وفاة عشرات الأطفال في أكبر دار للأيتام بالسودان

29 مايو 2023
General view of an orphanage in Khartoum, Sudan, in this handout image released May 22, 2023. To match special report SUDAN-POLITICS/ORPHANAGE Courtesy of Nazim Hassan/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY. MANDATORY CREDIT

وطنا اليوم:تسبب الاقتتال الدائر في السودان بين الجيش من جهة، وقوات “الدعم السريع” من جهة أخرى، في وفاة عشرات الأطفال وبينهم رضع، داخل أكبر دار للأيتام في البلاد، إذ لقي أطفال حتفهم جراء نقص الغذاء والأمراض، وقلة الرعاية، التي يصعب توفيرها بسبب قلة الكادر العامل في الدار.
الطبيبة عبير عبد الله، التي تشغل منصب المديرة الطبية لـ”دار رعاية الطفل اليتيم”، كانت في الأيام التي تلت اندلاع الاقتتال بين الطرفين المتنازعين، تهرع بين الغرف في دار الأيتام، محاولة رعاية مئات الرضع والأطفال الصغار، بعد أن تسبب القتال في منع غالبية الموظفين من الحضور.
روت عبير كيف كانت صرخات الأطفال تدوي في أنحاء دار الأيتام المعروف عنها مساحتها الواسعة، والمُسماة أيضاً بـ”دار المايقوما”، بينما كانت النيران الكثيفة تهز المناطق المحيطة.
عرف الموت طريقه إلى دار “المايقوما” التي كان يوجد فيها الأطفال الرضع في طوابقها العليا، وقالت الطبيبة عبير، إن الأطفال تعرضوا لسوء تغذية حاد وجفاف، بسبب عدم وجود عدد كاف من الموظفين لرعايتهم، مضيفةً أن عيادتها في الطابق الأرضي كانت تستضيف عدداً من الأطفال حديثي الولادة الضعاف، وقالت إن بعضهم توفي بعد إصابتهم بحمى شديدة.
أشارت عبير إلى أن الأطفال “كانوا يحتاجوا رضعة كل 3 ساعات. مكانش في حد”، وأضافت بينما كان بالإمكان سماع صرخات الأطفال في الخلفية: “حاولنا نعمل لهم مغذيات بس في معظم الأحيان ما قدرنا ننقذ الأطفال”.

