الأوهام الغامضة للدكتور جمال المصري

14 مايو 2023
الأوهام الغامضة للدكتور جمال المصري

 الدكتور جمال المصري

 

 إستوقفتني إحدى المقالات التي تتحدث عن تجربة خامس أغنى شخص في العالم بثروة يبلغ صافيها 107 مليار دولار؛ وارن بافيت، وينقل كاتبها مقولة لبافيت “إذا فهمت الوهم الغامض، فسوف تصبح ثريًا، وسيساعدك تحدي تحيزاتك على رؤية الأشياء بشكل مختلف وتصبح مستثمرًا أفضل”.

ويصف الكاتب بافيت إنه متمرس لاكتشاف المخاطر ويمكنه أن يرى ما حول الزوايا فيما يتعلق باستثماراته ما استوقفني هو رغبتي في فهم المقصود من مصطلح “الأوهام الغامضة” الذي كان مفهوما جديدا علي. يتكفل بافيت بشرح مفهوم هذه الاوهام بلغة مبسطة كما هو دائما، حيث يقول: “عندما كنت طفلاً، بدأت الاستثمار وأصبحت مهتمًا جدًا بالتحليل الفني والرسوم البيانية للأسهم، وجميع أنواع الأشياء المجنونة ودرست (الرسوم البيانية) لساعات وساعات. وقد قمت بتوفير المال لشراء أسهم أخرى وجربت البيع على المكشوف وفعلت كل شيء. وبعد ذلك عندما كان عمري 19 أو 20 عامًا، التقطت كتابًا في مكان ما؛ لم يكن كتابًا مدرسيًا او جامعيا يجذبك عنوانه ويغريك بالقراءة. بداءت بقراءة الكتاب إلى ان وصلت إلى فقرة فيه.

كانت تلك الفقرة الوحيدة كافية لتخبرني ولأكتشف أنني كنت أفعل كل شيء خاطئ؛ بل لقد كان النهج الءي كنت اتبعه برمته خاطئًا. وقد كانت الفقرة مدعمة برسم بياني كان كافيا لتوضيح مفهوم الأوهام الغامضة.بعدها أدركت أن النهج الذي كنت أتبعه واتمسك به كان نهجا أحمقا؛ فقىرت تغيير استراتيجيتي؛ بل إني فعلت”. الوهم الغامض كما يشرحه بافيت هو نوع من الوهم المحير للعقل الذي يلعب الحيل على عقلك. إنه نوع من الوهم الذي يمكن أن يجعل صورة المزهرية تبدو وكأنها وجهان يحدقان في بعضهما البعض، اعتمادًا على كيفية رؤيتك لها. ويمكن أن يكون الوهم غامضًا لأنه ليس من الواضح دائمًا ما يفترض أن يمثله؛ فقد يرى الناس الصورة بشكل مختلف، وقد يكون اكتشاف التفسير الصحيح أمرًا صعبًا. وربما هذا هو ما يجعل الأوهام الغامضة رائعة. إنهم يتحدون عقولنا لرؤية الأشياء من وجهات نظر مختلفة وتفسير المعلومات المرئية بطرق جديدة وغير متوقعة. ويوضح وارن بافيت أنه يمكن تفسير الأوهام الغامضة بشكل مختلف ، اعتمادًا على منظور المشاهد. ويستخدم مثال وهم “البط والأرنب”؛ حيث يرى بعض الناس بطة بينما يرى آخرون أرنبًا.. ويشرح بافيت ذلك بأن العقل يمكنه أحيانًا لعب الحيل علينا، ويمكن أن يستغرق لحظة من الحقيقة أو لحظة تفكير “آها” لرؤية الأشياء بشكل مختلف. يعتقد بافيت بأن مفهوم الأوهام الغامضة مهمًا جدا لأنه ساعده على إدراك أن منهجه الاستثماري كان خاطئًا، وأنه أمضى وقتا طويلا في دراسة الرسوم البيانية ومحاولة استخدام تقنيات مختلفة لكنه كان ينظر إلى الأشياء بشكل خاطئ.وفهو يعتقد لقد اعتقد أنه كان يركز على انتقاء الأسهم التي سترتفع، ولكن باعترافه، كان بحاجة إلى رؤية الصورة الأكبر.

