كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة
ختمنا مقالنا السابق بتأكيدنا على أن كثيرًا ما تخلط المنظمات بين أهدافها (ما تريده ومتى؟) وبين استراتيجياتها (كيف ستحقق الأهداف؟). وقررنا في حينه أن التنبؤ يتعلق بتوقع المستقبل بأكبر قدر ممكن من الدقة من خلال النظر في جميع المعلومات المتاحة، بما في ذلك البيانات التاريخية والمعرفة بأي أحداث مستقبلية قد تؤثر على التنبؤات. في حين أن الأهداف هي ما تود حدوثه.
يجب ربط الأهداف بالتنبؤ والخطة، ولكن للأسف هذا ما لا يحدث دائما، فكثيرا ما يتم تحديد الأهداف دون أي خطة لكيفية تحقيقها، ولا توجد توقعات حول ما إذا كانت واقعية. أما التخطيط ووضع الخطة فهو استجابة حتمية للتنبؤات والأهداف، وبلغة أخرى هو تحديد الإجراءات المناسبة المطلوبة لجعل توقعاتك تتناسب مع أهدافك.
لنفترض أن شركة (ما) متخصصة في عمل الأنفاق أرادت -على سبيل المثال- بناء نفق عبر جبل وفرض رسوم بالمقابل على كل من يسلك هذا النفق لكسب المال لمساهميها، وكان المقرر أن يتم استكمال العمل خلال خمس سنوات، وفي خضم عمليات الحفر ظهر لديهم منجم ذهب! فهل ستقوم الشركة بتعليق الأنشطة في النفق والانشغال بجمع الذهب؟ أي أنها ستنشغل بتحقيق هدفها في جني المال، أم أنها ستلتزم باستراتيجيتها في بناء الأنفاق؟ لو كنت أنت صاحب قرار ماذا كنت ستفعل؟.
لطالما اعتبر تحليل الأهداف وتحديدها خطوة رئيسية في التخطيط الاستراتيجي الرسمي. للأسف، نادرا ما يكرس المخططون غير المخضرمين الكثير من جهدهم لهذه الخطوة. وفي نموذج سيارة EDSEL – الذي اعتمدته شركة فورد –كانت علاقة سبب قرار هذا الاعتماد -الذي تمت مناقشته فيما بعد – بأهداف الشركة لا تزيد عن 1٪ على أبعد تقدير.
لعل الصعوبة في تحديد الأهداف كان السبب في قيام البعض بتجاهل هذه الخطوة، أو على حد تعبيرنا ( بسلقها كما يسلق البيض )! مع أن الصواب أن يتم تخصيص الوقت والمال الوفير لتحديد وتحليل الأهداف، ولو من خلال استخدام مستشار خارجي، مع ضرورة الانتباه إلى إلى أن هذه المرحلة لا ينبغي أن تكون محكومة بكيفية تحقيق الأهداف، بل حدد وحلل ثم انظر بعدها في كيفية تحقيق ما يمكن تحقيقه منها.
في هذا السياق من الضروري جدا أن يتم تحديد من هم أصحاب المصلحة، والأخذ بعين الاعتبار أن لكل مجموعة منهم أهدافا قد تتضارب أو تتعارض مع أهداف الآخرين. ففي قضية نموذج إيدسيل لشركة فورد كان أصحاب المصلحة يتكونون من: الدائنين ، وحملة الأسهم ، والموظفين ، والمستهلكين ، والموردين ، والتجار ، والمجتمع المحلي. وهنا سيقوم المعنيون بالتخطيط برصد أهداف كل مجموعة منهم على حدة، فمثلا: العائد على الاستثمار (ROI) هو الهدف لحملة الأسهم ؛ والاستقرار والأجور الجيدة وظروف العمل الجيدة هو الهدف للموظفين؛ والمنتج الآمن والموثوق بسعر منخفض هو الهدف للمستهلكين؛ وعائد الاستثمار هو أيضا الهدف للتجار. وبعد تحديد هدف كل مجموعة من أصحاب المصلحة يتم وضع تدابير محددة لكل هدف، فعلى سبيل المثال: ينبغي أن يتجاوز صافي عائد الاستثمار بعد خصم الضرائب 10 في المائة سنويًا. في حين أن هدف قرار فورد بإدخال نموذ إيدسيل لسوق السيارات لم يتعد أن تحصل الشركة على أكثر من 3.5 في المائة من سوق السيارات، ولم يتم النظر إلى أهداف أصحاب المصلحة الآخرين، وهذا كان سبب الكارثة.
إجراء تحليل نقاط القوة والضعف يكون عقب ذلك كله، وهذا يستدعي جرد موارد المنظمة (مثل المالية ، والتسويق ، والإنتاج). وماذا لديهم الآن؟ وماذا يخططون؟ ثم يتم استخلاص الأهداف مما هو مرغوب فيه (تحليل أصحاب المصلحة)، وما هو ممكن (تحليل نقاط القوة والضعف). ثم وفي النهاية، وبعد مقارنة ماهو مكتوب ومستخلص، سيصل المختصون إلى صورة الأهداف النهائية العامة، والتي سيتم عقبها ترجمتها إلى أهداف أكثر تحديدا بحيث يتمكن كل صانع قرار من رؤية كيفية المساهمة في الأهداف العامة.
لا ينبغي الاكتفاء بتحديد الأهداف!.. بل يجب أن تكون قابلة للقياس. فما لايمكن قياسه لا يمكن إدارته.
أحد أهم المخاطر في التخطيط هو أن الأهداف قد تختلط مع الاستراتيجيات.
على سبيل المثال: قد تقرر الشركة أن إحدى الإستراتيجيات – لتلبية احتياجات أصحاب المصلحة بشكل أفضل – هي زيادة حصتها في السوق خلال السنوات الخمس المقبلة. ولكن قد يخطيء قسم التسويق فيعتبر هذه الاستراتيجية هدفا للشركة. لتجده وبعد مرور خمس سنوات، لا زال مستمرا في السعي وراء حصته في السوق – حتى لو كان ذلك ضارًا بأهداف الشركة. (استمروا في بناء النفق وتجاهلوا الذهب).
قد يجادل البعض ويرون أن الأهداف المكتوبة المحددة تخلق مشاكل سياسية داخل المنظمة، وأن الأهداف الغامضة تسمح بأكبر قدر من المرونة في الإجراءات، وهذا ما يفضله غالبًا القادة ذوو التوجهات السياسية، فهم يميلون لعدم ذكر الأهداف؛ لكن الأدلة من الدراسات في السلوك التنظيمي تشير إلى أن الأهداف الواضحة والمحددة ذات فائدة كبيرة، خاصة عند استخدامها مع خطوات التخطيط الأخرى.
ختاما .. وبمجرد تحديد الأهداف، سيتمكن المخططون من المضي قدمًا في إنشاء الاستراتيجيات. فالاستراتيجية مجرد بيان حول الطريقة التي يجب أن تتحقق بها الأهداف. وهي هنا تابعة للأهداف، أي أنها ذات صلة فقط بالقدر الذي تساعد فيه على تحقيق الأهداف. وإذا كان إعداد الهدف ناجحًا، فستكون الخطوات المتبقية –بالطبع- أسهل.
للحديث تتمة .. دمتم بخير