بقلم الدكتور نعيم الملكاوي
في غمرة من هزيع العيش يعلو منصات الوطن اشخاص تحتار مع فطرتك في أي خانة هم جالسون … عندما نرى إنجازًا مذهلًا أو يطرق سمعنا فعل بارز ، يتسارع نبض القلوب ويتصاعد الإعجاب والتقدير في داخلنا بحركةً عفويةً تهتزُ لها أكفَّنا همسًا بالثناء ، وعلى شفتينا ابتسامة ملؤها الإعجاب ، إنها لحظات نعبِّر فيها عن انبهارنا وتلمع أعيننا لها تعبيراً حياً للتواصل الإنساني ، انها لعمرك عملة ثمينة يتداولها الشرفاء ويغزو خزائنها فئرانٌ تصدرت ازقتها وكراسيها .
إنه عالمٌ مليء بالتناقضات والتحديات الأخلاقية ، نجد أنفسنا أمام مفارق طرق ومتاهات حلزونية : إما أن نرفع الأكف بتقدير حقيقي تجاه من يستحقونه ، أو أن نستخدم هذه الرمزية كأداة لأهداف سطحية تخدم مصالح شخصية .
التصفيق والإعجاب تعبيران من أبسط وأقدم وسائل التواصل الإنساني . تجمع بينهما خيوط التقدير والاحترام لمن ضحّوا وأبدعوا ، انها لغة تصل إلى القلوب بتخطي الحواجز ومعاجم اللغة تحمل في طياتها مسؤولية كبيرة تشكل رمزية لا تعتمد على الكلمات فقط ، وليست مجرد أصوات أو تعابير جسدية ، بل ترسيخ للقيم والمعايير التي يؤمن بها فاعلوها ، تمتد إلى التوافق في المشاعر والمواقف المبنية على المبادئ والعقائد من عدمها .
عندما نحيّ الجندي لبطولاته ، ونصفّق للفنان لأدائه ، والباحث على اكتشافاته ، والناشط على أعماله … أو للسياسي على صدق أقواله وتطابق أفعاله ، فإننا ننقل لهم بلغة خاصة مدى انسانيتنا المبنية على احترام جهودهم وتعبير عن التقدير الحقيقي والتغني بواقع انجازاتهم .
لكن يأتي السؤال بمجموعة من الهلهلات :
هل ، فكرنا يومًا لماذا نقف عندما نصفّق ونبدي الإعجاب ؟
هل ، نقف مصطفين في طابور الإعجاب فقط لمن يشهرون أسماءهم وأعمالهم في وسائل الإعلام ، أم أن هناك قصصًا أخرى في الظل تستحق أيضًا أن نرفع هاماتنا لها ؟
هل ، هذا هو الوحيد الذي يستحق التصفيق والإعجاب ، وما هي أثاره ؟
هل ، نحن ملتزمون بإنسانية الإعجاب لمن يستحقه ، أم خالطها التزلف والنفاق ؟
هل ، تسلل النفاق واستوطن بيننا وبين تلك اللحظات النقية و انزلق البعض في بوتقة التفاهة والإعجاب السطحي ؟
أسئلة مشروعة وهواجس تخالج أصحاب الألباب السوية والفطرة النقية ….
في عالم يشهد تحولات سريعة و توازنات هشة ، يصبح من السهل تحويل الثناء إلى أداة للتزلف والنفاق . قد يصبح التصفيق وسيلة لاكتساب العيش وتأييد الآخرين ، سواءً للبهرجة الاجتماعية أو لأغراض مادية … فيقرع جرس الإنذار هادراً ، نصفّق لمن ، وهل نبدي الإعجاب بحذر ووعي ، ومن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية .
يجب أن نصفّق بجدارة ونبدي الإعجاب بكبرياء ، خيراً من الانغماس في مستنقع الزيف والنفاق ، بالتصفيق الحقيقي يُشع من قلبنا نورٌ يعبر عن مبادئنا ، ويخلق تواصلاً لا يعتمد على الكلمات ، بل يمتد إلى التوافق في القيم والمشاعر .
لتكن هذه الأفعال المتواضعة مدخلًا لتعزيز قيم النزاهة والأخلاق ، معبرة عن احترامنا وتقديرنا لأنفسنا اولاً ، و غاية لنقل رسائل إيجابية تعزز من روح العمل و التفاني ثانياً .
في الختام ،،، لا تكونوا جـوقـةً لمخلفاتِ حــربٍ غير شريفة ، فجنودُ الوطن جاهزون لكل النهايات ، ليبقى الســؤال الأجــــدر بالوعي : متى ولمن نصفّق ؟