الدكتور جمال المصري
بحسب إستطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية والذي تم نشر نتائجه الثلاثاء، لا يعتقد 75% من المستطلعة آراؤهم أن الأردنيين مجتمع سعيد، في حين وصف 62% من اللاردنين الذين استطلعت اراؤهم بأنهم سعداء. وان 61% من الشباب الأردني (18-34 سنة) وصفوا أنفسهم بالسعداء، و (47%) منهم متفائلون إلى حد ما، و37% غير متفائلين.
لا نحتاج إلى كثير من التحليل لملاحظة التناقض بين النتائج وعدم إتساقها فيما يتعلق بالإجابة عما إذا كنا شعبا تعيسا ام سعيدا. فبينما يخلص الاستطلاع إلى أن 75% من العينة المستطلع اراؤهم يرون أننا مجتمع غير سعيد، فإن 62% منهم ومثلهم من الشياب يصفون انفسهم بالسعداء على المستوى الفردي (يبدو انها عينة متحيزة للسعداء). عدا عن أن الإستطلاع لم يحاول البحث بأسباب عدم السعادة، وإكتفى بإيراد عاملين تجعل من الإنسان الاردني سعيدا، بإشارته إلى أن نصف الأردنيين (49%) يعتقدون بأن وجود الأسرة والحفاظ على الدين والتمتع بالصحة هو ما يجعل الأفراد سعداء، بينما يرى 36% أن تحسن أوضاعهم الاقتصادية وتوفير فرص العمل المناسبة يجعلهم أكثر سعادة.
ربما الإجابة على هذا السؤال بطريقة موضوعية وفق منهجية عالمية توفره الموشرات العالمية ممثلة في هذا الأمر بمؤشر السعادة العالمي والذي يوفر تقيمما لمستويات السعادة التي يقاس بها نجاح الدول ويفر موشرات للمقارنة مع الدول الاخرى، وهي المقارنة التي يحلو لحكوماتنا إجراؤها انتقائيا دائما في بعض الجوانب.
فقبل عشر سنوات، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 اذار/مارس يومًا عالميًا للسعادة. ومنذ ذلك الحين، كان هناك إجماع متزايد على أن النجاح الجماعي للدول يجب أن يحكم عليه من خلال سعادة دولها. كان هناك أيضًا اهتمام بحثي وعلمي متزايد لقياس السعادة بطريقة موحدة، بما يتماشى مع المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي والفقر ومعدلات عدم المساواة.
ويستخدم تقرير السعادة في العالم الذي يصدر دوريا نهجًا قائمًا على المسح لقياس رفاهية الدول. والسؤال الأساسي الذي يدرسه التقرير هو “ما العادات والمؤسسات والظروف المادية التي تنتج مجتمعاً يمكن أن يتمتع فيه الناس برفاهية أعلى؟”. ويبحث الاستطلاع أيضًا في المهارات التي يمكن أن يكتسبها الأشخاص لتعزيز رفاههم المستدام على المدى الطويل.
ولتقييم منسوب السعادة على أساس كل بلد على حدة، يتناول التقرير ست ركائز أساسية:
1) الدخل، 2) الدعم الاجتماعي، 3) متوسط العمر المتوقع الصحي (بما في ذلك الصحة الجسدية والعقلية)، 4) حرية العمل والإختيار (مثل حقوق الإنسان الأساسية)، 5) الكرم / العمل الخيري ، و 6) الشفافية ونقص الفساد.
إستخدم تقرير السعادة العالمي 2023 أحدث البيانات لمدة ثلاث سنوات (2020-22). ووفقا لنتائج التقرير، إستمرت فنلندا بإحتلال مركز الصدارة بإعتبارها “أسعد دولة في العالم”، تليها الدنمارك فأيسلندا. وجاءت معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) في النصف السفلي من قائمة الدول الـ 155 التي يغطيها التقرير بإستثنائين وحيدين هما الإمارات العربية المتحدة (#26) والمملكة العربية السعودية (#30)؛ حيث جاءتا في ترتيب متقدم على قدم المساواة مع العديد من الدول الآسيوية والأوروبية، مثل سنغافورة وإيطاليا وإسبانيا. فقد حل العراق على ترتيب أعلى من باقي دول المنطقة (#98)، تلتها فلسطين (#99)، المغرب (#100)، تونس (# 110)، مصر (#121)، فالأردن (#123)، وجاء لبنان متاخرا (#136).
ويوفر التقرير تفاصيل وموشرات فرعية يمكن ان تساعد في الإجابة على التساؤل، ما الذي يجعل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “أقل سعادة” من غيرها؟. فبحسب التقرير فإن أحد الأسباب الرئيسية للتعاسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو الدخل المنخفض. حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (7569 دولارًا أمريكيًا) ما يقرب من نصف المتوسط العالمي (12.236 دولارًا أمريكيًا) وأقل من ربع ما يعادله في دول الاتحاد الأوروبي (38411 دولارًا أمريكيًا). كما أنه أقل بنسبة 10-20% من متوسط دخل الفرد في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ – باستثناء البلدان ذات الدخل المرتفع – وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
السبب الآخر هو “حرية اتخاذ خيارات الحياة”. حيث تصنف مؤسسة فريدوم هاوس، التي تصنف وصول الناس إلى الحقوق السياسية والحريات المدنية في 210 دولة ومنطقة من خلال تقريرها السنوي “الحرية في العالم”، معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أنها “غير حرة” من حيث حق المواطنين في التصويت، وحرية التعبير، والمساواة أمام القانون وخصوصا في دول محددة.
أما السبب المهم الآخر، فهو الشفافية ونقص الفساد؛ فمؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية يصنف العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أدنى المعدلات على مستوى العالم من حيث الشفافية، وهو التقرير الذي نشر قبل فترة.
ولم يغفل التقرير عن الإشارة إلى أنه يمكن لحكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصميم سياسات هادفة لتعزيز السعادة والرفاهية على المستوى القطري. يجب أن تعزز هذه السياسات صحة أفضل (جسدية وعقلية)، والتعليم، والتماسك الاجتماعي ، والاستدامة، والحريات. وأشر على تقدم بعض دول المنطقة على دول أخرى في صياغة هذه السياسات، بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تم إنشاء وزارة جديدة للسعادة وجودة الحياة في عام 2016 لتعزيز الرفاهية والتماسك الاجتماعي.
نهاية القول، بعد قراءتي لنتاىج استطلاع مركز الدراسات اليوم التي إضطرتني لقراءة تقرير السعادة العالمي لعام 2023 شعرت بعدم السعادة رغم تفاؤل استطلاع الراي وسعادة المستجيبين، بعدما جاءت بلدي في المرتبة 123 عالميًا متراجعة من المرتبة 80 تقرير السعادة العالمي لعام 2017؛ متراجعا 43 مركزا على سلم الترتيب ضمن الدول الـ 155 على مستوى العالم.
هذا الترتيب المتأخّر يطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن شعب غير سعيد؟ وما هي معايير السعادة التي يجب أن نعتبر انفسنا غير سعداء وفقًا لها؟. وماذا يتوجب ان نفعل لزيادة منسوب السعادة للإنسان الاردني ومغادرة حالة الإنكار لكوننا تعساء ونتوق لسعادتنا التي نفتقدها عاما بعد عام. الإجابة على هذه الأسئلة يمكن العثور عليها بوضوح على لسان أي مواطن اليوم وهو يعيش ظروفًا حياتية غير مسبوقة وضيقا لا يمكن إلا أن يجعل منا تعساء وبؤساء.