الازمة في الموارد ام في إدارة الموارد

25 مايو 2023
الازمة في الموارد ام في إدارة الموارد

ا.د عبدالله سرور الزعبي

الجزء 1 من 3

نجح الأردن خلال قرن من الزمن من اجتياز كافة الظروف الصعبة التي مر بها ومنها التي فرضت عليه بسبب الوضع الجيوسياسي المتغير في المنطقة، ويعود الفضل في ذلك للقيادة الهاشمية وكفاءة الأجهزة العسكرية والأمنية وكفاءة الجهاز الاداري في الدولة والتي اعتبرت مدرسة يقتدى بها من دول المنطقة في مرحلة من المراحل الماضية.

كما ويتمتع الأردن بموقع جغرافي مميز، منحه بيئة جغرافية متنوعة، مما وفر له بيئة زراعية جاذبة ومتنوعة. يضاف لها البيئة السياحية الغنية بالمواقع الاثرية، كما ان وجود البحر الميت، الجسم الجيولوجي الفريد من نوعه على سطح الكرة الأرض، يزيد من جاذبيته. وعلى الرغم من افتقاره الى وجود الموارد الطبيعية كالنفط والغاز ومصادر المياه، الا انه يمتلك من للثروات الطبيعية الأخرى كالفوسفات والبوتاس واملاح البحر الميت والصخر الزيتي والرمل الزجاجي، وقد يضاف اليها النحاس إذا ما ثبتت الجدوى الاقتصادية لتعدينه، مما يجعله في وضع جيواستراتيجي وجيوسياسي وبالموارد المتاحة أفضل من الكثير من دول العالم الأخرى التي حققت نجاحات قوية ووضعت لنفسها بصمة على الساحة الدولية كمساهمة في التنمية العالمية المستدامة.

الا ان الثروة الأهم والتي يمتلكها الاردن، هي ثروة القوى البشرية المتعلمة والشابة والجاهزة لسوق العمل، الامر الذي منحه افضلية عن غيره ولعقود من الزمن، الا انها بدأت تفقد بريقها لكثير من الأسباب، منها، افتقارها للمهارات اللازمة لسوق للمنافسة في سوق العمل الإقليمي والدولي خلال السنوات الماضية، وخاصة في العقد الأخير مع مرحلة التحولات الرقمية، ودخول تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة المختلفة.

ان كافة الميزات المذكورة، بالإضافة الى الاستقرار السياسي والأمني، كان من المفروض ان يجعل من الأردن بيئة استثمارية تكون الأفضل بين دول المنطقة، ويجعل من مؤسسات الدولة (العامة والخاصة) الأفضل في الإدارة لتحقيق التنمية الاقتصادية التي نتحدث عنها منذ عقود.

لن اخوض هنا في التشخيص، كونه تم اختصارها من قبل جلالة الملك وسمو ولي العهد بالترهل الإداري وعدم الالتزام بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب (وهو القول الفصل). ان هذه الكلمات بحاجة الى تفكير عميق، في الأسباب التي اوصلتنا الى هذا المستوى، والتي قد تعود الى غياب الادارة التحويلية، والتي ترفض ثقافة التغير، وتسعى للمحافظة على حالة السكون من منطلق شعار ” ما دامت هذه الحالة مستقرة وبدون ازعاج فلتكن، ولياتي من بعدي ليفعل ما يشاء، إذا استطاع التغير او حتى احداث اختراق في المنظومة الإدارية الساكنة”.

ان مثل هذا النمط الإداري، المعتمد على التسكين والعلاقات والترضيات لن يحقق أية نجاحات، وفي الاغلب تكون قيادات غير كفؤة ومرتجفة حتى الرعب ووصلت بناءً على توصيات من البعض، او بهدف الاسترضاء لتحقيق شعبويات في بيئات محلية مغلقة.

وعلى الرغم من ذلك، ما زال لدينا قصص نجاح التي تتحقق في إدارة بعض الملفات كالبوتاس والفوسفات، والتي نطمح ان نرى التوسع في صناعاتها واستغلال الوضع العالمي الراهنالناتج عن الصراع الروسي الاوكراني، الامر الذي زاد من الطلب عليها. كما اننا بأمس الحاجة لإدارة ملفات أخرى وبكفاءة عالية كملف التعليم والمياه والزراعة والتجارة والاستثمار والموارد الطبيعية الغير مستغلة كالصخر الزيتي والرمل الزجاجي وغيرها الكثير من الملفات، والتي سأتحدث عن بعض التجارب فيها والتي منها تجارب شخصية (وارجو ان لا يساء الفهم منها) في قطاع المياه والتعليم العالي.

