وطنا اليوم:في أيار 2023، نُشرت دراسة جديدة في المجلة العلمية Nature Sustainability، توضح تأثير الحرارة الشديدة على دول العالم، في حالة ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأكثر من 1.5 درجة مئوية خلال الخمسين عاماً المقبلة. والحرارة الشديدة تُعرَّف بأنها ارتفاع متوسط درجة الحرارة السنوية عن حوالي 29 درجة مئوية. ووجدت الدراسة أن الجزء الأكبر من سكان الشرق الأوسط سيتعرضون للحرارة الشديدة بحلول عام 2050.
وفي نيسان، بحثت دراسة أخرى، نُشرت في المجلة الطبية البريطانية لانسيت The Lancet، في عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة التي قد تحدث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إذا استمر ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
وقالت إن عدد سكان المنطقة الذين يموتون لأسباب مرتبطة بالحرارة كل عام من المرجح أن يرتفع من متوسط حوالي حالتي وفاة لكل 100 ألف شخص في الوقت الحالي إلى حوالي 123 لكل 100 ألف شخص خلال العقدين الأخيرين من هذا القرن.
وهذا يعني أنه بحلول عام 2100، من المحتمَل أن يموت حوالي 138 ألف شخص لأسباب مرتبطة بالحرارة كل عام في العراق، كما يقول تقرير لشبكة Deutsche Welle الألمانية.
ما مدى استعداد الشرق الأوسط لموجات الحر الشديدة القادمة؟
أشارت دراسة لانسيت أيضاً إلى أن التركيبة السكانية والانتقال المتنامي إلى المدن في الشرق الأوسط سيكون لهما دور في كيفية تأثير الحرارة الشديدة على السكان المحليين. فبحلول عام 2050، من المتوقع أن يعيش ما يقرب من 70% من السكان في المدن الكبرى وبحلول عام 2100، سيفوق عدد كبار السن عدد الشباب في المنطقة.
وكتب القائمون على الدراسة من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي ومعهد قبرص: “تقدم العمر والكثافة السكانية العالية من عوامل الخطر الرئيسية للأمراض والوفيات المرتبطة بالحرارة”.
وهذا لأن كبار السن ضعفاء جسدياً، وعادة ما تكون المدن أعلى حرارة بسبب ما يُعرف بتأثير “الجزر الحرارية الحضرية”، الذي يحدث بسبب أشياء مثل كثافة المباني، والشوارع الأسفلتية المعتمة التي تمتص الحرارة، ونقص الأشجار. ودرجة حرارة المدن قد تزيد على المناطق الريفية المحيطة بها بين درجتين و9 درجات مئوية.
وقالت إليني ميرفيلي، كبيرة مسؤولي الحرارة في “موئل الأمم المتحدة”، برنامج المستوطنات البشرية التابع للأمم المتحدة، لشبكة DW: “رغم أن الحرارة الشديدة واحدة من أكبر مخاطر الطقس، فغالباً ما يهوَّن من تأثيرها أو لا تلقى اهتماماً. ودرء هذا التهديد يحتاج من الحكومات مسار عمل واضح لزيادة الوعي والاستعداد والمواجهة”.
في الشرق الأوسط مطلوب خطط أفضل لمواجهة الحرارة الشديدة
تساعد إجراءات الحد من الحرارة المواطنين العاديين على التعامل مع الحرارة الشديدة. وهذه الإجراءات قد تشمل “مراكز التبريد” الحكومية- وهي عبارة عن أماكن عامة يلجأ إليها الناس للهروب من الحرارة وشرب الماء- والإجراءات التحضيرية، مثل حملات التوعية عن كيفية التخفيف من وطأة الحرارة حين يكون الجو شديد الحرارة أو زراعة مزيد من الأشجار في المدن.
والكثير من الدول الأوروبية لديها هذه الخطط بالفعل أو هي في طور تفعيلها، لكن الحال ليس كذلك في معظم دول الشرق الأوسط، رغم التهديد الذي تواجهه.
ورغم أن معظم البلدان في الشرق الأوسط أقرت قوانين للتنمية المستدامة وحماية البيئة، فالعديد منها “لا تزال تفتقر إلى رؤية واضحة في كيفية معالجة الآثار طويلة المدى لتغير المناخ على الصحة العامة”، وفقاً لما قاله خبراء صحة عامة في قطر في مقال بعنوان “قوانين وسياسات تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2021”.
وكتب هؤلاء الخبراء: “للأسف، سياسات التخفيف والتكيف مرتبطة بالمصالح الوطنية والاقتصادية”. وأشاروا في الوقت نفسه إلى أن النزاعات السياسية والكوارث الإنسانية “تنزع الأولوية عن مشكلات تغير المناخ”.
