قراءة في دستورية نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية في مؤسسات التعليم العالي

23 يونيو 2023
قراءة في دستورية نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية في مؤسسات التعليم العالي

الدكتور مهند صالح الطراونة محامي ومستشار قانوني

في إستعراض موجز هلا قلبنا الآثار القانونية والموضوعية التي رتبها “نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية في مؤسسات التعليم العالي رقم (68) لسنة 2022 ، والذي جاء إعمالاً لنص المادة (20/أ) من قانون الأحزاب السياسية رقم (7) لسنة 2022 ، التي نصت على أن ” يحق لطلبة مؤسسات التعليم العالي الأعضاء في الحزب ممارسة الأنشطة الحزبية داخل حرم تلك المؤسسات من دون أي تضييق أو مساس بحقوقهم ، على أن يصدر نظام خاص بتنظيم هذه الأنشطة ” ، وقد جاء هذا النظام جزءاً مهما من سلسلة الإصلاحات السياسية لصناعة مستقبل سياسي وحزبي في المملكة ، وبما يتوافق مع مخرجات عملية التحديث السياسي والتي أكدت على تمكين الشباب من المساهمة في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، وتنمية قدراتهم ودعم إبداعاتهم وإبتكاراتهم ، في خطوة تشريعية متطورة رسم سياستها سيد البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه وجه بها الحكومات لتتخذ ماتراه متوافقا مع هذه السياسة.
ولعل من أهم النواحي الموضوعية التي يمكن إثارتها بشأن النظام قدرته تحقيق التوازن بين حق الدولة بالمحافظة على مؤسساتها التعليمية وبما يناط بهذه المؤسسات من مهام التعليم والبحث العلمي والتأهيل التدريب ، وبين حق الطالب في ممارسة الأنشطة الحزبية المرخص بها والتي راعت المحاذير التي نص عليها الدستور و التشريعات المختلفة.
ولإبداء الرأي بشأن ذلك ،نعرض للنصوص الدستورية والقانون ذات الصلة بنظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية في مؤسسات التعليم العالي ، ثم نتبع ذلك بالتحليل القانوني لوصف النظام وأهم الملاحظات التي ترد عيه ، وذلك كما يلي:

في النصوص الدستورية

تنص المادة (6/ البند7) من الدستور على أن :” تكفل الدولة تعزيز قيم المواطنة والتسامح وسيادة القانون وتكفل ضمن حدود امكانياتها تمكين الشباب في المساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتنمية قدراتهم ودعم ابداعاتهم وابتكاراتهم” ، وكفلت المادة (15 /البند 1) من الدستور مبدأ حرية الرأي حيث نصت على أن : ” تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.” و نصت المادة (16) من الدستور على أن ” -على أن ” 1- للأردنيين حق الإجتماع ضمن حدود القانون.2 – للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور.3- ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية ومراقبة مواردها.” ، وجاء نص المادة (128/ البند 1) ليؤكد على مبدأ أن لاتؤثر القوانين على جوهر الحق حيث نص على أن :” لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.

