قراءة تحليلية في واقع حرب عزة

26 مايو 2023
قراءة تحليلية في واقع حرب عزة

أ.د.خالد شنيكات

مقدمة
انتهت هذه الجولة من الصراع بوقف اطلاق النار أي هدنة، لكن الصراع لم يحل بعد، ولم يتجمد الاستيطان، وسيستمر وقف أطلاق النار حتى يتعرض للاختبار في أزمة جديدة، قد تكون أسباب تجدد هذه الحرب قيام اسرائيل بطرد سكان من أحد احياء القدس، او اطلاق صاروخ من غزة، او اغتيال أحد الاسرى او المدنيين الفلسطينيين، او عنف الشرطة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في القدس.
لقد انتهت عملية ثأر الأحرار، أو ما يعرف إسرائيليا باسم عملية السهم الواقي، بحسب الإحصاءات الرسمية الفلسطينية بـ ٣5 شهيدا و ١٩٠ جريح، مع مقتل اسرائيلي واصابات محدودة في الجانب الاسرائيلي، ووفقا لمصادر عسكرية اسرائيلية إنه تم إطلاق 1468 صاروخا على إسرائيل، اخترقت 1139 منها المجال الجوي الإسرائيلي فيما اعترض الجيش أكثر من 430.
اولا: التطور التاريخي للوضع في قطاع غزة
مع سيطرة حماس على قطاع غزة بعد شهور من القتال مع حركة فتح، ردّت إسرائيل بفرض حصار شامل تحت دعاوي حماية الامن الاسرائيلي ولازال الحصار مستمر لأكثر من 15 سنة.
وهذا ما دعى منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ماكسويل غيلارد ليصف الحصار قائلا أنه «اعتداء على الكرامة الإنسانية، كما هدمت إسرائيل مطار غزة الدولي المطار الوحيد في قطاع غزة كلياً مما زاد شدة الحصار والمعاناة.
ومنذ ذلك الوقت، خاضت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة عدة مواجهات عسكرية كبيرة، استشهد الكثير من سكان غزة في كافة جولات الحرب، ردت عليها الفصائل المسلحة في غزة بهجمات صاروخية أثرت سلبا على هيبة الجيش الإسرائيلي، ودفعت عددًا من حكومات اسرائيل على قبول الهدنة أو البحث عن وقف إطلاق النار.
وبينما تحكم حماس سيطرتها على الأمن في غزة، فإن تمويل وادارة قطاعات الصحة والطاقة والخدمات الأخرى يأتي في الغالب من الأمم المتحدة والدول الأجنبية.
ثانيا: غزة النقطة الاساسية في الصراع العسكري الاسرائيلي
رغم ان قطاع غزة صغير المساحة يبلغ طوله نحو 40 كيلومترًا وعرضه 7.5 أميال وتحده “إسرائيل” ومصر والبحر الأبيض المتوسط ، ومكتظ يصل سكانه الى مليونين وثلاثمائة الف نسمة الا انه منذ 2007 اي سيطرة حركة حماس عليه، الا انه اصبح النقطة الاساسية في الصراع العسكري الإسرائيلي مع فصائل المقاومة الفلسطينية.
حيث يمارس الفلسطينيون حكمًا ذاتيًّا محدودًا، وتحتفظ إسرائيل بالسيطرة على المجال الجوي لغزة والأراضي البحرية، وتفرض عليها حصارًا شاملا، وتدمر الأنفاق المستخدمة في تهريب البضائع إلى الداخل.
من جهة أخرى، الحروب المتكررة والفقر المدقع وغياب الافق الاقتصادي، جعلت الكثير من سكان غزة في وضع اقتصادي مزري، لدرجة أن المنظمات الحقوقية الدولية وصفت القطاع بأنه “أكبر سجن في العالم” يضم أكثر من مليوني مواطن جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل.
ومع الضعف الاقتصادي المحدود، يعتمد سكان غزة على حصص الأمم المتحدة، في ظل انقطاع للتيار الكهربائي يوميًّا، ومعظم المياه غير صالحة للشرب.
ويبدو ان نتائج الحروب جليّة منها:
تُقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من 5200 من سكان غزة استُشهدوا في مواجهات متفرقة مع إسرائيل، أغلبهم من الأطفال الذين توفوا جراء الضربات الجوية الإسرائيلية.