في قطاع المياه، فإنني لن اتحدث عن مشروع قناة البحرين والذي أصبح فيما بعد بناقل البحرين (قد اتحدث عنه في مقال اخر) ولن اتطرق لموضوع جر مياه الديسة ومياه خان الزبيب ولا عن مشاريع السدود والتي اخفقنا في عدد منها مما ادىلهدر مالي تجاوز 100 مليون دينار، بل سأتوقف عند الفاقد المائي من الشبكة الوطنية والذي نتحدث عنه منذ ما يقارب العقدين من الزمن والذي استمر بالارتفاع الى ان وصلت نسبة الفاقد من المياه  المسالة الى ما يزيد عن 50℅(على الرغم من وجود الكثير من الدراسات الوطنية وغيرها بمشاركات دولية من المانيا او الولايات المتحدة الامريكية)، ومع ذلكما زلنا نتحدث عن الموضوع دون تكثيف الجهود وتسخير مقدرات القطاع لتخفيضها ضمن مدة زمنية محددة، يجب ان لا تتجاوز الثلاث سنوات والوصل بها الى الحالة المثالية، وفي حال نجحنا في ذلك لنا ان نتخيل كميات المياه الإضافية التي نستطيع تزويد المواطنين والقطاع الزراعي بها.

كما اننا نعلم بان كميات الطمي في السدود في ازدياد كسد وادي العرب والملك طلال ووادي شعيب والكفرين والواله والموجب والتي تقارب 32 مليون متر مكعب (لم يتم إضافة كميات الطمي في سد الكرامة، كونه خارج الحسبة المائية بسبب الملوحة العالية للمياه). الامر الذي أدى الى انخفاض القدرة التخزينية للسدود المذكورة، مما يتطلب وضع خطة فعلية لتنظيفها والبدء بتنفيذها فوراً، وانا على اطلاع بان معالي المهندس محمد النجار يطمح لتحقيق اختراق إيجابي لإدارة ملف المياه الصعب (من منطلق تواصلي المستمر معه خلال ما يزيد عن 13 سنه).

ان التركيز على هذه المواضيع لا محالة سيحسن من الوضع المائي وجودة المياه المقدمة للمواطنين وللقطاع الزراعي.

اما ما يخص ملف التعليم، والذي عايشته خلال أكثر من عقدين من الزمن، فسأتحدثعنه وبكل صراحة، وخاصة بعد تصريحات معالي الدكتور محي الدين توق الأخيرة وعلى شاشة التلفزيون الأردني،والذي أكد بان الفاقد التعليمي تجاوز نسبة 50℅، وهي نسبة تعتبر مأساوية، وهنا الا يحق لنا التساؤل من الذي اوصلنا الى هذه الحالة (بعيداً عن جائحة كورونا).

ان مثل هذ الوضع بحاجة الى معالجة سريعة دون انتظار الخطط متوسطة او طويلة الاجل وكلنا امل في أصحاب المعالي وزير التربية والتعليم ومدير المركز الوطني للمناهج الإسراع في ذلك.

اما فيما يخص ملف الجامعات والمتعلقة بديونها وعجزها وجودة التعليم فيها، والتي تعرضت لهزات كبيرة بدأت بتاريخ 5/12/2004 عندما تم تغير عدد من رؤساء الجامعات دون مبرر في ذلك الوقت، وتوالى المسلسل الى ان وصلنا الى الحالة التي نعاني منها جميعاً.

انه لمن الملاحظ من ان البعض يحمل المسؤولية الى البيئة المجتمعية، الا انه في الواقع من يتحمل ذلك بعض وزراء التعليم العالي والقيادات الاكاديمية في الجامعات، وسأذكر بعض الأمثلة على ذلك.

احد رؤساء الجامعة الأردنية (الأستاذ الدكتور عبدالرحيم الحنيطي) كان قد ذكر لي بانه عندما غادر رئاسة الجامعة كان هناك رصيد مالي في حسابات الجامعة يقدر بثمان وثمانون مليون دينار، ليأتي من بعده وخلال فترة اقل من 3 سنوات ويترك الجامعة وبعجز مالي يقدر ب 12 مليون دينار(عند استلام معالي الدكتور عادل الطويسي لها واستطاع تخفيض عجزها الى 7 مليون دينار كما اخبرني)، والحديث من ان أسباب ذلك يعود الى انشاء فرع العقبة وانشاء المعاهد التي تكرر عمل الكليات وغيرها من الأسباب الإداريةالأخرى (حسب اجماع معظم القيادات الاكاديمية)، مما رتب على الجامعة أعباء مالية استنزفت مواردها.

كما ان اللقاء التشاوري الذي جمع مجلس أمناء جامعة اليرموك والقيادات الاكاديمية السابقة فيها والحالية والذي عقد مع بداية هذا العام خلص الى ان اهم أسباب الازمة المالية لجامعة اليرموك يعود الى التعيينات الإدارية والتي قاربت ال 500 شخص خلال فترة زمنية لم تتجاوز الثلاث سنوات (2010 – 2012) والتعينات الاكاديمية التي تجاوزت ال 250عضو هيئة تدريس خلال عام أكاديمي واحد 2016 -2017، ومعظمها لا مبرر لها (حسب ما أخبرني به أحدنواب الرئيس السابقين في الجامعة والذي حضر الاجتماع).

في الجزء الثاني سنتحدث عن التجربة الشخصية

ا.د عبدالله سرور الزعبي