في وصف النظام
وبإستعراض نصوص النظام ، وجد أنه يـتألف إحدى عشرة مادة من على النحو التالي : المادة (1) تسمية النظام ، والمادة (2) تعريفات لمصطلحات أينما وردت في نصوص النظام منها تعريف مؤسسة التعليم العالي : وهي المؤسسة التي تتولى التعليم العالي سواءً كانت جامعة أو كلية جامعية أو كلية مجتمع متوسطة أو غيرها، وتعريف للنشاط الحزبي بأنه : الانشطة التي يحق للطلبة ممارستها في مؤسسة التعليم العالي وفقا لأحكام هذا النظام والتعليمات الصادرة بمقتضاه، وكذلك تعريف للحرم الجامعيبانه :المباني والأراضي والحدائق والساحات ومرافق الخدمات التابعة لمؤسسة التعليم العالي المخصصة لأعمالها ونشاطاتها سواء ما وقع منها في مقر مؤسسة التعليم العالي أو خارجها. وحددت المادة (3)
الحقوق التي يمكن الطلبة عند ممارستهم للأنشطة الحزبية داخل الحرم الجامعي ، فيما تناولت المادة (4) الإلتزامات التي تقع على الطالب اثناء ممارسته الأنشطة الحزبية ، والمادة(5) تناولت بالتنظيم الإجراءت الشكلية الخاصة بالطلب الذي يقدم من اجل إقامة النشاط الحزبي ومشتملات هذا الطلب ،وجاءت المادة (6) لتتناول نطاق الصلاحية التي تمارسها عمادة شؤون الطلبة وعميدها حيال الطلب الذي يقدم من اجل ممارسة النشاط الحزبي داخل بحيث يملك العميد صلاحية الموافقة أو الرفض أو عدم الرد ، ويفسر عدم الرد بالموافقة الضمنية على الطلب ،وتناولت المادة الشرط الزمني للرد على الطلب وصلاحية العميد في حال الموافقة بتغيير مكان وزمان وبرنامج النشاط ، فيما حددت المادة (7) على مؤسسات التعليم العالي عدد من الافعال تشمل “مساءلة الطالب أو التعرض له بسبب ممارسة النشاط الحزبي المسموح بممارسته ، الانحياز لصالح أي حزب أو التأثير على الطلبة المنتمين للأحزاب بأي شكل من الأشكال، الترويج لأي حزب بأي وسيلة من الوسائل بما فيها الالكترونية،السماح استخدام أي مكان في الحرم الجامعي كمقر أو مكتب للحزب ، وكذلك نصت المادة على أنه يحظر على أعضاء الهيئة التدريسية في مؤسسة التعليم العالي وجميع العاملين فيها المشاركة في الأنشطة الحزبية التي تمارس من قبل الطلبة داخل الحرم الجامعي ، وكذلك التأثير على الطلبة بأي شكل من الأشكال بسبب انتمائهم الحزبي ، فيما نصت المادة (8) على إلتزام مؤسسة التعليم العالي بتشكيل مجالس طلبة أو اتحادات أو جمعيات أونواد طلابية وكذلك إتاحة الفرصة لجميع الطلبة الحزبيين وغير الحزبيين بممارسة حقهم في الترشيح والانتخاب في أي منها وفق تعليمات يصدرها المجلس لهذه الغاية ،وألزمت المادة (9) مؤسسة التعليم العالي بتعديل أي أنظمة أو تعليمات صادرة عنها تتعارض مع أحكام هذا النظام خلال مدة لا تزيد على مائة وثمانين يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ، والمادة (10) نصت على عدم سريان أحكام النظام على مؤسسات التعليم العالي التابعة القوات المسلحة الأردنية أو الأجهزة الأمنية ، وأوكلت المادة (11) لمجلس التعليم العالي إصدار التعليمات اللازمة لتنفيذ أحكام النظام.

في الجانب الموضوعي
حيث أن الأصل العام لسلطة المشرع في إصدار التشريعات أنها سلطة تقديرية مالم يكن الدستور قد فرض عليه في شأن ممارستها ضوابط محددة تحد من إطلاقها، بإعتبار أن جوهر هذه السلطة يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، موازناً بينها ومرجحاً لما يراه أنسبها لمضمونها وأجدرها بتحديد مصالح الجماعة وإختيار أصلحها ملائمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله التنظيم ، وحيث أن القانون بمفهومه الواسع إنما هو مفرز ضرورة اجتماعية ،ومن ثم فلا تثريب على المشرع إن قدر بشأن مسألة ما اختصاصها بنص تشريعي ، يكرس لها بين دفتي القانون أو نظام صادر لتفصيل هذا القانون ، في إطار ما يقدره من اعتبارات.