ذكر تقرير صدر في عام 2021 عن مجموعة  “يوروميد مونيتور” أن 9 من كل 10 أطفال في غزة يعانون من أحد أشكال الصدمات المرتبطة بالنزاع.

ثالثا: اسباب الجولة الاخيرة من القتال، الاستراتيجية والاجراءات الاسرائيلية
ساهم الوضع الدولي والعربي في اندلاع الحرب، فهناك انشغال للعالم العربي بأزمات وقضايا على رأسها الحرب في السودان، اليمن وعودة سوريا للجامعة العربية واليمن، ورغم أهمية العامل العربي، الا ان تأثيره على السلوك الاسرائيلي محدودا، وتراجع بشكل كبير بسبب انكاءه على قضاياه الداخلية، اما الوضع الدولي، فيبدو تأثير الحرب الروسية الاوكرانية واضحا على اهتمامات الدول الكبرى، ويبدو ان الاهتمام الامريكي منصب على التحديات التي فرضها التطور الصيني ايضا، مع قناعة الادارة الامريكية ان الحرب الاخيرة لن تنزلق الى صراع كبير، وانما نظرتها الى ان هذه الحرب محدودة.
لقد كان السبب المباشر ان اسرائيل لم تسعى لانقاذ خضر عدنان احد قادة الجهاد الذي كان مضربا عن الطعام في السجون الاسرائيلية ، بل تركته يتوفي، مما دفع حركة الجهاد الإسلامي الى اطلاق نحو 100 صاروخ على إسرائيل.
اما السبب من الداخل الاسرائيلي فهو أزمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو داخل الائتلاف الحاكم التي تجسدت في قرار وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير – لديه 6 مقاعد من أصل 64 هي حصة الائتلاف الحكومي الحاكم- تجميد التصويت في الكنيست ووضع بن غفير شرطا للعدول عن ذلك وهو استئناف الاغتيالات بحق الفلسطينيين”، ورفض الضعف الذي يقوم به الجيش الاسرائيلي لانه لم يرد على الهجمات الصاروخية وكذلك وللأسبوع الـ 18 تظاهر آلاف الإسرائيليين يوم السبت الماضي، احتجاجا على الخطة التي تحد من سلطات المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية)، وتمنح الائتلاف الحكومي السيطرة على لجنة تعيين القضاة، ويبدو بهذا المعنى ان نتنياهو يسعى الى تصدير أزمته الداخلية إلى غزة وفقا لبعض المحللين، واسترضاء حلفائه في اليمين للحيلولة دون سقوط حكومته التي مضى على تشكيلها أقل من 5 شهور.
لقد تبنت إسرائيل عدة تكتيكات منها:
اعتمدت اسرائيل على سياسة الاغتيال عدد من كبار القادة الميدانيين لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد.
اعتمدت اسرائيل على نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي الإسرائيلي، وقد اعترض بعض صواريخ المقاومة، وهناك جدل كبير بمدى فعاليته.
نفذت إسرائيل غارات جوية مركزة على القطاع، الذي انطلقت منه دفعات الصواريخ باتجاه إسرائيل، وذلك بعد استهداف القيادات في حركة الجهاد الإسلامي، ومنهم علي غالي، وكما قال نتنياهو أن “كل من يؤذينا، من يرسل إلينا إرهابيين، سيدفع الثمن”.
تدمير مقرات الجهاد، ضرب قواعد الصواريخ، والصواريخ المضادة للدبابات وأكثر من ذلك اي البنية التحتية لإطلاق الصواريخ.
رفع التكلفة اقتصاديا، حيث بدت شوارع القطاع خالية وأغلقت المحال التجارية في غزة، باستثناء عدد قليل من محال السوبر ماركت التي فتحت جزئي.
القيام بحملات تعبئة ضد حركة الجهاد كوصفه بالفصيل الإرهابي الذي يتبع إيران ويتلقى أوامره من كل من طهران ودمشق.
وتبقى الاستراتيجية الاسرائيلية ثابتة وهي ان اسرائيل تعتمد الحروب الخاطفة، ولذلك كانت إسرائيل مستعدة لإنهاء العمليات العسكرية لأنها من وجهة نظرها حققت أهدافها خلال 6 دقائق من بدء العمليات، لكن الجهاد الاسلامي كان له وجهة نظر أخرى وهي استمرار الحرب، مما صعّب الدور المصري في التوصل لتسوية.
