما تركوها لفصاحة المعلمين، أو كتب المطالعة الخارجية!!
(4)
تناقضات يمكن تلافيها
لاحظت تناقضين على الأقل:
الأول؛ اجتهد المؤلفون في تنفير الطلبة من صيد السمك، وأنه اعتداء على وطنية السمك وحرمانه من وطنه-قصيدة محمد الظاهر- الذي اعتبر صياد السمك أشبه بإسرائيل التي تحرم الفلسطينين من وطنهم:
تقول السمكة:
وطني وطني
إن تخرجني
فستقتلني
وطني وطني
وبكى الولد
ورمى الشبكة
يعني أن الولد أخذ درسًا في الوطنية وضرورة ترك السمك في وطنه ص(62) وما هي إلّا تسع صفحات حتى قدم الكتاب لنا صورة شيخ جليل حكيم يصطاد السمك؛ ليملأ قاربه من أسماك – كلمات سمكية الشكل -علب وأقلام ومركبات وغير ذلك مما يعيدنا إلى صيد السمك!! ص(71)
والتناقض الثاني؛ فقد حذر المؤلفون من تناول الحلوى، والتقليل منها لأنها تسبب التعب والإعياء كما حصل مع الطالب أمين ص(79).
وما أن وصلنا ص ( 83) حتى شاهدنا عائلة تجلس على مائدة عليها فقط قالب من الحلوى!!
-غابت الأسئلة كثيرًا واكتفى الكتاب بطلب أنشطة، وبذا خسرنا مهارة إثارة السؤال، وهي مهارة أكد عليها المنهاج كثيرًا.
كما أسلفت هذه قراءة مبدئية هذا النقد على طريقة:
شهد الله ما نقدتك إلّا طمعًا أن أراك فوق انتقادي!
ملاحظة مهمة جدّا:
وهكذا جاء الكتاب دون مهارات تفكير تؤهل طلبتنا لامتحان”بيرلز”، ولا تربية إعلامية ولا إتيكيت ولا حوار ثنائي أو مجموعي أو جمعي !
قلت لمسؤول: الكتب تحتاج مراجعة تربوية!
قال: أنا أراجعها بنفسي!!
هكذا تبنى الكتب! ومع ذلك يسمونها كتبًا مطورة وأترك للقارىء الحكم!
المهم؛ الحكومة اقتنعت بجدوى الملايين المهدورة! وتعتقد أنهم يصنعون مناهج المستقبل الذي غاب في جميع إنتاجهم!