وحيث أن الفلسفة التشريعية التي تقوم عليها الأنظمة ،ومنها نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية الطلابية في مؤسسات التعليم العالي رقم (68) لسنة 2022، إنما تؤسس على الغايات التي مصدر النظام أو مجلس الوزراء ويهدف إلى تحقيقها، والتي يقدرها ويطورها، بما يدخل في إطار سلطته التقديرية، وبالنظر إلى ما تفرضه ظروف الواقع ،إلا أنها تجد حدها في عدم الخروج على القيود والضوابط والمبادئ التي نص عليهاالدستور والقانون وفي عدم المساس بالحريات والحقوق العامة التي كفلتها نصوصه،وترتيبا على ماتقدم فإنه لا مرية من إصدار مثل هذا النوع من الأنظمة الذي يستند على حق سياسي هام بل أنه إصداره يعتبر ضرورة ملحة لوضع قانون الأحزاب حيز التنفيذ وإعمال النص الدستور في تمكين الشباب من ممارسة الحياة السياسية حيث جاء النظام جاء موافقاً للنصوص الدستورية والقانونية منها ، وبالذات نصي المادتين (6/ 7) و (128/ 1) من الدستور ،وكذلك نص المادة (20/أ) من قانون الأحزاب السياسية رقم (7) لسنة 2022إلا أن ثمة بعض الجوانب الموضوعيه أرى انه من المستحسن إعادة تقديرها وهي كالآتي:

-ورد نص تعريف الحرم الجامعي في المادة رقم (1) من النظام أنه: “المباني والأراضي والحدائق والساحات ومرافق الخدمات التابعة لمؤسسة التعليم العالي المخصصة لأعمالها ونشاطاتها سواء ما وقع منها في مقر مؤسسة التعليم العالي أو خارجها ” واقترح أعادة صياغة التعريف بحيث يتم إضافة من هو في حكم الحرم الجامعي كالمنصات الإلكترونية التي تشغل وتدار تقنياً من داخل مباني أو حدود الجامعة ، حيث من الممكن أن تقام أي من النشاطات عبر هذه المنصات وحتى يشملها التنظيم.
– منحت المادة (6/ الفقرات ب ، د، هـ) من النظام محل الرأي 7عميد شؤون الطلبة نطاقاً واسعاً من الصلاحيات وبالرغم من أن هذه الصلاحيات لها مايبررها من إذا من الممكن أن تؤثر إقامة أي فعالية حزبية داخل حرم مؤسسة التعليم العالي على حقوق الطلبة غير الحزبيين داخل الحرم ، او على سير مؤسسة التعليم العالي كمرافق للتعليم ، إلا ان فرض هذه القيود وبهذه الصورة فيها توسعا غير مبرر في الإستثناء على الأصل العام الدستوري لممارسة هذا الحق.
ولمزيد من التوضيح إن النصوص الدستورية- متقدمة الذكر- نص المادة (6/ البند7) ، ونص المادة (15 /البند 1) ، ونص المادة (16) ، وكذلك نص المادة (128/ البند 1) من الدستور، رسخت مباديء دستوريه هامة مؤداها أن حق ممارسة الأنشطة الحزبية تندرج تحت إطار حرية الفكر والرأي ، وحق تمكين الشباب للعمل السياسي وأن جميعها حقوقا سياسية تعتبر من الحقوق العامة التي حرص الدستور على كفالتها وتمكين الشباب من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قادتهم وممثليهم في إدارة الدولة وتشكيل الحكومات ورعاية مصالح الجماعة بشكل عام . ولم يقف الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ممارسة تلك الحقوق وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة عن طريق ممارسته لها واجباً وطنياً يتعين القيام به في أكثر مجالات الحياة أهمية لاتصالها بالسيادة الشعبية، ومن ثم فإن القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذه الحقوق يتعين ألا تؤدى إلى مصادرتها أو الانتقاص ، ويستفاد من ذلك نصي المادتين (20/أ) و (4/د ) من قانون الأحزاب السياسية.
وعليه وحتى نخرج من هذه الإشكالية التنظيمية والتي قد تدخلنا في حومة عدم الدستورية أرى أن منع أو تقييد أي من أنشطة ممارسة العمل الحزبي داخل مؤسسات التعليم العالي إستثناء وأن الإستثناء لا يجوز التوسع فيه طالما أن القائمين على إقامتها من الطلبة إلتزموا بأنظمة مؤسسات التعليم العالي، وفي قواعد ممارسة العمل السياسي للاحزاب المنصوص عليها في المادة (15) من قانون الأحزاب ، وإن كان النشاط خلاف ذلك أن تشكل لجنة في عمادة شئون الطلبة يرأسها عميد شئون الطلبة وتكون قراراتها بأغلبية الأعضاء الحاضرين للبت في أي قرار يتعلق بممارسة الأنشطة الحزبية داخل حرم المؤسسة التعليمية وأن تكون قراراتها مسببه.
– حظرت في المادة (7/ ب/ 1) من النظام على أعضاء هيئة التدريس في مؤسسة العالي وجميع العاملين فيها المشاركة في الانشطة الحزبية التي تمارس من قبل الطلبة داخل الحرم الجامعي ، وأرى أن في ذلك مخالفة لقانون الأحزاب على النحو الموضح سلفا،سيما وان الأحزاب تقدم برامج للإدارة وليس للتنظير السياسي وخير من يقود الفكر الحزبي داخل الجامعات وخارجها الأستاذ الجامعي.
– أخيرا أرى أن نظام ممارسة العمل الحزبي وما تمخض عنه من تعليمات يجب أن يقرأ من مع جميع أنظمة وتعليمات مؤسسات التعليم العالي حتى تتكامل هذه النصوص القانونية مع أهدافها التي ترنوا إليها ومن ذلك على- سبيل المثال لا الحصر- نص المادة (18/الفقرة ب ) من “نظام البعثات الدراسية في الجامعات وكليات المجتمع الأردنية لأبناء ضباط وأفراد القوات المسلحة الأردنية لسنة 1980 وتعديلاته ” والتي حددت حالات إنهاء بعثة الطالب المستفيد من المكرمه حيث تنص على أن حالات” إنهاء البعثة” ب-إذا إنتمى إلى أي حزب أو أقام بأي نشاط سياسي لا يتفق ومصلحة المملكة وسياستها العليا وثبت ذلك بموجب تقرير من الجهات الأمنية أو الجامعة أو الكلية المبعوث إليها ……” وعليه يقتضى الاتنويه في إعادة صياغة هذه النصوص ومراجعتها حتى تتسق مع مشروع الإصلاح الوطني في تنمية وتمكين الشباب في ممارسة حقوقهم السياسية وخلق منهم قادة فكر وقادة سياسة.