ويقول الباحثون إنه توجد اختلافات كبيرة أيضاً بين مدى قدرة الدول الغنية والفقيرة في المنطقة على التكيف مع درجات الحرارة الشديدة.
تكييف الهواء أحد الأمثلة على الآليات التي تستخدمها الدول الغنية، مثل دول الخليج، لحماية السكان من الحرارة. ولكن، في الدول الفقيرة، أو بالنسبة للسكان المحليين الذين لا يستطيعون دفع ثمنه، فهذا الحل ليس قابلاً للتطبيق.
واليمن، الذي يشهد حرباً أهلية منذ عام 2014، مثال آخر. فالقدرة على التنبؤ بظواهر الحرارة الشديدة جزء كبير من خطط العمل المتعلقة بالحرارة التي ترعاها الدولة.
ولكن، وفقاً لتقرير صدر عام 2022 عن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بشأن التخطيط المستقبلي لهذه الظواهر، “في اليمن، تأثرت برامج مثل مراقبة الطقس أو أنظمة الحماية الاجتماعية، التي كانت قوية في السابق، تأثراً شديداً بالحرب، وفي بعض الحالات توقفت عن تقديم الخدمات تماماً”.
ما يمكن أن يعلّمه الشرق الأوسط للعالم عن الحرارة
تتوفر في الشرق الأوسط بالفعل بعض أفضل الطرق الممكنة للتعامل مع درجات الحرارة الشديدة. تقول سيلفيا بيرغ، أستاذة إدارة التنمية والحوكمة في جامعة إيراسموس روتردام، لإذاعة DW، إن الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة معتادون على درجات الحرارة المرتفعة، وعادة ما يعيشون في مساكن باردة بالفعل.
وأشارت بيرغ في مقال نُشر عام 2022 في إطار مشروع أبحاث السياسة العامة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى أن “التكيفات التقليدية في الشرق الأوسط منذ قرون للتعامل مع ندرة المياه والمناخ الحار توفر مخزوناً قيماً للمعرفة البشرية”.
وأوضحت بيرغ بعض هذه التكيفات في مقالها، مثل أبراج “ملقط الرياح” التي تنقل الهواء البارد إلى مناطق المعيشة، وأنفاق الري، واستخدام السواتر بدلاً من الجدران.
تقول ميرفيلي، مسؤولة الأمم المتحدة، والخبيرة في الحرارة الشديدة، إن لدينا الكثير لنتعلمه من هذه المنطقة. وقالت لـ DW: “أعتقد أنه من المهم أن ننفتح على التعلُّم من الجنوب العالمي بدلاً من الإصرار على تعليمه. إذ تضم المنطقة معرفة وتقنيات مذهلة عمرها قرون وتناسب الظروف المناخية الحالية، ويمكننا الاستفادة منها”.
على الحكومات المحلية أن تزيد الوعي والاستعداد
ترى ميرفيلي وبيرغ أن الحلول السريعة تقتضي تدخل السلطات المحلية والحضرية. تقول ميرفيلي: “هناك 3 أنواع رئيسية من الإجراءات التي على المدن أن تتخذها للتعامل مع الحرارة الشديدة: رفع الوعي وزيادة الجاهزية وإعادة تصميم البيئة الحضرية”.
وفي بغداد، تقدم الصحفية العراقية، خلود العامري، عدة اقتراحات، وقالت: “نحتاج إلى عيادة طوارئ مخصصة لهذه الظواهر”، وقالت إن السلطات المحلية قد تخبر المواطنين بأن المستشفيات ممتلئة أثناء موجات الحر أو العواصف الترابية، لكنها لا تمنحهم خيارات لأي مكان آخر يذهبون إليه.
وأضافت: “نحتاج أيضاً إلى تعزيز معرفتنا بالطقس القاسي حتى نتمكن من الاستعداد بشكل أفضل، فهم يخبروننا عادةً قبلها بيوم واحد فقط. ونحتاج أيضاً إلى مزيد من الأشجار المزروعة والأحزمة الخضراء”.
وقالت إن كربلاء، على سبيل المثال، هي المدينة الوحيدة في العراق التي لا تزال تحاول إنشاء حزام أخضر كبير حولها. وقد أمر المجلس المحلي بإقامته، بمساعدة السلطات الدينية المحلية.
أما الباحثون أصحاب دراسة لانست الأخيرة، فلديهم اقتراح أبسط، وإن كان أصعب أيضاً. فقالوا إنه يمكن منع أكثر من 80% من الوفيات المرتبطة بالحرارة في الشرق الأوسط. كيف؟ بخفض درجة حرارة الكوكب إلى درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي