لغةُ الإعجاب وسريالية التصفيق

16 أغسطس 2023
لغةُ الإعجاب وسريالية التصفيق

بقلم الدكتور نعيم الملكاوي

في غمرة من هزيع العيش يعلو منصات الوطن اشخاص تحتار مع فطرتك في أي خانة هم جالسون … عندما نرى إنجازًا مذهلًا أو يطرق سمعنا فعل بارز ، يتسارع نبض القلوب ويتصاعد الإعجاب والتقدير في داخلنا بحركةً عفويةً تهتزُ لها أكفَّنا همسًا بالثناء ، وعلى شفتينا ابتسامة ملؤها الإعجاب ، إنها لحظات نعبِّر فيها عن انبهارنا وتلمع أعيننا لها تعبيراً حياً للتواصل الإنساني ، انها لعمرك عملة ثمينة يتداولها الشرفاء ويغزو خزائنها فئرانٌ تصدرت ازقتها وكراسيها .

إنه عالمٌ مليء بالتناقضات والتحديات الأخلاقية ، نجد أنفسنا أمام مفارق طرق ومتاهات حلزونية : إما أن نرفع الأكف بتقدير حقيقي تجاه من يستحقونه ، أو أن نستخدم هذه الرمزية كأداة لأهداف سطحية تخدم مصالح شخصية .

التصفيق والإعجاب تعبيران من أبسط وأقدم وسائل التواصل الإنساني . تجمع بينهما خيوط التقدير والاحترام لمن ضحّوا وأبدعوا ، انها لغة تصل إلى القلوب بتخطي الحواجز ومعاجم اللغة تحمل في طياتها مسؤولية كبيرة تشكل رمزية لا تعتمد على الكلمات فقط ، وليست مجرد أصوات أو تعابير جسدية ، بل ترسيخ للقيم والمعايير التي يؤمن بها فاعلوها ، تمتد إلى التوافق في المشاعر والمواقف المبنية على المبادئ والعقائد من عدمها .
عندما نحيّ الجندي لبطولاته ، ونصفّق للفنان لأدائه ، والباحث على اكتشافاته ، والناشط على أعماله … أو للسياسي على صدق أقواله وتطابق أفعاله ، فإننا ننقل لهم بلغة خاصة مدى انسانيتنا المبنية على احترام جهودهم وتعبير عن التقدير الحقيقي والتغني بواقع انجازاتهم .

لكن يأتي السؤال بمجموعة من الهلهلات :
هل ، فكرنا يومًا لماذا نقف عندما نصفّق ونبدي الإعجاب ؟
هل ، نقف مصطفين في طابور الإعجاب فقط لمن يشهرون أسماءهم وأعمالهم في وسائل الإعلام ، أم أن هناك قصصًا أخرى في الظل تستحق أيضًا أن نرفع هاماتنا لها ؟
هل ، هذا هو الوحيد الذي يستحق التصفيق والإعجاب ، وما هي أثاره ؟
هل ، نحن ملتزمون بإنسانية الإعجاب لمن يستحقه ، أم خالطها التزلف والنفاق ؟
هل ، تسلل النفاق واستوطن بيننا وبين تلك اللحظات النقية و انزلق البعض في بوتقة التفاهة والإعجاب السطحي ؟
أسئلة مشروعة وهواجس تخالج أصحاب الألباب السوية والفطرة النقية ….
في عالم يشهد تحولات سريعة و توازنات هشة ، يصبح من السهل تحويل الثناء إلى أداة للتزلف والنفاق . قد يصبح التصفيق وسيلة لاكتساب العيش وتأييد الآخرين ، سواءً للبهرجة الاجتماعية أو لأغراض مادية … فيقرع جرس الإنذار هادراً ، نصفّق لمن ، وهل نبدي الإعجاب بحذر ووعي ، ومن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية .
يجب أن نصفّق بجدارة ونبدي الإعجاب بكبرياء ، خيراً من الانغماس في مستنقع الزيف والنفاق ، بالتصفيق الحقيقي يُشع من قلبنا نورٌ يعبر عن مبادئنا ، ويخلق تواصلاً لا يعتمد على الكلمات ، بل يمتد إلى التوافق في القيم والمشاعر .

لتكن هذه الأفعال المتواضعة مدخلًا لتعزيز قيم النزاهة والأخلاق ، معبرة عن احترامنا وتقديرنا لأنفسنا اولاً ، و غاية لنقل رسائل إيجابية تعزز من روح العمل و التفاني ثانياً .
في الختام ،،، لا تكونوا جـوقـةً لمخلفاتِ حــربٍ غير شريفة ، فجنودُ الوطن جاهزون لكل النهايات ، ليبقى الســؤال الأجــــدر بالوعي : متى ولمن نصفّق ؟