وكان له ذلك كما يقول عندما قرأ تلك الفقرة في كتاب “المستثمر الذكي” لبنجامين جراهام التي توضح مفهوم الأوهام الغامضة، التي كانت مثل المصباح الكهربائي الذي أضاء في رأسه وجعلته يدرك أنه بحاجة إلى تغيير استراتيجيته من خلال النظر إلى الأشياء بشكل مختلف وفتحت عينيه على طريقة جديدة للتعامل مع الاستثمارات بعدم ادرك أن -ما كان يعتقد أنه بطة تحول إلى أرنب- حسب تعبيره. ويبدو ان هذا الإدراك كان لحظة ومنعطفا محوريا في حياته ومهنته الاستثمارية، فقد وضعه على طريق أن يصبح واحدًا من أنجح المستثمرين على الإطلاق. مفهوم الوهم الغامض ليس مجرد موضوع مثير للاهتمام للمناقشة ولكن يمكن أن يكون له أيضًا آثار عملية على استراتيجية الاستثمار الخاصة بك وللحكومة بشكل اكبر، فمبادئ الاستثمار والتخطيط التنموي وادارة الاقتصاد هي ذاتها. فكما يشير بافيت، فأننا يجب أن نكون على دراية بتحيزاتنا وافتراضاتنا عند تحليل مجال ما نستثمر فيه ونخطط له، وأن ندفع أنفسنا نحو رؤية شيء آخر إذا كانت استراتيجيتنا ونهجنا لا يعملان، والنظر إلى الأمور بشكل مختلف، مثل التركيز على القيمة طويلة الأجل بدلاً من المكاسب قصيرة الأجل أو الاعتماد كثيرًا على التحليل الفني وليس بشكل كافٍ على الأساسيات.. فعندما نصبح منفتحين ومستعدين لتحدي افتراضاتنا، فسنكون قادرين عندها على تجنب الوقوع فريسة للتركيز على نفس الأشياء التي لا تحقق لنا نتائج أو تحقق ذات النتائج المخيبة. إذا كانت فقرة واحدة كانت كافية لتغيير نهج واستراتيجيات هذا المستثمر الكبير الذي غدا أسطورة في سن الـ 19 لانه إمتلك الشجاعة لمراجعة نفسه والوقوف على ما اسماه الأوهام الغامضة التي نحتال بها حتى على عقولنا أنفسنا، فلا يمكن تصور التشبث الغريب من الحكومات المتعاقبة بالنهج الإقتصادي والاستثماري منذ عام 1989 دون ان نرى تغيرا وتبديلا له، ودون ان نفكر للحظة بمراجعة نظرتنا للأساسيات وإعادة تقيبم تحيزاتنا وافتراضاتنا التي تتحدث عنا النتائج الشاهدة على وجود أوهام غامضة بقينا على مدى 25 عاما من بدء الأصلاح المدعوم بوهم صندوق النقد الدولي وبرامجه الفاشلة، وخصوصا منذ عام 2012، اي بعد مرور 12 عاما على حزمة برامج الصندوق الثلاثة الجديدة، ولا أستبعد أن نكون ذاهبون إلى برنامج جديد مع الصندوق قريبا، حتى قبل إنتهاء البرنامج الحالي في نيسان 2024. لم تشهد دولة غيرنا فترة أطول في تبني برامج الإصلاح مع الصندوق من التي استغرقتها في حالة الأردن، فهل نفهم الوهم الغامض لا لنصبح أغنياء، ولكن كي نتخلص من اوهامنا الغامضة ونغير النهج ونعدل المسار، علنا نلحق بركب النمو ونعيد الحياة للاقتصاد والاستثمار وللناس، ونتحول إلى أرنب بدلا من تلك البطة البليدة!!. .