‏ماهرون ب”تطفيش”الكفاءات الوطنية

6 يوليو 2023
‏ماهرون ب”تطفيش”الكفاءات الوطنية

حسين الرواشدة

‏لا يوجد لدي إحصائيات دقيقة عن عدد الكفاءات الأردنية التي هاجرت للخارج ، خاصة في مجال التعليم ، المعلومات المتوفرة تشير إلى أن أعدادهم بالمئات ، هؤلاء لم يخرج معظمهم بحثا عن وظيفة، او دخل أفضل ، وإنما تم التضييق عليهم من مؤسساتهم ، فهربوا منها مكرهين ، ثم استقطبتهم مؤسسات بدول شقيقة أو صديقه، وقدمت لهم عروضا بامتيازات مغرية ، لأنها قدرت فعلا ما لديهم من خبرة وكفاءة، فآثرت الاستفادة منهم .

‏أخشى ما أخشاه ،أن يتم تعميم ظاهرة “التطفيش ” على مؤسساتنا التعليمية( وربما الصحية وغيرها أيضا) فنصحو ذات يوم على واقع جديد، نبحث في عن كفاءة أو خبرة فلا نجدها، هذا الواقع ليس افتراضيا ولا بعيدا ، وإنما ثمة مؤشرات عديدة تحذرنا من اننا سنصل إليه إذا استمر بعض المسؤولين الماهرين الذين جاءوا للمواقع العليا بمحض الصدفة (لدينا منهم الكثير)بتضييق الخناق على الكفاءات التي تعمل معهم ، سواء بدافع الخوف من منافستهم على مواقعهم ، أو بدافع التخلص من أصواتهم الحرة التي قد تكشف أخطاءهم الإدارية ، أو لأي أسباب أخرى.

‏آخر نسخة من عملية ” التطفيش” جاءت من إحدى جامعاتنا الرسمية ، فبعد مسيرة 20 عاما لاحد الأساتذة العاملين فيها ، كانت حافلة بالمضايقات ، حيث رفع خلالها سبع قضايا على الجامعة وأنصفه القضاء ،حتى الآن ، في خمسة منها ، وبعد سلسلة طويلة من الاستهدافات الإدارية غير المفهومة، اضطر الرجل لقبول التوقيع على عقد مع إحدى الدول الشقيقة ، بأضعاف أضعاف الامتيازات التي كان يحصل عليها في جامعته.

‏تصور أن احد أفضل أساتذة العلوم السياسية في الأردن ،وربما الشرق الاوسط ، كان يقضي معظم خدمته بالمحكمة ،ولجان التحقيق ،ولم يستلم أي موقع قيادي بالجامعة ،على الرغم من خبرته الطويلة ، ولم يتفطن أحد لتكريمه ، ومع ذلك لم يتوقف عن نشر عشرات البحوث العلمية الرصينة، بأهم المجلات العالمية شهرة، ثم يخرج من جامعته وهو يقدم رجلا و يؤخر أخرى ، لانه حريص على أن يصب خبراته في بلده، ولم يكن يخطر بباله أن يضطر للهجرة منه ، يقسم بالله انه لو توفرت له بيئة جامعية مناسبة ، ولم يتم التضييق عليه بشكل ممنهج ، لبقي في جامعته ، يخدم بلده بكل رضا ،وراحة ضمير.

‏لدي نماذج أخرى لأساتذة، ومعلمين ،وكفاءات إدارية وصحية، وغيرها ، عملوا في مؤسساتنا الوطنية سنوات طويلة، وحاولوا أن يقدموا أفضل ما لديهم في مجال تخصصاتهم، بعضهم اصطدم بجدار ” التطفيش”، فخرج وتم إستقطابه من قبل مؤسسات بالخارج ، وبعضهم تم الاستغناء عن خدماته ، ولكنه ظله في البلد ينتظر فرصة عمل ، وما يزال، هؤلاء يشعرون الآن بمزيد من القهر والأسى والوجع ، جراء ما وقع عليهم من ظلم ، صحيح بعضهم وجد من يقدّر خبراته بالخارج ، لكنهم جميعا لم يتحرروا من الحنين لوطنهم ، والغضب على من دفعهم للهروب منه، او من اهدر كفاءتهم وخبراتهم وبخل بها على بلدهم .

‏لو كان بيدي قرار ،أي قرار ، لمنعت أي خبرة اردنية ، تحتاج إليها مؤسستنا، من السفر والهجرة إلى الخارج، واستثمرت بكل الكفاءات التي تم اقالتها او تعطيلها ، ووفرت لهم كل ما يحتاجونه من أسباب العمل والراحة ، و مناخ الإبداع والإنتاج ، فهولاء يشكلون “رأسمال “وطني لا يقدر بثمن ، وبدل أن نظل نشكو من تراجع التعليم والصحة وغيرهما ،الحل موجود حافظوا على هذه الكفاءات والخبرات ، وطنوها واستثمروا فيها ، عندئذ سنتقدم في هذه المجالات ، ونستقطب الأشقاء للدراسة أو الطبابة في بلادنا ، بهذا نحرك عجلة الاقتصاد والتنمية ،والإبداع ، ونصبح نموذجا منافسا يحضى بأفضل درجات الترتيب على المؤشرات العالمية ، و بأفضل سمعة علمية لابنائنا الذين يدرسون ويتخرجون من جامعتنا ، وللآخرين الذين يبحثون عن الملهمين لإخراجهم من الإحباط الذي اغرقناهم فيه .
يا ليت قومي يسمعون.