حديث في شيء من المعارضة و السلطة …لمن يقرأ

16 مايو 2023
حديث في شيء من المعارضة و السلطة …لمن يقرأ

بقلم : سهل الزواهره

كل فكرة أصيلة لا يحملها أصحابها و يكونوا هم أصحاب التحدي الأول لتقديمها للناس هي فكرة بلا أجنحة للتحليق و الوصول إلى المدى المطلوب ، فدخول من لا يرتبط بالفكرة لغايات لا علاقة للفكرة بها، هؤلاء هم حِمل ثقيل عليها سيُغرقها مع المتر الأول للإبحار في عباب أمواج السياسة المتلاطمة ….

المعارضة ليست جُرأة فقط و أكثر ما يُحرج السلطة الاستبدادية هي المعارضة العقلانية التي تستطيع تقديم خطاب ثلاثي متوازن، واحد للشعب و ثانٍ للسلطة ذاتها و ثالث للعالم الخارجي ، بمعنى آخر استقطاب الجمهور للضغط على السلطة بشكل مباشر و استقطاب الخارج للضغط على السلطة بشكل غير مباشر ، و هنا السلطة الذكية تُغيِّر نفسها باستيعاب الأمر عن طريق تحقيق مطالب الجمهور و تخفيف الضغط الخارجي عليها ، أما السلطة الغبية فهي تلك التي تعيش في حالة إنكار و نشوة البقاء و التي سرعان ما تزول مع أول هبة جماهيرية واسعة يعززها سقوط ثقة العالم في ذلك الاستثمار في أرضٍ سيُثبَت بوارها مهما مارست السُلطة و حشدت من أدوات التعمية و التزويق ….

و المعارضة لا يمكن أن تكون مركبا يُقل كل الناقمين على الدولة، و هم ينحرون ذاتهم بذلك و يقدمون انفسهم طبقًا جاهزا للسلطة التي لا تفهم إلا لغة الالتهام لكل من يعيق استمرارها ، فهذه المعارضة عدا عن حَملها كل تناقضات الدنيا و تقديمها على أنها تنوع مُثري، فهي تجعل الجماهير بذلك تُحجم عن الالتحاق بها أو دعمها لأنهم يرون بالقصة كاملة تصفية حسابات و ثارات شخصية و الوطن غني عنها وهكذا نوع من المعارضات يغلب عليه التناقض و غالبًا ما تُسجل النقاط على نفسها دون وعي أو حساب و إذا لم تلتهمها السلطة فهي تلتهم ذاتها و تقع عرضة للخلافات الداخلية و التصدعات التي ستُعجل في أُفول نجمها و خبو كل أثر لها ….

المعارضة الفاشلة دليل على سلطة فاشلة و العكس صحيح ، و السلطة التي لا تشعر بالتهديد حتمًا ستكون سلطة فاسدة و سيدفعها غياب العيون عنها لمراقبتها و الأيدي لردعها إلى التمادي في الاستحواذ على كل شيء بدءًا بتفصيل القوانين و تخليق الدُمى الديموقراطية لإقرارها و جعلها مطايا للإستمرار و التضخم و الذي غالبا يكون على حساب عموم الشعب ، و انتهاءً برهن الدولة و مقدراتها و جعلها بكل مكوناتها عنصر لعقد الصفقات في كل الاتجاهات التي تخدم أرصدة و بقاء السلطة…

إن أكثر أنواع المعارضة خيبة هي تلك التي تقدم نفسها على أنها مركب النجاة الأوحد و أن الوطنية و الحق فقط بالالتحاق بها و أن السلطة أو أي كيان سياسي داخل الدولة عداها لا قيمة مضافة له و هي بذلك تتقاطع مع السلطة التي انتفضت في وجهها بالأصل و تكون السلطة قد نجحت باستدراجها لإخراج اسوأ ما فيها لا بل تدفعها متقصدة للتصعيد اللفظي بداية و أشد منه بعد ذلك، و هنا يتم العزف على نوتات الأمن و الاستقرار و تقديم نماذج حية من سجلات المعارضات المنفلتة و التي يتم تقديمها على أنها تهديد موثق للوطن و حتى بقاءه و هنا يقع الجمهور بين شرَّين أحلامها مُر ، إما الاستبداد المتستر بزي ديموقراطي زائف ، أو الفوضى الصريحة يزُف كل ذلك إعلام تضليلي بَواح يقتات على الكذب و التهويل ، و غالبا تميل النفس إلى الاستقرار بغض النظر عن ارتباطه بالاستبداد فتحسم السلطة النزاع و ترتفع مناسيب استبدادها ، و هنا تكون هذه المعارضات قد قدمت للإستبداد حبل نجاة و ذريعة بقاء و تمدد …

أكثر ما يُشوه أي علاقة بين حاكم و محكوم هو غياب حس الحاكم عن معاناة المحكوم و الإتيان بقصد أو بدونه بأفعال تزيد التشوه و الهوة بينهما و غالبا ما يكون هذا الإنفصال عن الواقع مقدمة لارتفاع الصوت الذي يتبعه غالبا اليد الفارغة و ينتهي باليد التي تحمل كل ما تطاله ، و اذا لم يتنبه الحاكم و يستدرك فهذا إيذان باهتزاز أركان حُكمه و خسائر جمة تعصف بالدولة و واقع سيُفرض بلا مستفيد أو منتصر فالأنظمة تتضعضع و الشعوب تدفع الأثمان مضاعفة …

فهم الأنظمة بأن إضعاف القوى السياسية و التحكم بها هو طريق الاستقرار و الاستمرار فهم قاصر إلا إذا كان النظام يرى الدولة نظاما و النظام دولة ، فيمارس التعري بالقطعة في سبيل البقاء و التصفيق له حتى لا يبقى من شيء لستر جسد الدولة فيفتك بها البرد و الامراض و تلوكها الأعين وتفقد كرامتها و حياءها و تصبح استباحتها هي الأصل وبكل اتجاه ….

السلطة المُخادعة تريد المعارضة كالمتسابقين في برامج المواهب ، تكون فيه هي لجنة الاختيار و تأتي المعارضات على مسرحها لتقدم ما لديها من مواهب و تكون اللجنة هي صاحبة التزكية و أوامر الانتقال من مرحلة إلى أخرى فتُسمع الناس من تشاء و تحجب عنهم من تشاء ، أما المعارضة العدمية فتريد السلطة كالزوج المطواع الذي عصمتُه بيدها تدنيه متى شاءت و تقصيه متى شاءت، تلعنه صباحًا و تغازله مساءً ، تلك معادلات الاختلال التي لا تستقيم، أما أفضل ما يعبر عن العلاقة الصحية بين المعارضة و السلطة فهي علاقة البستاني كسلطة بالحديقة كمعارضة يسقيها بالماء و يعتني بها فيقلم شاذ أغصانها بعناية و يزيل أشواك أرضها بدأبٍ لتنمو أزهارها بسعة و تتنفس أشجارها كلما أرادت إلى ذلك سبيلا و يُحاذر أن يقطف منها زهرة أو يقتلع شجرة فمالك الحديقة (الشعب) دومًا على نافذته يراقب و هو صاحب الكلمة الفصل في أمر البستاني و الحديقة ….