tarawneh.mohannad@ yahoo.com

*محامي ومستشار قانوني*

عليه، فإن أية قيود قد تفرض على ممارسة الأعمال الحزبية يجب أن تكون استثناء على الأصل الدستوري العام، وأن تكون متوافقة مع المعايير الدولية الخاصة بتنظيم الحقوق والحريات الأساسية، والتي تشترط في القيود على الحق في تأسيس الأحزاب السياسية والانتساب إليها أن ترد بنصوص واضحة وصريحة في القانون الوضعي، وأن تكون ضرورية في أي مجتمع ديمقراطي لحماية النظام العام والأمن الوطني.

المادة 6- أ- تلتزم العمادة باصدار قرارها في طلب إقامة النشاط الحزبي خلال مدة لا تزيد على خمسة أيام عمل من تاريخ تقديمه.

ب‌- في حال عدم صدور القرار خلال المدة المنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه المادة يعتبر الطلب موافقا عليه حكماً.

ج‌- يحق لمقدمي الطلب الاعتراض خلال ثلاثة أيام عمل من تاريخ تبليغهم بقرار الرفض لدى رئيس مؤسسة التعليم العالي ويعتبر القرار الصادرعنه نهائيا.

د‌- للعميد بعد صدور قرار الموافقة على اقامة النشاط الحزبي تعديل زمانه أو مكانه أو برنامجه على أن يكون القرار مسببا.

هـ- للعميد وقف النشاط الحزبي خلال انعقاده إذا تم ارتكاب أي فعل يخالف التشريعات النافذة أو النظام العام.