مديونية الجامعات الرسمية بين الواقع والتضخيم

6 يوليو 2023
مديونية الجامعات الرسمية بين الواقع والتضخيم

أ.د. عبدالله سرور الزعبي

لم أفصل في السابق بين الجامعات الوطنية، الا انني اليوم سأتطرق للجامعات الرسمية من حيث المديونية فقط، وخاصة بان الجامعات الوطنية الخاصة لا تعاني من مثل هذه المشكلة، لا بل تحقق ارباحاً في نهاية كل سنة مالية.

لقد لوحظ بان الحديث الرسمي والشعبي يزداد منذ أكثر من عقد من الزمن عن أسباب مديونية الجامعات الرسمية، فالبعض يعزي ذلك لنقص في التمويل الحكومي، او انخفاض رسوم الساعات المعتمدة (مع انها مساوية تقريباً لرسوم الساعات في معظم التخصصات في الجامعات الخاصة)، او الى تكلفة دراسة الطلبة المستفيدين من قانون التقاعد (الجسيم)، او قلة الاستثمارات الجامعية، والبعض يشير الى كل ما ذكر من الاسباب. الا انهم اغفلوا السبب الرئيسي للازمة المالية للجامعات، والذي يعود الى القرارات الإدارية الخاطئة او الاسترضائية منها لتحقيق الشعبوية، والتي لا تظهر اثارها المالية مباشرة عند اتخاذها، (هذا ما خلص اليه لقاء جامعة اليرموك التشاوري الذي عقد في بداية العام، حسب ما أعلمنيبه أحد نواب الرئيس السابقين في الجامعة، والذي حضر اللقاء).

ان المدقق في التصريحات الصادرة عن أصحاب القرار بخصوص مديونية الجامعات، يجد الاختلاف الكبير فيها، فعلى سبيل المثال، صرح وزير التعليم العالي السابق، وحسب المنشور بتاريخ 10/1/2022 بان مديونية الجامعات الرسمية بلغت 100 مليون دينار، ثم تبعها تصريح اخر وبتاريخ 7/6/2022 يقول فيه بان مجموع موازنة الجامعات الرسمية بلغ 619 مليون دينار ومديونيتها 100 مليون، وهذا يعني بان نسبة الديون الى موازنة الجامعات الكلية هي بواقع 16.5%، يتبعها تصريح اخر المنشور في الغد وبتاريخ 7/9/2022 من قبل نفس الوزير يقول فيه، بان مديونية 8 جامعات بلغت 173 مليون دينار، ويشير فيه لوجود ذمم مالية لصالح الجامعات على الجهات الباعثة بلغت 107 مليون دينار. الا انه وخلال الحلقة النقاشية التي عقدت في منتدى شومان الثقافي وبحضور رؤساء الجامعات تم نشره بتاريخ 18/12/2022 يبين ان مديونية 8 جامعات بلغت 192 مليون دينار.

ان المتتبع لمثل هذه التصريحات يجد انه من غير المنطقي ان تقفز مديونية الجامعات من 100 مليون في حزيران الى 173 مليون دينار في أيلول ومن ثم الى 192 مليون دينار في كانون اول خلال عام 2022. ان مثل هذه التصريحات، امر يثير الاستغراب، وقد يعود الى وجود خلل في التقارير المالية المقدمة لوزارة التعليم العاليمن بعض الجامعات (فعلى سبيل المثال، سبق وأعلنأحد رؤساء الجامعات في شهر اذار بان مديونية الجامعة التي يترأسها بلغت 20 مليون دينار، ليعود ويخاطب الوزارة بكتاب رسمي في شهر تموز من ذات العام يدعي فيه بان مديونية الجامعة تزيد عن 40 مليون دينار). كما انه لمن الملاحظ احياناً بان بعض رؤساء الجامعات يعمد الى اظهار وجود عجز مالي في حسابات الجامعة الختامية وعلى العكس من الواقع الحقيقي الذي يبين وجود وفر مالي فيها(مثال على ذلك، قيام احدى الجامعات برفع قيم مساهمة الجامعة السنوية في بعض بنود الحسابات المالية والمقرة رسمياً وبما يزيد عن المبلغ الحقيقي بأربع مرات ونصف، وفي بند اخر بزيادة بنسبة تقارب 48℅وغيرها، بهدف اظهار بان الجامعة تعاني من عجزاً مالي وبخلاف الواقع)، والغريب في الامر ان مثل هذا الاجراء يمرر من خلال مجالس الأمناء والتعليم العالي دون التوقف عنده او اتخاذ أي اجراء. وهنا اتفق مع ما تم نشره من قبل تيسير النعيمات والمنشور في الغد وبتاريخ 29/6/2022، شريطة ان يقرا ايضاً وبالعكس واقتبس “التجارب، اثبتت انه في كثير من الأعوام، تقر موازنات تجميلية غير واقعية لبعض الجامعات، ليتم اكتشاف الخلل فيها بعد مغادرة رئيس الجامعة لموقعه، ويأتي جديد، ليكتشف ما خلفه سابقه من عجز في الموازنة …” وقول للأستاذ تيسير، بان بعض الرؤساء الجدد عمدوا الى تغير الواقع وتضخيم الأرقام لإظهار الجامعة بانها تعاني عجزاً مالياً وهي لديها وفر.في مثل هذه الحالة، أرى ان الامر يتطلب عقد لقاء في بث مباشر ومتلفز ما بين رئيس الجامعة السابق والذي يخلفه لكشف الحقائق للجميع.

