جاهةٌ اوروبية

12 يونيو 2023
جاهةٌ اوروبية

د. عادل يعقوب الشمايله

توجهت جاهة تتألف من عدد من وجهاء الدول الاوروبية تضم رئيسة وزراء ايطاليا ورئيسة وزراء هولندا ورئيسة المفوضية الاوروبية واصدقائهم وأنسبائهم الى تونس لخطبة يد الادارة التونسية لصندوق النقد الدولي.
ترسخ في أذهان الكثيرين من المُتابعين أن حكومات العالم المفلسة اداريا ثم ماليا هي التي تحبو على بطونها بإتجاه صندوق النقد الدولي للاقتراض مِنهُ. مصدرُ هذه القناعةِ هو وسائل الاعلام الغربية وتوابعها من إمَّعَاتِ وسائل اعلام الدول المفلسة.
كَشفت لنا أنباء المداولات التي طالت بين تونس وصندوق النقد الدولي الهادفة لإقراض تونس ملياري دولار، على ما ينقض تلك القناعة البائسة المُزَورةِ للحقيقةِ.
تمرُ تونس بأزمة اقتصادية ومالية معقدة اوصلها لها حُكمُ الاحزاب الفاسدة التي تولت السلطة منذ ما بعد زوال حكم بن علي. حيث تعطل انتاج وتصدير الفوسفات بسبب تنافس لصوص الاحزاب على تقاسمه بعيدا عن الخزينة العامة، كما تم نهب عوائد البترول الذي تنتجه تونس. ثم سيطرة عصابات الاحزاب على تجارة الجملة استيرادا وتصديرا الامر الذي مكنها من التحكم بالكميات التي تنزل الى الاسواق لرفع اسعارها التي تتجاوز مقدرة معظم التونسيين على شرائها. إضافة الى تسخير موارد الدولة لعبثية الاحزاب التي اخضعت القانون بدل أن تخضع هي للقانون وعزوف ملايين السياح الذين كانوا يقصدون تونس وبنفقون فيها المليارات من العملة الصعبة بعد أن تحولت تونس الى وكرٍ ومُصَدِرٍ لعشرات الالاف من دواعش سوريا.
ونظراً لتوقف النمو الاقتصادي وانحسار الاحتياطي من العملة الصعبة قدمت تونس الى صندوق النقد الدولي طلبا للحصول على قرض باعتبارها عضوا مساهما في الصندوق كبقية دول العالم.
وافق الصندوق الذي كان بانتظار هذه اللحظة مبدئيا على الطلب ولكنه ابلغ الحكومة التونسية “أن من يطلب الحسناء لا يغلهُ المهرُ”. استفسرت تونس عن المهر المطلوب غير ما هو متوقع وهو “الفوائد” المالية التي يفترض أنها المهرُ الوحيد. فتقدم لها الصندوق بصورة طبق الاصل عما يسميه الصندوق “برنامج التصحيح الاقتصادي” بأنه المهرُ المطلوب.
بقراءة الوثيقة وجدت الادارة التونسية أن الوصفة التي تحتويها الوثيقةُ تُطابقُ الوصفاتِ التي يقدمها الصندوق عادة للدول المُقترضةِ بغض النظر عن اختلاف الامراض الاقتصادية والمالية التي تعاني منها تلك الدول ابتداءاً من تجربة الارجنتين بعد انهيارها.
ونظراً لما اصبح مُدركاً وواضحا وثابتا أن جميع الدول التي تجرعت وصفات الصندوق لم تبرأ من امراضها بل تفشت فيها انواع السرطانات من المرحلة السابعة غير القابلة للشفاء ابداً، وأن مصيرها دخول غرفة العناية الحثيثة ولا تخرج منها، رفضت تونس ولا زالت ترفض تجرع دواء الصندوق الذي يُركزُ على ازالة انواع الدعم الذي تُقدمهُ الحكومة مما سيرفع اسعار السلع فوق طاقة الطبقتين الوسطى والفقيرة، وإفلاسِ كثيرٍ من الصناعات ومربي الماشية والمزارعين. ورفع معدلات الضرائب المعروفة واختراع عشرات الانواع الجديدة من الضرائب والرسوم والرخص والضرائب على الضرائب والرسوم وتقليص الانفاق الحكومي وخاصة الرأسمالي حتى يضمن الصندوق سداد الفوائد والاقساط.
هذا الوضع سيتسبب حتماً في زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتوقف بل تراجع النمو الاقتصادي وزيادة معدلي البطالة والفقر، وانطلاق ثورة الجياع.
يُصرُ صندوق النقد الدولي على أن تعترف تونس بأنها مُذنبةٌ بجريمةٍ عقوبتها الاعدام وأن تُوَقِعَ على إفادة الاعتراف التي كتبها الصندوق وعلى قبول قرار الحكم دون محام ودون استئناف.
ظلَّ الرئيس قيس سعيد مُلتزماً بموقفه منذ بِدءِ المباحثات بأنه لن يقبل بشروط الصندوق، ولهذا قَدِمتْ رئيسة وزراء ايطاليا الى تونس لأقناعه، ثم استعانت برئيسة وزراء هولندا وشيوخ ومخاتير الاتحاد الاوروبي وفرق من خبراء تدبير التدمير.
ومن أجل فتح شهية الادارة التونسية لبلع الدواء “السم” قررت ايطاليا تقديم معونة لتونس مقدارها ٧٠٠ مليون يورو.
طبعا ايطاليا والدول الاوروبية إضافةً لامريكا هم أكبر مساهمي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبالتالي المنتفعين منه. هذه الدول اوجدت الصندوق لخدمت اهدافها.
السؤال، لماذا اضطرت تونس لطلب القرض اصلا من صندوق التقد الدولي؟
الجواب، هو أنها لا تستطيع الحصول على قرض من أي بنك اوروبي او امريكي وحتى من مؤسسات الاقراض العربية والبنك الاسلامي الا اذا حصلت على شهادة حسن سلوك من صندوق النقد الدولي وشقيقه البنك الدولي. هذا الشرط يُطَبقُ على جميع الدول.
نأمل أن يتمكن الرئيس د. قيس سعيد من الصمود أمام ضغوط المؤسسات الدولية وداعميها التي لا تقبل أن تتمرد دولة وتخرج من القطيع. هذه الدول التي تصر على احتكار النمو والتقدم والرفاهية.
هذا هو الخبر كما أوردته محطة ال BBC البريطانيه.
“أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني الجمعة عن حزمة مساعدات من الاتحاد الأوروبي سيعلنها زعماء إيطاليا وهولندا والمفوضية الأوروبية خلال زيارتهم تونس الأحد.
وتأتي زيارة الوفد الأوروبي فيما تضغط الدول المانحة على الرئيس التونسي قيس سعيّد للموافقة على إجراء الإصلاحات اللازمة من أجل وضع اللمسات النهائية على قرض من صندوق النقد الدولي من شأنه أن يضخ أموالا إضافية في شكل مساعدات ثنائية.
والتقت ميلوني سعيّد في وقت سابق من هذا الأسبوع. إلا أن الرئيس التونسي لا يظهر ما يشير إلى استعداده للعدول عن موقفه”.