كتب حسين الرواشدة
ما يحدث داخل حزب “الائتلاف الوطني “، مؤسف وخطير ، مؤسف لان التصدعات التي ضربت مداميك الاندماج بين” زمزم “و”الوسط الإسلامي “، هزت أهم مشروع حزبي -بتقديري- كان يمكن أن يقدم نموذجا ناجحا للمصالحة والتوافق بين إدارات الدولة والمجتمع ، وخطير لأنني اتوقع أن تنتقل عدواه لأحزاب أخرى ، خاصة الجديدة ، مما يضر بالتجربة الحزبية التي تشكل “الناقل الوطني “لعملية التحديث السياسي ، و بوابة الدخول للمئوية الثانية للدولة الأردنية .
كنت أراهن على العقلاء في الحزب أن ” يلمّوا الطابق” ، وينتصروا لمشروعهم الذي آمنوا به ،وقدموا من أجله ما يملكون من جهد ومال ، لكن يبدو ان غياب ،أو تغييب هؤلاء ، دفع الجميع إلى الجدار ، او ربما أغرى بعض الذين يريدون أن يستأثروا بالكعكة ، أو الآخرين الذين أعتقدوا أن الحزب مشروعهم الخاص القابل للتوريث ، أغراهم على المكابرة والتمترس خلف غنائمهم ومكتسباتهم التي انتزعوها بلا وجه حق ، وبالتالي انقسم الحزب إلى فسطاطين، أحدهما يعتقد أن مشروعه اصبح مهددا ، ولابد أن يدافع عنه ويستعيد شرعيته ، والآخر مصر على أن اللعبة انتهت ، و أنه لا مجال للتراجع عن الانتصار الذي حققه ، بصرف النظر عن التفاصيل والتوافقات التي تمت في الغرف المغلقة ، او تحت الأضواء.
ما حدث ،بالطبع ، لم يعد سرا، فقد بعث أمين عام الحزب رسالة تهديد للأعضاء الذين اتهمهم بأنهم أساءوا لسمعة الحزب وقيادته ، وتوعدهم بإتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يثبت عليه هذا الفعل ، وبعد ساعات أصدر نحو 120 من كبار أعضاء الحزب بيانا اتهموا في قيادة الحزب وأمينه العام بالانحياز لمجموعة من الأعضاء ، على حساب غيرهم ، مما شكل انتكاسة للمسار ، وتهميشا للمرأة والشباب ، كما اتهموه بتشويه هوية الحزب ،وإضعاف قدرته على التمثيل السياسي ( اكثر من ست محافظات لم تمثل في المكتب التنفيذي للحزب )، ثم استخدامه الحزب لأغراض شخصية ، كما طالبوا في بيانهم أعضاء الحزب بالدفاع عن مشروعهم الوطني ، وتصويب مساره، واستعادة شرعيته السياسية والتنظيمية.
أعرف تفاصيل ما جرى منذ شهور ، لكنني لا أريد أن أحمّل طرفا دون آخر مسؤولية ما حدث ، المسألة تبدو أعمق مما يطفوا على السطح ، أريد أن أشير ،اولا ، إلى أن هذا “الزلزال ” سيكون له ارتداداته، وربما يتسبب بتدمير واحد من ابرز المشروعات الوطنية الحزبية التي تشكل عامل توازن وطني بين الديني والسياسي ، فالحزبان خرجا من عباءة جماعة الإخوان ، وطرحا ، على مدى السنوات الماضية ، أفكارا ألهمت الآلاف من الأعضاء الذين انتسبوا للحزب على قاعدة المشروع الوطني .
أشير ، ثانيا، الى ان الحزب تعرض لضربتين ، احداهما من كبار مؤسسيه الذين تخلوا عنه ، بعد أن أدركوا أنه لم يبق لهم نصيب من المواقع القيادية ، و الأخرى من الذين هبطو عليه ب” المظلات” واختطفوه إلى حيث مصالحهم الشخصية ، أشير ، ثالثا، إلى أن التوافقات التي جرت ، قبل الانتخابات ، تم افشالها( لا تسأل كيف ؟) ، مما ولّد حالة من الشعور بالإقصاء لدى كتلة كبيرة ،معظمها من الشباب والنساء ، مقابل حالة أخرى من الاستقواء لدي كتلة استولت على المشهد ، فأخذتها عزة الفوز إلى الاصرار على عدم التنازل ، أو التوافق أيضا.
أشير ،رابعا ، إلى أن ثمة أيدٍ خفيه لها مصالحها بإضعاف الحزب ، أو طرده من مارثون السباق بالانتخابات ، وأخرى ربما لها حساباتها الخاصة ، ولا علاقة لها بالمشروع ، هذه الأيدي من داخل الحزب ، أو من خارجه، عبثت أو حرضت او تدخلت بأشكال مختلفة للدفع نحو الانقسام والمكاسرة ، وأوغلت صدور بعض الأعضاء للانتقام من بعضهم ، حتى لو كان المشروع هو الخاسر.
أعرف أن القارئ الكريم الذي يتابع ما جرى داخل الأحزاب ،من استقالات وصراعات ، سيمد لسانه لنا جميعا ،لانه يشكك أصلا بجدية التجربة كلها ،هذا يدفعني لتنبيه إدارات الدولة ،و النخب الحزبية ،لاستدراك أي خطأ ،ومعالجته على الفور .
يكفي ما وصل من رسائل لتيئيس الأردنيين ودفعهم إلى الانكفاء، والاستقالة من أي عمل وطني، يكفي ما حصل لبلدنا نتيجة الوصايات وسوء تقدير النتائج، نريد أن ينجح مشروع التحديث السياسي ، لانه مشروع الملك الذي ضمنه أمام الأردنيين، أرجوكم لا تفسدوا هذه التجربة ، لأنها ستقرر مستقبلنا.