انه لمن المدهش ان يتم الحديث عن ارتفاع مديونية الجامعات بنسبة وصلت الى اقل بقليل من الضعف خلال ستة شهور من عام 2022، وعلى الرغم من ان معالي وزير التعليم العالي الحالي وامام مجلس النواب قدأعلن(شباط، 2022) عن العجز والوفر المالي السنوي للجامعات الرسمية، حيث تبين بان 4 جامعات انهت السنة المالية 2020 بوفر مالي بلغ مجموعة ما يزيد عن 10 مليون دينار، وفي ذات الوقت بلغ العجز السنوي لستة منها ما يقارب 17.3 مليون دينار، الامر الذي يجعلنا نتساءل من اين أتت هذه القفزات في مديونية الجامعات والتي التي اعلن عنها في النصف الثاني لعام 2022؟ وما الهدف من وراء ذلك؟ ومن هنا لا بد من تدخل هيئة النزاهة وديوان المحاسبة (وخاصة بعد ان تم تعيين رئيساً جديد له، وهو الأكاديميالمشهود له بقدراته المهنية والحيادية ومطلع على الية اعداد حسابات الجامعات الختامية والمعتمدة على الاساس النقدي) للوقوف على حقيقة الامر، ولمعرفة ان كان هناك تضخيم في بنود حسابات الجامعات الختامية والعجز المالي السنوي والتراكمي لهالبيان الحقيقة.

هذا مع العلم بان الكثير من الجامعات الرسمية لديها ذمم دائنة على الجهات الباعثة للطلبة تقدر بحوالي 107 مليون دينار (حسب تصريح وزير التعليم العالي السابق للغد بتاريخ 7/9/2022)، وعند عمل مقاصة بين الذمم الدائنة والذمم المدينة لها نجد ان الكثير منها يصبح لديها فائض مالي وليس عجزا كما يتم الإعلان عن ذلك.

على الرغم، من ان مديونية الجامعات، هي عملية تراكمية، كنتيجة لأخطاء سبق وان ارتكبت في الجامعات، الا ان الخروج منها عملية ممكنة في حال توفرت الإرادة والشجاعة في اتخاذ القرارات التي تخدم الجامعة (هناك حالات، بلغ الأثر المالي الإيجابي لعدد من القرارات الإدارية المتخذة ما يزيد عن 35 مليون دينار خلال اقل من 5 سنوات، الامر الذي اخرج احدى الجامعات من أزمتها المالية) والبعيدة كل البعد عن القرارات الشعبوية والاسترضائية والمناطقية.

لقد حان الوقت لمراجعة الية تقديم الدعم الحكومي للجامعات وخاصة التي يعتبر أدائها المالي بمرتبة جيد (جامعة العلوم والتكنولوجيا والهاشمية والألمانية) او التي تعافت من ازماتها المالية المتراكمة (الجامعة الأردنية والبلقاء التطبيقية وال البيت الى حد ما) ووضع خطة إصلاحية لبقية الجامعات ضمن فترة زمنية محددة لا تتجاوز 3 سنوات، للخروج من ازماتها المالية، والإبقاء على الدعم لجامعة الطفيلة التقنية والحسين بن طلال وال البيت بدرجة اقل. ان مثل هذا الاجراء سيؤدي الى توفير مبالغ مالية تقدر بعشرات الملايين من الدنانير من الموازنة المخصصة للتعليم العالي، والتي يمكن استغلالها في انشاء صندوق استثماري خاص وتوجيه ايراداته في التوسع بدعم او اقراض الطلبة في الجامعات الوطنية.