رابعا: الاستراتيجية للفصائل الفلسطينية
تعتمد الفصائل الفلسطينية على اطلاق الصواريخ وغطت الجولة الاخيرة من غلاف غزة وصولا الى الاحياء الجنوبية لتل ابيب وبئر السبع، حيث عاش السكان الاسرائيليين على وقع إطلاق صفارات الإنذار.
اعتماد سياسة توحيد الساحات وتعدد الجبهات لكنها هذه المرة لم تعمل على عكس المرة الاخيرة.
ايقاف الحياة الاعتيادية لمواطني اسرائيل حيث عشرات الالف ذهب الى الملاجئ، ومغادرة عشَرات الآلاف من مُستوطني غِلاف القِطاع شِمالًا، وتعطّل نسبي للملاحة الجويّة، وفرض حالة الطوارئ على ما يقارب ملايين إسرائيليين الذين تعطلت حياتهم ومصالحهم ولم يفارقوا الملاجئ حتى آخر دقيقة، فقد قامت الفصائل الفلسطينية بالاستهداف لنقاط انتشار المستوطنين في رامات غان، الاستمرار في قصف العمق، وكان لهذه الصواريخ في بعض الاحيان قدرة على التدمير.
التمسك بالوحدة الوطنية ووحدة حال المقاومة، ولم تنجح اسرائيل في ضرب الصف الفلسطيني، وقد بقيت الغرفة المشتركة كإطار وحدوي ضروري للتوافق الوطني ووحدة الموقف الداخلي.
خامسا: نتائج الجولات العسكرية
فرضت الجولات العسكرية على إسرائيل اتخاذ خطوات محدودة في السنوات الأخيرة لتخفيف محنة غزة، بما في ذلك إصدار تصاريح لنحو 20 ألفًا من سكان غزة للعمل داخل إسرائيل، لكنْ هذه غير كافية لتحسين الوضع الكلي.
لم يتم حل جذور الصراع وانما كانت المسألة احتواء التصعيد، ولم يتم التطرق الى إلزام إسرائيل بالقرارات الدولية وإقامة دولته الكاملة السيادة والمترابطة على حدود الرابع من حزيران عام 1967″.
المطالبات كانت وقف الاغتيالات والإفراج عن جثمان الشهيد خضرعدنان ورفع الحصار عن قطاع غزة”، وتمسّكت الجهاد بشُروطها الثلاثة الرئيسيّة وقفًا كاملًا للاغتِيالات الإسرائيليّة في القِطاع والضفّة، وإلغاء مسيرة الأعلام والاجتِياحات للمسجد الأقصى وباحاته، وهذه الشروط رغم أهميتها للجهاد الا انها تعكس اختلال توازن القوى لصالح اسرائيل، ولكن ما ان انتهت الحرب لم تسلم جتمان الشهيد خضر عدنان، ولم تلغ اسرائيل مسيرة الاعلام، واستمرت في اجتياحاتها للقدس.
لم يتم نزع سلاح الفصائل الفلسطينية كما كانت تطالب بعض اجنحة الحكومة.
ارتفعت شعبية نتنياهو بعد الحرب، وتمكنم ن استبعاد وزير الأمن القومي بن غفير من منظومة صنع القرار العسكري تماما خلال العملية، لكن استطلاعات الرأي الاسرائيلية لم تعتبر انتهاء الحرب نصرا لاسرائيل، بل اعتبرتها جولة، قد تتكرر مرة أخرى.
اخيرا: وضع قابل للانفجار اي التكرار
قد تشتعل الحرب مرة أخرى لأي سبب، والجولات الماضية تؤكد هذا الاتجاه، اذا ما أقدم المُستوطنون وبحمايةٍ من الجيش على مزيد من الاستفزازت او تمت مصادرة الاراضي، او لأي سبب اخر.
ويبقى هناك أسئلة منها : هل يمكن تعويض من خسرته المقاومة من بنية تحتية عسكرية وقيادات؟ وهل تتجه القدرات الفصائل الفلسطينية الى التقلص في ظل حصار محكم ضد القطاع؟
ربما الجولات الاخرى اذا حدثت قد تؤشر الى اين تتجه الأمور، ويبدو من خلال مراقبة المشهد ان الاغتيالات لم توقف الفصائل الفلسطينية عن رد.