معدل كبير للوفيات
كذلك لفتت الطبيبة إلى أن معدل الوفيات اليومي ارتفع إلى حالتين وثلاث وأربع حالات وأكثر من ذلك، وأضافت أن ما لا يقل عن 50 طفلاً، من بينهم 20 رضيعاً على الأقل، توفوا في دار الأيتام في الأسابيع الستة منذ اندلاع الصراع في منتصف أبريل/نيسان.
أوضحت الطبيبة عبير أيضاً أن 13 طفلاً على الأقل منهم توفوا يوم الجمعة 26 مايو/أيار 2023.
بدوره، أكد مسؤول كبير في دار الأيتام هذه الأرقام، وقال جراح تطوع للعمل بالدار خلال الحرب إن عشرات الأيتام توفوا، وقال كلاهما أيضاً إن الوفيات كانت في الغالب لحديثي الولادة وآخرين تقل أعمارهم عن عام، إذ عانى الأطفال من سوء التغذية والجفاف والإنتان (تعفن الدم)، والتي كانت أسباباً رئيسية للوفيات.
وصفت الطبيبة عبير مشاهد الأطفال الضحايا وهم في أسرّتهم بأنها “مفزعة ومؤلمة جداً”.
في السياق ذاته، قالت وكالة رويترز إنها تحدثت إلى أشخاص آخرين زاروا دار الأيتام منذ بدء قتال الجيش و”الدعم السريع”، أو كانوا على اتصال بزوار آخرين، وقال جميعهم إن الأوضاع تدهورت بقدر كبير، وإن عدد الوفيات ارتفع.
من بين هؤلاء صديق الفريني، مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم، الذي اعترف بارتفاع عدد الوفيات في دار “المايقوما”، وعزا ذلك بشكل رئيسي إلى نقص الموظفين وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر بسبب القتال.
فمن دون تشغيل مراوح السقف ومكيفات الهواء تصبح الغرف ساخنة بشكل خانق في ظل حر شهر مايو/أيار 2023 في الخرطوم، كما يجعل انقطاع الكهرباء تعقيم المعدات أمراً صعباً.
من جانبه، قال محمد عبد الرحمن، مدير الطوارئ في وزارة الصحة السودانية، إن فريقاً يحقق فيما يحدث في دار “المايقوما”، وسيصدر النتائج فور الانتهاء من التحقيق.
ولا تزال المنطقة خطرة، وفي مطلع الأسبوع الجاري استهدفت الضربات الجوية والمدفعية المنطقة التي تقع فيها دار الأيتام وفقاً لما قالته الطبيبة وأكده اثنان آخران، وقالت مقدمة الرعاية هبة عبد الله إنه كان من الضروري إجلاء الأطفال من إحدى غرف دار الأيتام عقب وقوع انفجار في مبنى مجاور.
تتألف دار “المايقوما” للأيتام عن مبنى فيه ثلاثة طوابق في وسط الخرطوم، وتقع على مقربة من مناطق القتال، ويقول عاملون في الدار ومتطوعون إن وابلاً من الرصاص أمطر المبنى، وأشار أحد الأطباء إلى أن الأطفال كانوا ينامون على الأرض في الأيام الأولى من القتال لإبعادهم عن النوافذ.
تأسست دار “المايقوما” في عام 1961، وتستقبل عادة مئات الأطفال سنوياً، وفقاً لمنظمة أطباء بلا حدود الخيرية التي تدعم الدار، ويمثل إنجاب طفل خارج إطار الزواج وصمة عار في السودان الذي يشكل المسلمون أغلبية سكانه.
تعاني دار “المايقوما” حتى من قبل اندلاع الصراع، وكانت تؤوي نحو 400 طفل دون سن الخامسة، والكثير منهم من الرضع، ويعيش الأيتام في عنابر مكدسة في الدار، وتضم كل غرفة 25 طفلاً في المتوسط، وغالباً ما يحمل السرير الواحد اثنين أو ثلاثة من الرضع.
يقول مسؤولون في الدار، إن الأطفال يصلون في الغالب إلى الدار في حالة صحية سيئة، وسجلت دار الأيتام موجات من الزيادات الحادة في حالات الوفاة على مر السنين، وعانت من مشكلات تتعلق بالنظافة وتدني أجور العاملين ونقص الموظفين ونقص التمويل اللازم للعلاج في المستشفيات، وفقاً لأطباء بلا حدود.
عانت دار “المايقوما” من نقص العمالة لدرجة أنه لم يكن هناك سوى نحو 20 مربية لرعاية نحو 400 طفل، بحسب دعاء إبراهيم الطبيبة في دار الأيتام، وقالت أيضاً هي وآخرون إن هذا يعني أن كل مربية مسؤولة عن رعاية 20 طفلاً مقابل معدل مربية لكل خمسة أطفال في الظروف الطبيعية.

المزيد من الضحايا
يُعد أطفال دار “المايقوما” من بين الضحايا المجهولين للصراع الدائر في السودان، فبحسب الأمم المتحدة أسفرت المواجهات عن مقتل أكثر من 700 شخص وإصابة آلاف آخرين ونزوح قرابة 1.4 مليون شخص إلى أماكن أخرى داخل السودان أو إلى دول مجاورة، وسط ترجيحات بأن يكون العدد الحقيقي للقتلى أعلى.
كذلك يُعد السودان، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 49 مليون نسمة، من أفقر دول العالم، وأضر القتال بخدمات الرعاية الصحية الضعيفة أصلاً وبخدمات أساسية أخرى، بما في ذلك المستشفيات والمطارات.
كان ما يقرب من 16 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية قبل بدء الحرب، وتقول الأمم المتحدة إن هذا الرقم قفز الآن إلى 25 مليوناً، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية توقف أكثر من ثلثي المستشفيات في مناطق القتال عن العمل